إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 558 المعتصم وعلي بن الجنيد


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 558


 المعتصم وعلي بن الجنيد
 

  وكان المعتصم بأنس بعلي بن الجنيد الإِسكافي، وكان عجيب الصورة عجيب الحديث، فيه سلامة أهل السواد، فقال المعتصم يوماً لمحمد بن حماد: اذهب بالغَدَاة إلى علي بن الجنيد، فقل له تهيأ حتى يزاملني، فأتاه، فقال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تُزَامله، فتهيأ لشروط مزاملة الخلفاء ومعادلتهم فقال علي بن الجنيد: وكيف أتهيأ. أهيئ لي رأساً غير رأسي. أأشتري لحية غير لحيتي أأزيد في قامتي أنا متهيئ وفضلة، قال: لست تحري بعدُ ما شروط مزاملة الخلفاء ومعادلتهم فقال عليُّ بن الجنيد: وما هي. هات يا من تَدرِي، قال له ابن حماد، وكان أديباً ظريفاً، وكان برسم الحجَّاب: شرط المعادلة الإِمتاع بالحديث والمذاكرة والمناولة، وأن لا يبزق، ولاَ يسعل، ولا يتنحنح، ولا يمخط، وألا يتقدم الرئيسَ في الركوب إشفاقاً عليه من المسل، وأن يتقدمه في النزول، فمتى لم يفعل المعادل هذا كان هو والمثقلة الرصاص التي تعدل بها القبة سَوَاءً، وليس له أن ينام وإن نام الرئيس، بل يأخذ نفسه بالتيقظِ، ومراعاة حال مَنْ هو معه وما هو راكبه؛ لأنهما إذا ناما جميعاً فمال جانب لا يشعر بميله كان في ذلك ما لا خفاء به، وعليُّ بن الجنيد ينظر إليه، فلما أكثر عليه في هذا الوصف والشروط قطع عليه كلامه وقال كما يقول أهل السوَاد: آه حرها، أذهب له فقل له: ما يُزَامِلك إلا مَنْ أمُّه زانية وهو كشخان، فرجع ابن حماد، فقال للمعتصم ما قال، فضحك المعتصم وقال: جئني به، فجاءه، فقال: يا عليُّ، أبعث إليك تزاملني فلا تفعل. فقال: إن رسولك هذا الجاهل الأزعر جاءني بشروط حَسان الشاشي وخالويه المحاكي فقال: لا تبزق، ولا تفعل كذا، وافعل كذا، وجعل يمطَطُ في كلامه، ويفرقع في صاداته، ويشْير بيديه، ولا تسعل، ولا تعطس، وهذا لا يقوم لي،. ولا أقدر عليه، فإن رضيت أن أزاملك فإن جاءني الفُسَاء فَسَوْتُ عليك وضَرَطْتُ، وإذا جاءك أنت فأده فافْسُ واضرط، وإلا فليس بيني وبينك عمل، فضحك المعتصم حتى فحص برجليه، وذهب به الضحك كل مذهب، وقال: نعم زاملني على هذه الشريطة، قال: نعم وكرامَةً، فزامَلَهُ فيِ قبة على بغلٍ، فسارا ساعة، وتوسَّطَا البر، فقال علي: يا أمير المؤمنين حضَر ذلك المتاعُ فما ترى. قال: ذلك إليك إذا شِئْتَ، قال: تحضر ابن حماد، فأمر المعتصم بإحضاره، فقال له عليٌ: تعالى حتى أسَارَكَ، فلما دنا منه فَسَا، وناوله كمه، وقال: أجدُ دبيب شيء في كُمِّي فانظر ما هو، فأدخل رأسه، فشم رائحة الكنيف، فقال: ما أرى شيئاً، ولكني لم أعلم أن في جوف ثيابك كنيفاً، والمعتصم قد غَطى فمه بكمه، وقد ذهب به الضحك كل مذهب، ثم جعل يفسو فُسَاء متصلاً، ثم قال لابن حماد: قلت لي لا تسعل ولا تبزق ولا تمخط، فلم أفعل ولكني أخْرَى عليك، قال: فاتصل فساؤه والمعتصم يخرج رأسه من العمارية، ثم قال للمعتصم: قد نضجت القدر، وأريد أخْرَى، فقال المعتصم ورفع صوته حين كثر ذلك عليه: وَيْلَكَ يا غلام الأرض، الساعة أموت.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق