( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 561
تخطيط سامرا
ولما تأذى المعتصم بالموضع وتعفر البناء فيه خرج يتقرَّى المواضع، فانتهى إلى موضع سَامُرا، وكان هناك للنصارى دَيْر عادي، فسأل بعض أهل الدير عن اسم الموضع، فقال: يعرف بسامرا، قال له المعتصم: وما معنى سامرا. قال: نجدها في الكتب السالفة والأمم الماضية أنها مدينة سام بن نوح، قال له المعتصم: ومن أي بلادٍ هي. وإلام تضاف. قال: من بلاد طبرهان، وإليها تضاف، فنظر المعتصم إلى فَضَاء واسع تسافر فيه الأبصار، وهواء طيب، وأرض صحيحة، فاسْتَمْرَاها واستطاب هواءها، وأقام هنالك ثلاثاً يتصيد في يوم، فوجد نفسه تَتوقُ إلى الغذاء، وتطلب الزيادة على العادة الجارية، فعلم أن ذلك لتأثير الهواء والتربة والماء، فلما استطاب الموضع دعا بأهل الدَّيْرِ فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار، وارتاد لبناء قصره موضعاً فيها، فأسس بنيانه، وهو الموضع المعروف بالوزيرية بسُرَّ من رأى، وإليها يضاف التين الوزيري، وهو أعذب الأتيان وأرَقّها قشراً، وأصغرها حباً، لا يبلغه تين الشام، ولا يلحقه تين أرجان وحلوان، فارتفع البنيان، وأحضر له الفَعَلَة والصناع وأهل المهن من سائر الأمصار، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الغُروس والأشجار، فجعل للأتراك قطائع متحيزة، وجاورهم بالفراغنة والأشروسية وغيرهم من مدن خراسان على قدر قربهم منهم في بلادهم، وأقطع أشنان التركي وأصحابه من الأتراك الموضع المعروف بكرخ سامرا، ومن الفراغنة مَنْ أنزلهم الموضِعَ المعروف بالعمري والجسر، واختطت الخطط، واقتطعت، القطائع والشوارع والحروب، وأفْرِدَ أهْلُ كل صنعة بسوق، وكذلك التجار، فبنى الناس، وارتفع البناء، وشيدت الدور والقصور، وكثرت العمارة، واستنبطت المياه، وجرت من دجلة وغيرها، وتسامع الناس أن دار ملك قد اتخذت، فقصدوها وأجهزوا إليها من أنواع الأمتعة وسائر ما ينتفع به الناس وغيرهم من الحيوان، وكثر العيش، واتسع الرزق، وشملهم الِإحسان، وعمهم العدل فاتسع الخصب، وأقبلت الأرض وكان بَدء ما وصفنا فيما فعله المعتصم سنة إحدى وعشرين ومائتين.
خروج بابك الخرمي
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق