إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 573


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 573


  قال الواثق لهم جميعاً: فأخبروني عن جمهورهم الأعظم إلامِ يذهبون في ذلك. فقالوا: إلى القياس، قال: وكيف ذلك. قالوا جميعاَ: زعمت هذه الطائفة أن الطريق والقانون إلى معرفة الطب مأخوذ من مُقَدِّمات أوَّلَّية، فمنها طبائع الأبدان والأعضاء وأفعالها، ومنها معرفة الأبدان في الصحة والمرض، ومعرفة الأهْوِيَةِ واختلافها، والأعمال والصنائع، والعادات والأطعمة والأشربة والأسفار، ومعرفة قُوَى الأمراض، وقالوا: ثبت في الشاهد أن الحيوان يختلف في صورته وطباعه، وكذلك أعضاؤه مختلفة في طباعها وَصُوَرها، وأن الأجساد الحيوانية تتغير بالأهْوِيَة المحيطة بها وبالحركة والسكون والأغذية من المأكول والمشروب والنوم واليقظة واستفراغ ما يخرج من الجسد واحتباسه والأعراض النفسانية من الغم والحزن والغضب والهم، قالوا: والغرض بالطب في تدبير الأجسام حفظ الصحة الموجودة في البدن الصحيح، واجتلابها للعليل، فالواجب أن يكون حفظ الصحة إنما هو بمعرفة الأسباب المصححة، فالواجب على الطبيب لا محالة من هذه المقدمات التي قد صحت إذا أراد علاج المريض النظر في طبائع الأمراض والأبدان والأغذية والعادات والأزمان والأوقات الحاضرة والأسباب ليستدل بجميع ذلك، وهذا يا أمير المؤمنين قول أبقراط وجالينوس فيمن تقدم وتأخر عنهم، قالوا: وقد اختلفت هذه الطائفة في كثير من الأغذية والأدوية، مع اتفاقهم على ما وصفنا، وذلك لاختلافهم في كيفية الاستدلال؛ فمنهم من زعم أنه يستدل على طبيعة الشيء من الأغذية والأدوية بطعمه أو ريحه أو لونه أو قوامه أو فعله أو تأثيره في الجسد، وزعموا أن الوثيقة في الاستدلال بالأجزاء إذا كانت الألوان والأرايح وسائر ما ذكرنا من أفعال الطبائع الأربع، كما أن الإسخان والتبريد والتليين فعل لها، وزعمت طائفة أخرى منهم أن أصح الشهادات وأثبت القضايا في الحكم على طبيعة الدواء والغذاء بما أخذ من فعله في الجسد دون الطعم والرائحة، وما سوى ذلك، فإن الاستدلال بما سوى الفعل والتأثير لا يقطع به، ولا يعول في الحكم على طبيعة الدواء المفرد والمركب.
 قال الواثق لحنين من بين الجماعة: ما أول آلات الغذاء من الِإنسان. قال: أول آلات الغذاء من الإِنسان الفم، وفيه الأسنان، والأسنان اثنتان وثلاثون سناً، منها في اللّحْي الأعلى ستة عشر سناً، وفي اللّحْي الأسفل كذلك، ومن ذلك أربعة في كل واحد من اللحيين عِرَاضٌ محدود الأطراف تسميها الأطباء من اليونانيين القواطع وذلك أن بها يقطع ما يحتاج إلى قطعه من الأطعمة اللينة، كما يقطع هذا النوع من المأكول بالسكين، وهي الثنايا والرَّبَاعِيَاتُ، وعن جنبي هذه الأربعة في كل واحد من اللحيين سِنَانٍ رؤوسهما حَافَةٌ وأصولهما عريضة، وهي الأنياب، وبها يكسر كل ما يحتاج إلى تكسيره من الأشياء الصلبة مما يؤكل، وعن جَنْبَي النابين في كل واحد من اللحْيَيْنِ خمس أسنان أخر عوارض خشن، وهي الأضراس، ويسميها اليونانيون الطواحن، لأنها تطحن ما يحتاج إلى طحنه مما يؤكل، وكل واحد من الثنايا والربَاعِيَاتِ والأنياب له أصل واحد، وأما الأضراس فما كان منها في اللَّحْي الأعلى فله ثلاثة أصول، خلا الضرسين الأقصيين، فإنه ربما كان لكل واحد منهما أصول أربعة، وما كان من الأضراس في اللّحْي الأسفل فلكل واحد منها أصلان، نجلا الضرسين الأقْصَيَيْنِ؛ فإنه ربما كان لكل واحد منهما أصول ثلاثة، وإنما احتج إلى كثرة أصول الأضراس عون سائر الأسنان لشدة قوة العمل بها، وخصت العليا منها بالزيادة في الأصول لتعلقها بأعلى الفم.
 قال الواثق: أحسنت فيما ذكرت من هذه الآلات، فصنف لي كتاباً تذكر فيه جميع ما يحتاج إلى معرفته من ذلك، فصنف له كتاباً جعله ثلاث مقالات، يذكر فيه الفرق بين الغذاء والدواء والمسهل وآلات الجسد.

 الواثق وحنين بن إسحاق أيضاً
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق