( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 601
قال المسعودي: وللمنتصر باللّه أخبار حسان وأشعار ومُلَح ومنادمات ومكاتبات ومراسلات قبل الخلافة، وقد أتينا على مبسوطها وما استحسناه منها مما لم نورده في هذا الكتاب في كتابنا أخبار الزمان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة، وكذلك في الكتاب الأوسط؛ إذ كنا ما ضمنَّاه كل كتاب منها لم نتعرض لذكره في الآخر، ولو كان كذلك لم يكن بينها فرق وكان الجميع واحداً، وسنورد بعد فراغنا من هذا الكتاب كتاباً نضمنه فنوناً من الأخبار على غير نظم من التأليف ولا ترتيب من التصنيف على حسب ما يسْنَحُ من فوائد الأخبار ويخلله بالآداب وفنون الآثار، تالياً لما سلف من كتبنا ومعقباً لما تقدم من تصنيفنا. إن شاء الله تعالى.
ذكر خلافة المستعين بالله
وبويع أحمد بن محمد بن المعتصم في اليوم الذي توفي فيه المنتصر، وهو يوم الأحد لخمس خَلَوْنَ من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين. ويكنى بأبي العباس، وكانت أمه أم ولد صقلبية يُقال لها مخارق، وخلع نفسه، وسلم الخلافة إلى المعتز، فكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر- وقيل: ثلاث سنين وتسعة أشهر- وكانت وفاته يوم الأربعاء لثلاث خَلَوْنَ من شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقتل وهو ابن خمس وثلاثين سنة.
ذكر جمل هن أخباره وسيره
ولمع مما كان في أيامه
وزراؤه وكتابه
واستوزر المستعين بالله أبا موسى أوتامش، وكان المتولي لأمر الوزارة والقَيم بها كاتباً لأوتامش يُقال له شجاع بن القاسم، وبعد أن قتل أوتامش وكاتبه شجاع صار على وزارته أحمد بن صالح بن شيرزاد، ولما قَتَلَ وصيف وبُغَا باغر التركي تعصبت الموالي، وانحدر وصيف وبُغَا إلى مدينة السلام، والمستعين معهما، فأنزلاه دار محمد بن عبد اللّه بن طاهر، وذلك في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، والمستعين لا أمر له، والأمر لبُغَا ووصيف، وكان من حصار بغداد ما ذكرناه في الكتاب الأوسط. وفي المستعين باللّه يقول بعض الشعراء في هذا العصر:
خليفة في قَفَص بين وصيف وبُغَا
يقول ما قالا لـهَ كما يقول الببَّغَا وقد كان المستعين نَفَى أحمد بن الخصيب إلى إقريطش سنة ثمان وأربعين ومائتين، ونَفَى عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى برقة، واستوزر عيسى بن فرخشانشاه، وقَلَد سعيد بن حميد ديوان الرسائل.
سعيد بن حميد
وكان سعَيد حافظاً لما يُسْتحسن من الأخبار، ويُسْتجاد من الأشعار، متصرفاً في فنون العلم، ممتعاً إذا حَدَث، مفيداً إذا جُولسَ، وله أشعار كثيرة حسان. فَفما يُستحسن ويختار من شعره قوله:
وكنت أخَوَفُهُ بالـدعـاء وأخْشَى عليه من المأثـم
فلما أقام على ظـلـمـه تركت الدعاء على الظالم وقوله:
أسيدتي مـالـي أراكِ بـخـيلةً مقيمٌ على الحرمان مَنْ يستزيدها
فأصْبَحْتِ كالدنيا ننم صروفـهـا ونُتْبِعها ذّماً ونحـن عـبـيدهـا وقوله:
الـلَّـه يعــلـــم، والـــدنـــيا مُـــوَلٌـــيَة والـعـيش مـنـتـقـــل، والـــدهـــر ذو دوَل
فَلَلْفِرَاق وإن هاجت فجيعتهعليك أخوف في قلبي من الأجل
وكنت أفرح بالدنيا ولذتها والـيأس يحـكـم لــلأعـــداء فـــي الأمـــل وقوله:
وما كان حبيبها لأول نظـرة ولا غمرة من بعدها فَتَجَلَّتِ
ولكنها الدنيا تولت، وما الذي يُسَلِّي عن الدنيا إذا ما تولت. وقوله:
كأن انحدار الدمع حين تُجِيلُـه على خدِّها الرَّيَّان دُرٌّ عَلَى دُرّ إلا أن سعيداً- على ما وصفنا عنه من الأدب- كان يتنصب، ويظهر التسنن والتخيل، وظهر عنه الإِنحراف عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وعن الطاهرين من ولده، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
ما رأينا لسعيد بن حُمَيْدٍ من شبيه
ما له يؤذي رسول اللّه في شَتْم أخيه
إنه الزنديق مستو لٍ عــلـــى دين أبـــيه وكان سعيد بن حميد من أبناء المجوس، وفيه يقول بعض الشعراء، وهو أبو علي البصير:
رأس مـن يَدَّعـي الــبـــلاغة مـــنـــي ومـن الـنـاس كـلـهـم فـي حِـــر أمِّـــهِ
وأخونا ولست أعني سعيد بن حُمَيد تؤرخ الكتب باسمه
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق