إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 600 صنيعه مع عاشق


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 600


 صنيعه مع عاشق
 

  وذكر أبو عثمان سعيد بن محمد الصغير، قال: كان المنتصر في أيام إمارته وَجّهني إلى مصر في بعض أموره للسلطان، فعشقت جارية كانت لبعض النخاسين عرضت للبيع، محسنة في الصنعة مقبولة في الخلقة قائمة على الوزن من المحاسن والكمال، فساومت مولاها فأبى أن يبيعها إلا بألف دينار، ولم يكن ثمنها متهيئاً معي، فأزعجني السفر وقد عَلِقَهَا قلبي، فأخذني المُقِيمُ المُقْعِدُ من حبها، وندمت على ما فاتني من شرائها. فلما قدمت فرغت مما وجهني إليه وأديت إليه ما عملت حمد أثري فيه، وسألني عن حاجتي وخبري، فأخبرته بمكان الجارية وكَلَفِي بها، فأعرض عني وجعل لا يزداد إلا حمة وقلبي لا يزداد إلا كَلَفاً وصبري لا يزداد إلا ضعفاً، وسليت نفسي عنها بغيرها، فكأني أغريتها ولم تتسل عنها، وجعل المنتصر كلما دخلت إليه وخرجت من عنده يذكرها ويهيج شوقي إليها، وتحَيّلْت إليه بندمائه وأهل الأنس به وخاص من يحظى من جواريه وأمهات أولاده وجدته أم الخليفة أن يشتريها لي، وهو لا يجيبني إلى ذلك، ويعيرني بقلة الصبر وكان قد أمر أحمد بن الخصيب أن يكتب إلى عامل مصر في ابتياعها وحملها إليه من حيط لا أعلم، فحملت إليه وصارت- عنده، فنظر إليها وسمع منها فعذرني فيها، ودفعها إلى قَيِّمَة جواريه فأصلحت من شأنها، فلما كان يوماً من الأيام استجلسني وأمرها أن تخرج إلى الستارة، فلما سمعت غناءها عرفتها، وكرهت أن أعلمه أني قد عرفتها، حتى ظهر فيَّ ما كتمت، وغلب عليّ صبري، فقال: مالك يا سعيد. قلت: خيراً أيها الأمير، قال: فاقترحَ عليها صوتاً كنت قد أعلمته أني سمعته منها، وأني أستحسنه من غنائها، فغنته فقال: أتعرف هذا الصوت. قلت: إي واللّه أيها الأمير، وكنت أطمع في صاحبته، فأما الآن فقد أيست منها، وكنت كالقاتل نفسه بيده وكالجالب الحتف إلى حياته، فقال: واللّه يا سعيد ما اشتريتها إلا لك ويعلم اللّه أني ما رأيت لها وجهاً إلا ساعةَ دخلت عليها وقد استراحت من ألم السفر، وخرجت من شحوبة التبذل فهي لك، فدعوت له بما أمكنني من الدعاء، وشكره عني مَنْ حضره من الجلساء، وأمر بها فهيئت وحملتَ إليَ فردت إليَ حياتي بعد أن أشرفت على الهلكة، ولا أحد عندي أحظى منها ولا ولد أحب إليَ من ولدها.

 شهادة الحمير

 ومن ملاحات أحاديث الملهين المجان ما ذكره أبو الفضل بن أبي طاهر قال: حدثني أحمد بن الحارث الجزار عن أبي الحسن المدائني وأبي علي الحرمازي قالا: كان بمكة سفيه يجمع بين الرجال والنساء على أفحش الريب وكان من أشراف قريش، ولم يذكر اسمه، فشكا أهل مكة ذلك إلى الوالي فغرّبه إلى عرفات، فاتخذها منزلاً ودخل إلى مكة مستتراً فلقي بها حرفاؤه من الرجال والنساء، فقال: وما يمنعكم مني. فقالوا: وأين بك وأنت بعرفات. فقال: حمار بدرهمين وصرتم إلى الأمن والنزهة والخلوة واللذة قالوا: نشهد إنك لصادق. فكانوا يأتونه، فكثر ذلك حتى أفسد على أهل مكة أحداثهم وحواشيهم، فعادوا بالشكية إلى أميرهم، فأرسل إليه فأتي به فقال: أي عدو اللّه طردتك من حرم اللّه فصرت إلى المشعر الأعظم تفسد فيه وتجمع بين الخبائث. فقال: أصلح اللّه الأمير إنهم يكذبون عليَّ ويحسدونني فقالوا للوالي: بيننا وبينه واحدة تجمع حُمُرَ المكارين وترسلها إلى عرفات فإن لم تقصد إلى بيته لما تعودت من إتيان السفهاء والفُجَّار إياه فالقول ما قال؛ فقال الوالي: إن في هذا لدليلاً، وأمر بجمع الحمر فجمعت ثم أرسلت فقصدت منزله، وأتاه أمناؤه فقال: ما بعد هذا شيء، جَرِّدوه فلما نظر إلى السياط قال: ولا بد من ضربي. قال: لا بد يا عدو اللّه، قال: اضرب فواللّه ما في هذا شيء بأشد من أن يسخر بنا أهل العراق ويقولون: أهلُ مكة يجيزون شهادة الحمير مع تقريعهم لنا بقول شهادة الواحد مع يمين الطالب، قال: فضحك الوالي وقال: لا أضربك اليوم، وأمر بتخلية سبيله وترك التعرض له.
 


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق