إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 562 خروج بابك الخرمي



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 562


 خروج بابك الخرمي
 
  واشتد أمر بابك الخرمي ببلاد الران والبيلقان، وكثرت عترته في تلك البلاد وسار عساكره نحو تلك الأمصار، ففرق الجيوش، وهزم العساكر، وقتل الوُلاةَ، وأفنى الناس، فسير إليه المعتصم الجيوش وعليها الأفشين، وكثرت حروبه واتصلت، وضاق بابك في بلاده حتى انفضَ جمعه، وقتل رجاله، وامتنع بالجبل المعروف بالبدين من أرضَ الران، وهي بلاد بابك، وبه يعرف هذا الموضع إلى هذا الوقت، فلما استشعر بابك ما نزل به وأشرف عليه هرب من موضعه، وزال عن مكانه، فتنكر هو وأخوه وولده وأهله ومَنْ تبعه من خواصه، وقد تزيَّا بزي السفر وأهل التجارة والقوافل، فنزل موضعاً من بلاد أرمينية من أعمال سهل بن سنباط من بطارقة أرمينية على بعض المياه، وبالقرب منهم راعي غنم، فابتاعوا منه شاة، وساموا شراء شيء من الزاد لهم، فمضى من فَوْرِه إلى سهل بن سنباط الأرميني، فأخبره الخبر، وقال: هو بابك لا شك فيه، وقد كان الأفشين لما هرب بابك من موضعه وزال عن جبله خشي أن يعتصم ببعض الخبال المنيعة أو يتحصن ببعض القلاع، أو ينضاف إلى بعض الأمم القاطنة ببعض تلك الديار فيكثر جمعه وينضاف إليه فُلاّل عسكره، فيرجع إلى ما كان من أمره، فأخنه الطرق، وكاتب البطارقة في الحصون والمواضع من بلاد أرمينية وأذربيجان والران والبيلقان، وضمن في ذلك الرغائب، فلما سمع سهل بن سنباط من الراعي ما أخبره به سار من فَوْرِه فيمن حَضَره من عدده وأصحابه حتى أتى الموضع الذي فيه بابك، فترجَّل له، ودَنَا منه، وسلم عليه بالملك، وقال له: أيها الملك، قُمْ إلى قصرك الذي فيه ولِيُّكَ وموضع يمنعك اللّه فيه من عدوك، فسار معه إلى أن أتى قلعته، وأجلسه على سريره، ورفع منزلته، ووطأ له منزله ومن معه، وقدّمت المائدة، وقعد سهل يأكل معه، فمال له بابك، بجهله وقلة معرفته بما هو فيه وما دفع إليه-: أمثلك يأكل معي. فقام سهل عن المائدة، وقال: أخطأت أيها الملك، وأنت أحق من احتمل عبده إذ كانت منزلتي ليست بمنزلة من يأكل مع الملوك، وجاءه بحداد، وقال له: مُدَّ رجلك أيها الملك، وأوْثَقَه بالحديد، فقال له بابك: أغدراً يا سهل قال: يا ابن الخبيثة إنما أنت راعي غنم وَبَقَر، ما أنت والتدبير للملك ونظم السياسات وتدبير الجيوش وقيد مَنْ كان معه، وأرسل إلى الأفشين يخبره الخبر، وأن الرجل عنده، فسرَّحَ إليه الأفشين أربعة آلاف فارس عليهم الحديد، وعليهم خليفة يُقال له بوماد، فتسلموا بابك ومن معه، وأتي به إلى الأفشين ومعه سهل بن سنباط، فرفع الأفشين منزلة سهل، وخلع عليه، وجمله، وتَوّجه، وقاد بين يديه، وأسقط عنه الخراج، فأطلقه، وأطلقت الطيور إلى المعتصم، وكتب إليه بالفتح، فلما وصل إليه ذلك ضَج الناس بالتكبير، وعَمَّهم الفرح، وأظهروا السرور، وكتبت الكتب إلى الأمصار بالفتح، وقد كان أفنى عساكر السلطان، فسار الأفشين ببابك، وتنقل بالعساكر، حتى أتى سُرَّ مَنْ رأى، وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتلقى الأفشينَ هارونُ بن المعتصم وأهلُ بيت الخلافة ورجال الدولة، ونزل بالموضع المعروف بالقاطول على خمسة فراسخ من سامرا، وبعث إليه بالفيل الأشْهَبِ، وكان قد حمله بعض ملوك الهند إلى المأمون، وكان فيلاً عظيماً قد جلل بالديباج الأحمر والأخضر وأنواع الحرير الملون، ومعه ناقة عظيمةٌ بُخْتِية قد جللت بما وصفنا، وحمل إلى الأفشين دُرَاعَة من الديباج الأحمر منسوجة بالذهب قد رُصِّعَ صدرها بأنواع الياقوت والجوهر، ودراعة دونها، وقلنسوة عظيمة كالبرنس ذات سفاسك بألوان مختلفة، وقد نظم على القلنسوة كثير من اللؤلؤ والجوهر، وألبس بابك الدراعة الجليلة، وألبس أخوه الأخرى، وجعلت القلنسوة على رأس أخيه نحوها، وقُدِّمَ إليه الفيل، وإلى أخيه الناقة، فلما رأى صورة الفيل استعظمه وقال: ما هذه الدإبة العظيمة. واستحسن الدراعة، وقال: هذه كرامة ملك عظيم جليل، إلى أسير فقد العز ذليل، أخطأته الأقدار، وزالت عنه الجدود، وتَوَرَّطته المحن، إنها لفرجة تقتضي ترحة، وضرب له المصاف صفين في الخيل والرجال والسلاح والحديد والرايات والبنود، من القاطول إلى سَامُرَّا، ملا واحد متصل غير منفصل، وبابك على الفيل وأخوه وراءه على الناقة، والفيل يخطر بين الصفين به، وبابك ينظر إلى ذات اليمين وذات الشمال، ويميز الرجال والعُمَد، ويظهر الأسف والحنين 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق