( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 559
ودخل عليٌّ بن الجنيد الإِسكافي يوماً على المعتصم فقال له بعد أن ضاحكه وهازَلَه: يا عليُّ، مالي لا أراك ويلك. أنسيت الصحبة وما حَفِظْتَ الموثق. فقال له حينئذٍ: بالغ الكلام الذي أريد أن أقوله قلته أنت، ما أنت إلا إبليس، فضحك، ثم قال: لم لا تجيئني. قال: آه، كم أجيء فلا أصل إليك، أنت اليوم نبيل، فكأنك من بني مارية وبَنُو مَارَيةَ أناس من أهل السواد يَضْرِبُ بهم أهلُ السواد الأمثال لكبرهم في نفوسهم، فقال له المعتصم: هذا سندان التركي، وأشار إلى غلام على رأسه بيديه مِذَبةٌ، وقال له: يا سندان، إذا حضر عليّ فأعلمني وإن أعطاك رقعة فأوضحلها إليَ، وإن حَمَّلك رسالة فأخبرني بها، قال: نعم يا سيدي، وانصرف علي فأقام أياماً ثم جاء يطلب سندان فقالوا: هو نائم، فانصرف ثم عاد، فقالوا: هو داخل، ولا تصل إليه، فانصرف وعاد، فقالوا: هو عند أمير المؤمنين، فاحْتَالَ حتى دخل عند المعتصم من جهة أخرى، فضاحكه ساعة وعاتبه، وقال له: يا عليّ، ألك حاجة. قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن رأيت سندان التركي؛ فأقره مني السلام، فضحك وقال: ما حالُه. قال: حالُه أنك جعلْتَ بيني وبينك إنساناً رأيتك قبل أن أراه، وقد اشتقْتُ إليه فأسألك أن تبلغه مني السلام، فغلب المعتصمَ الضحكُ، وجمع بينه وبين سندان ثانية وأكد عليه في مراعاة أمره، فكان لا يمنع منه.
المعتصم وشيخ زلق حماره في الطين
وعَبَر المعتصم من سُر مَنْ رأى من الجانب الغربي- وذلك في يوم مَطِيرٍ، وقد تبع ذلك ليلة مطيرة- وانفردَ من أصحابه، وإذا حمار قد زلق ورمى بما عليه من الشوك، وهو الشوك الذي توقد به التنانير بالعراق، وصاحُبه شيخٌ ضعيف واقتص ينتظر إنساناً يمر فيعينه على حمله، فوَقف عليه، وقال: مالك يا شيخ. قال: فديتك حماري وقع عنه هذا الحمل، وقد بقيت أنتظر إنساناً يعينني على حمله، فذهب المعتصم ليخرج الحمار من الطين، فقال الشيخ: جعلت فداك تفسد ثيابك هذه وطيبك الذي أشمه من أجل حماري هذا. قال: لا عليك، فنزل واحتمل الحمار بيد واحدة وأخرجه من الطين، فبهت الشيخ وجعل ينظر إليه ويتعجب منه، ويترك الشغل بحماره ثم شَدَّ عنان فرسه في وسطه وأهوى إلى الشوك وهو حُزْمَتَانِ فحملهما فوضعهما على الحمار، ثم دنا من غدير فغسل يديه واستوى على فرسه، فقال الشيخ السوادي: رضي اللّه عنك، وقال بالنبطية: أشقل غرمى تاحوتكا، وتفسير ذلك، فديتك يا شاب، وأقبلت الخيول، فقال لبعض خاصته: أعْطِ هذا الشيخ أربعة آلاف درهم، وكن معه حتى تجاوز به أصحاب المسالح، وتبلغ به قريته.
وفاة جماعة من العلماء
وفي سنة تسع عشرة ومائتين كانت وفاة أبي نُعَيْم الفضل بن دُكَيْنِ مولى آل طلحة بن عبيد اللّه بالكوفة، وبشر بن غياث المريسي، وعبد اللّهَ ابن رجاء الغُدَاني.
محمد بن علي بن موسى بن جعفر
وفيها ضَرَب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً ليقول بخلق القران.
وفي هذه السنة- وهي سنة تسع عشرة ومائتين- قبض محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وذلك لخمس خلون من في الحجة، ودفن ببغداد في الجانب الغربي بمقابر قريش مع جده موسى بن جعفر، وصَلّى عليه الواثق، وقبض وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقبض أبوه علي بن موسى الرضا ومحمد أبن سبع سنين وثمانية أشهر، وقيل غير ذلك، وقيل: إن أم الفضل بنت المأمون لما قدمت معه من المدينة إلى المعتصم سمَتْه، وإنما ذكرنا من أمره ما وصفنا لأن أهل الإِمامة اختلفوا في مقدار سنه عند وفاة أبيه، وقد أتينا على ما قيل في ذلك في رسالة البيان، في أسماء الأئمة وما قالت في ذلك الشيعةُ من القطعية.
محمد بن القاسم، العلوي
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق