( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 571
عذرتك أيام شَرْخ الشـبـاب وفرعك فرع نضير الغُصَنْ
فأما وقد زال ظل الـشَّـبَـا بِ عنك وَوَلّى كأنْ لم يكـن
وألبسك الشيب بعد الشَبَـاب قناعِ بياض كلون القُـطُـنْ
وصرت قَنًى في عيون الحساَ نِ يَخُنكَ عهداً وإن لم تَخَـنْ
وَيَصْدِفْنَ عنك إذا رمتـهـنَّ وَكُنْتَ لهم زَمَانـاً سـكـن
فما لك عُذْر وأنـت امْـرؤٌ بما فيه رشدك طَبٌّ فطـن وفي خلافة الواثق مات عليّ بن الْجَعْد مولى بني مخزوم، وكان من عليّة أصحاب الحديث وأهل النقل، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين.
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين قَتَلَ الواثِقُ أحمد بن نصر الخزاعي في المحنة على القرآن.
قال المسعودي: وكان يحضر مجلس الواثق فتى برسم الندماء وكان يقوم قائماً لصغر سنه، ولم يكن لذلك يُلْحَقُ في الجلوس بمراتب ذوي الأسنان وكان ذكيّاً مأفوناً له في الِإفاضة مع الجلساء في كل ما يعرض لهم الكلام فيه، والتكلم بما يسنح ويختلج في صدره: من مثل سائر، وبيت شاعر، وحديث ممتع، وجواب مُسْرع، قال: وكان الواثق من شدة الشهوة للطعام والنهمة فيه على الحالة المشهورة المتعالمة، فقال لهم الواثق يوماً: ما تختارون من النَقْل. فبعض، قال: نبات السكر، وبعض قال: رمان، وبعض قال: تفاح، وبعض قال: قصب السكر ينضج بماء الورد، وبعض أخرجته الفلسفة إلى النقيض، فمال: ملح يغلي، وبعض قال: صبر يمحى بمذاب النبيذ، ويجلى على سَوْرَة الشراب ومرارة النقل، قال: ما صنعتم شيئاً، ولكن ما تقول أنت يا غلام. قال: خشكنانج مسير، فوافق ذلك مراد الواثق وقرع به ما في نفسه، وقال: أصبت وأحسنت بارك اللّه لكم، وكان ذلك أول جلوسه.
محمد بن علي بن موسى
وقيل: إن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم الرضوان توفي في خلافة الواثق، وقد بلغ من السن ما قَدَّمناه في خلافة المعتصم من هذا الكتاب، وقيل: إنه كتب إلى الواثق: يا أمير المؤمنين ليس من أحد وإن ساعَدَتْهُ المقادير بمستخلص غضارة عيش إلا من خلال مكروه، ومَنْ ترك معاجلة الدرك انتظار مؤاجلة الأشياء سلبته الأيام فرصته، فإن شرط الزمان الآفات، وحكم الدهر السلب.
عبد اللّه بن طاهر: وفي سنة ثلاثين ومائتين- وذلك في خلافة الواثق- توفي أبو العباس عبد اللّه بن طاهر بن الحسين في ربيع الأول من هذه السنة، وفيه يقول الشاعر، وَقتَ كون عبد اللّه بن طاهر بمصر:
يقول أنَاس: إنَّ مصـر بـعـيدة وما بعدت مصر وفيها ابنُ طاهِر
وأبعد من مصر رجال تَـرَاهُـمُ بحضرتنا معروفُهُمْ غير حاضـر
عن الخير مَوْتَى، ما تبالي أزرتهم على طمع أم زرت أهل المقابر
مجلس للواثق في الفلسفة والطب
وكان الواثق باللّه محباً للنظر، مكرماً لأهله، مبغضاً للتقليد وأهله، محباً للِإشراف على علوم الناس وآرائهم، ممن تقدم وتأخر من الفلاسفة وغيرهم من الشرعيين، فحضرهم ذات يوم جماعة من الفلاسفة والمتطببين، فجرى بحضرته أنواع من علومهم في الطبيعيات وما بعد ذلك من الِإلهيَّات، فقال لهم الواثق: قد أحببت أن أعلم كيفية إدراك معرفة الطب ومأخذ أصوله أذلك من الحس أم من القياس والسنة. أم يدرك بأوائل العقل. أم على ذلك وطريقه يعلم عندكم من جهة السمع، كما يذهب إليه جماعة من أهل الشريعة. وقد كان ابن بختيشوع وابن ماسويه وميخائيل فيمن حضر، وقيل: إن حنين بن إسحاق وسلمويه فيمن حضر في هذا المجلس أيضاً.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق