إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 570



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 570


          
  لحظ الأسير حلقات كَبْلـهِ                      حتى كأني جئته بعـذلـه
  يا واحداً منفرداً بـعـدلـه                      أكسبتُكَ المالَ فلا تمـلّـه
  ما يصنع الغِمْدُ بغير نصله                      والمدح إن لم يك عند أهله فقال لابنه: أكتبها، فكتبها على ظهر كتاب من كتبه، فقال له: جعلت فداك إنها لأبي تمام، فقال: خرق خرق.

 وهذا من ابن المدبر قبيح مع علمه، لأن الواجب أن لا يُدْفَعَ إحسان محسن عدُوّاً كان أو صديقاً، وأن تؤخذ الفائدة من الوضيع والرفيع، فقد روي عن أمير المؤمنين على أنه قال: الحكمة ضالة المؤمن؛ فخذ ضالتك ولو من أهل الشرك. وقد ذكر عن بزرجمهر بن البختكان- وكان من حكماء الفرس، وقد قدمنا ذكره فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار ملوك ساسان وهم الفرس الثانية. أنه قال: أخذت من كل شيء أحسن ما فيه، حتى من الكلب والهرة والخنزير والغراب، قيل له: ما أخذت من الكلب. قال: إلْفَهُ لأهله، وذَبَّه عن صاحبه، قيل: فما أخذت من الغراب. قال: شدة حذره، قيل: فمن الخنزير. قال: بكوره في حوائجه، قيل: فمن الهرة. قال: حسن نغمتها وتملّقَها لأهلها عند المسألة.
 ومَنْ عاب مثلَ هذه الأشعار التي ترتاح لها القلوب، وتُحَرِّك بها النفوس، وتصغي إليها الأسماع، وتشحذ بها الأذهان، ويعلم كل من له قريحة وفضل ومعرفة أن قائلها قد يبلغ في الِإجادة أبعد غاية وأقصى نهاية، فإنما غَضَّ من نفسه، وطعن على معرفته واختياره.
 وقد روي عن ابن عباس أنه قال: الهوى إلهٌ معبود، واحتج بقوله تعالى:  أْفَرَأَيْتَ مَنِ اْتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ  .
 ولأبي تمام أشعار حسان، ومعانٍ لطافٌ، واستخراجات بديعة.
 وحكي عن بعض العلماء بالشعر أنه سئل عن أبي تمام، فقال: كأنه جمع شعر العالم، فانتخب جوهره، وقد كان أبو تمام ألّفِ كتاباً وسَمَّاه: الحماسة وفي الناس من يسميه كتاب الخبية انتخب فيه شعر الناس ظهر بعد وفاته.
 وقد صنف أبو بكر الصولي كتاباً جمع فيه أخبار أبي تمام وشعره وتصرفه في أنواع علومه ومذاهبه، واستدل الصولي على ما وصف عن أبي تمام بما يوجد من شعره، من ذلك قوله في صفة الخمر:         
  جَهْمية الأوصاف، إلا أنهم                      قد لَقّبوها جوهر الأشياء وقد رثته الشعراء بعد وفاته، والأدباء من إخوانه: منهم الحسن بن وهب الكاتب، وكان شاعراً ظريفاً له حظّ في المنثور والمنظوم، فقال:         
  سقـى بـالـمـوصِـل الـجَـدَثَ الـغـريبـــا                      سحـائِبُ ينـتـحـبـن لـه نـــحـــيبـــا
  إذا أطـلـلـنـه أطـــلـــلـــن فـــيه                      شعـيب الـمـزن يتـبـعـهـا شـعــيبـــا
  ولَـطـمـت الــبـــروقُ لـــه خـــدودا                      وشَـقّـقـت الـوعـودُ لـــه جـــيوبـــاً
  فإنَّ تـراب ذاك الـــقـــبـــر يحـــوي                      حبـيبـا كـان يدعـى لـي حـــبـــيبـــا
  لبـيبـاً شـاعـراً فـــطـــنـــاً أديبـــاً                      أصـيل الـرأي فـي الْـجُــلّـــى أريبـــا
  إذا شـــاهَـــدتْـــه رواك فـــيمــــا                      يســـرك رقة مـــنـــه وطـــيبـــا
  أبــا تـــمـــام الـــطـــائِيّ، إنَّـــا                      لقـينـا بـعـدك الـعـجـب الـعـجــيبـــا
  فقـدْنَـا مـنـك عـلـقـــا لا تـــرانـــا                      نصـيب لـه مـدى الـدنــيا ضـــريبـــا
  وكـنـت أخـاً لـنـا أبْـلَـــى إلـــينـــا                      ضمـيرَ الـود والـنـسـب الــقـــريبـــا
  فلـمـا بِـنْـتَ كــدرت الـــلـــيالـــي                      قريب الـدار والأقـصـى الــغـــريبـــا
  وأبـدى الـدهـر أقـبـح صَـفْـحَـــتـــيه                      ووجـهـا كــالـــحـــا قـــطـــرياً
  فأحْر بأن يطيب الموت فيه وأحر بعيشنا أن لا يطيبا وللحسن أشعار حسان ومعان جياد؛ منها قوله:         
  أبـت مـقـلـتـاك لـفـرط الـــحَـــزَنْ                      علـيك الـرُّقَـادَ وبـــرد الـــوَسَـــنْ
  وحـق لـعـينــي أن لا تـــنـــامـــا                      وقـلـبـك مـخـتـلـس مـرتـــهـــن
  وبــين الـــجـــوانـــح داء دفـــين                      لعـمـرك مـسـتـتـر قـد كَـــمَـــنْ
  نجـيّ الـهـمـوم وقـرن الـكـــلـــوم                      ووهـي الـحـلـوم وبـعـد الــوطَـــنْ
  شديد الـنـفـار، كـثـير الــعـــثـــار                      خلـيع الـعـذار يجـــرُّ الـــرسَـــنْ
  أفـي كـل يوم تُـطِـــيلُ الـــوقـــوف                      تنـاجـي الـديار وتـبـكـي الــدِّمَـــنْ.
  وتـسـتـخـير الـدار عـن أهـلـــهـــا                      وَتُـذْرِي الـدمـوع عـلـى مـن ظَـعَـــنْ
  كأنك لم تر فيما مضى من الدهر ذا صَبوَة مفتتن 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق