إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 598



( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 598


  وحكى عنه وزيره أحمد بن الخصيب بن الضحاك الجرجاني أنه قال حين رضي عن الشاري: إن لذة العفو أعذب من لذة التشفي، وأقبح أفعال المقتدر الانتقام.
 وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: رأى بعض الكتاب في المنام في الليلة التي استخلف في صبيحتها المنتصر كأن قائلَاَ يقول:         
  هذا الإِمام المنتصـر                      والْمَلِكُ الحادي عشر
  وأمـره إذا أمـــر                      كالسيف ما لاقى بَتَرْ
  وطرفـه إذا نـظـر                      كالدهر في خير وشر وقد كان أظهر الإِنصاف في الرعية فمالت إليه قلوب الخاصة والعامة مع شدة الهيبة منها له.
 وحدثني أبو الحسن أحمد بن علي بن يحيى المعروف بابن النديم، قال: حدثنا علي بن يحيى المنجم، قال: ما رأيت أحداً مثل المنتصر ولا أكرم أفعالاً بغير تبجح منه، ولا تكلف، لقد رآني يوماً وأنا مغموم شديد الفكر بسبب ضيعة مجاورة لضيعتي، وكنت أحب شراءها، فلم أزل أعمل الحيلة عند مالكها حتى أجابني إلى بيعها، ولم يكن عندي في ذلك الوقت قيمة ثمنها، فصرت إلى المنتصر وأنا على تلك الحال، فتبين الانكسار في وجهي، وشغل القلب، فقال لي: أراك مفكراً فما قضيتك. فجعلت أرْوِي عنه خبري، وأستر قصتي، فاستحنفني، فصدقته عن خبر الضيعة، فقال لي المنتصر: فكم مبلغ ثمنها، فقلت: ثلاثون ألف درهم، قال: فكم عندك منها. قلت: عشرة آلاف، فأمسك عني ولم يجبني، وتشاغل عني ساعة، ثم دعا بدواة وبطاقة، ثم وقع فيها بشيء لا أدري ما هو، وأشارَ إلى خادم كان على رأسه بما لم أفهم، فمضى الغلام مسرعاً، وأقبل يشغلني بالحديث وُيطَاعمني الكلام، إلى أن أقبل الغلام فوقف بين يديه، فنهض المنتصر وقال لي: يا علي، إذا شئت فانصرف إلى منزلك، وقد كنت قدرت عند مسألته أنه سيأمر لي بالثمن أو نصفه، فأتيت وأنا لا أعقل غماً، فلما وصلت إلى داري استقبلني وكيلي فقال: إن خادم أمير المؤمنين صار إلينا ومعه بغل عليه بدرتان، فسلمهما إليِّ وأخذ خطي بقبضهما، قال: فداخلني من الفرح والسرور ما لم أملك به نفسي، ودخلت وأنا لا أصدق قول الوكيل، حتى أخرج إلي البحرتين، فحمدت اللّه تعالى على ما حَبَاه لي، ووجهت في وقتي إلى صاحب الضيعة فوفيته الثمن، وتشاغلت سائر يومي بتسليمها والِإشهاد بها على البائع، ثم بكرت إلى المنتصر من الغد، فما أعاد علي حرفَاً، ولا سألني عن شيء من خبر الضيعة حتى فرق الموت بيننا.

 حديث عن العشق

 قال المسعودي: وذكر الفضل بن أبي طاهر في كتابه في أخبار المؤلفين قال: حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد الصغير مولى أمير المؤمنين، قال: كان المنتصر في أيام إمارته ينادمه جماعة من أصحابه، وفيهم صالح بن محمد المعروف بالحريري، فجرى في مجلسه ذات يوم ذكر الحب والعشق، فقال المنتصر لبعض مَنْ في المجلس: أخبرني عن أي شيء أعظم عند النفس فَقْداً، وهي به أشد تفجعاً. قال: فَقْدُ خِلٍّ مُشَاكل، وموت شكل موافق، وقال آخر ممن حضر: ما أشد جولة الرأي عند أهل الهوى وفِطام النفس عند الصبا، وقد تصدعت أكباد العاشقين من لوم العاذلين، فلوم العاذلين قُرْطٌ في آذانهم، ولوعات الحب نيران في أبدانهم، مع دموع المعاني، كغروب السَّوَاني، وإنما يعرف ما أقول، من أبكته المغاني والطلول، وقال آخر: مسكين العاشق، كل شيء عدوه: هبوب الرياح يُقْلِقه، ولمعان البرق يؤرقه، والعذل يؤلمه، والبعد ينحله، والذكر يسقمه، والقرب يهيجه، والليل يضاعف بلاءه، والرقاد يَهْرُبُ منه. ورسوم الدار تحرقه، والوقوف على الطلوع يبكيه. ولقد تداوت منه العشاق بالقرب والبعد. فما نجع فيه دواء. ولا هداه عزاء. ولقد أحسن الذي يقول:         
  وقد زعموا أن المـحـب إذا دنـا                      يملُّ، وأنَّ النأي يَشْقِي من الوجـد
  بكل تداوينا فلم يُشْـفَ مـا بـنـا                      على أن قرب الدار خير من البعد 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق