إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 572


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 572


  فقال منهم قائل: زعم طوائف من الأطباء وكثير من متقدميهم أن الطريق الذي يدرك به الطب هو التجربة فقط، وحَدُّوه بأنه علم يتكرر الحس على محسوس واحد في أحوال متغايرة، فيوجد بالحس في آخر الأحوال كما يوجد في أولها، والحافظ لذلك هو المجرب، وزعموا أن التجربة ترجع إلى مَبَادٍ أربعة هن لها أوائل ومقدمات، وبها علمت وصحت، وإليها تنقسم التجربة، فصارت بذلك أجزاء لها، فزعموا أن قسماً من تلك الأقسام طبيعي، وهو ما تفعله الطبيعة في الصحيح والمريض: من الرعاف، والعرق، والِإسهال، والقيء التي تُعْقِبُ في المشاهدة منفعة أو ضرراً. وقسماً عرضياً، وهو ما يعرض للحيوان من الحوادث والنوازل، وذلك كما يعرض للِإنسان أن يجرح أو يسقط فيخرج منه دم قليل أو كثير، أو يشرب في مرضه أو صحته ماء بارداً أو شراباً، فيعقب في المشاهدة منفعة أو ضرراً، وقسماً إرادياً، وهو ما يقع من قبل النفس الناطقة، وذلك كمثل منام يراه الِإنسان،. وهو أن يرى كأنه عالج مريضاً به علة مشاهدة معقولة بشيء من الأشياء معروف فيبرأ ذلك المريض من مرضه، أو يخطر مثل ذلك بباله في حال فكره، فيتردد ويعطب ظنه بعطبه فيجربه بأن يفعله كما يرى في منامه، فيجده كما يرى أو يخالف ذلك، ويفعله مراراً، فيجده كذلك. وقسماً هو نقل، وهو على ثلاثة أقسام: إما أن ينقل الدواء الواحد من مرض إلى مرض يشبهه، وذلك كالنقلة من ورم الحمرة إلى المعروف بالنَّمْلَة، وإما من عضو إلى عضو يشبهه، وذلك كالنقلة من العضد إلى الفخد، وإما من دواء إلى دواء يشبهه، كالنقلة من السفرجل إلى الزعرور في علاج انطلاق البطن، وكل ذلك لا يعمل به عندهم إلا بالتجربة.
 وذهبت طائفة أُخرى منهم إلى أن الحيلة في تقريب أمر صناعة الطب وتسهيلها أن تُرَدَّ أشخاص من العلل ومُوَلّداتها إلى الأصول الحاضرة الجامعة لها، إذ كان لا غاية لتولدها، وأن يستدل على الَدواء من نفس الطبيعة والمرض الحاضر الموجود في الحال والوقت، عون الأسباب المؤثرة الفاعلة التي عدمت، ودون الأزمان والأوقات والأسباب والعادات، ومعرفة طبائع الأعضاء وحدودها، والرصد والتحفظ لكل ما يكون في كل علّة وجدت أو لم توجد، وَبَرْهَنُوا بأن زعموا أن من المعلومات الظاهرة التي لا ريب فيها أن الضدين لا يجوز اجتماعهما في حال، وأن وجود أحدهما ينفي وجود الآخر في الحال لا محالة، قالوا: وليس هذا كشيء ظاهر يستدل به على كل شيء خفي، والشيء الظاهر يحتمل الوجود، فيختلف في الاِستدلال، فيكون القطع على ما يوجبه غير بين، وهذا قول جماعة من حذاق المتطببين وأهل التقدم في اليونانيين مثل نامونيس وساساليس وغيرهما، وهم قوم يعرفون بأصحاب الطب الجبلي.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق