إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي صفحة : 567 أعرابي يصف الواثق وأعوانه


( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي

صفحة : 567


 أعرابي يصف الواثق وأعوانه
 
  وذكر أبو تمام حبيب بن أوس الطائي الجاسمي، نسبة إلى جاسم- وهي قرية من أعمال دمشق بين بلاد الأردن ودمشق بموضع يعرف بالجولان، ويعرف بجاسم على أميال من الجابية وبلاد نوى، وهي من مراعي أيوب عليه السلام- قال: خرجت في أول أيام الواثق إلى سُر من رأى، فلما قربت منها لقيني أعرابي، فأردت أن أعلم خبر العسكر منه، فقلت: يا أعرابي، ممن أنت. قال: من بني عامر، فقلت: وكِيف علمك بعسكر أمير المؤمنين قال: قَتَلَ أرضاً عالمها، قلت: ما تقول في أمير المؤمنين. قال: وَثقَ بالله فكفاه، أشْجَى العاصية، وَقَصَم العادية، وعدل في الرعية، ورغب عن كل في جناية، قلت: فما تقول في أحمد بن أبي دُؤَاد. قال: هَضَبَة لا ترَام، وجبل لا يضام، تشحذ له المدى، وتنصب له الحبائل، حتى إذا قيل قد هلك وثب وَثْبَة الذئب، وَخَتَل خَتْلَة الضب، قلت: فما تقول في محمد بن عبد الملك الزيات. قال: وسع الداني شره، ووصل إلى البعيد ضره، له في كل يوم صريع لا يرى فيه أثر نَابِ ولا مِخْلَب، قلت: فما تقول في عمرو بن فرج. قال: ضخم نهم، استَعذب الدم، ينصبه القوم تُرْساً للوغى، قلت: فما تقول في الفضل بن مروان. قال: رجل نُبِشَ بعد ما قبر، ليس تعدُّ له حياة في الأحياء، وعليه خَفْتة الموتى، قلت: فما تقول في أبي الوزير. قال: تخاله كبش الزنادقة، أما تراه إذا أخمله الخليفة سَمِن وَرَتَع، وإذا هزه أمطر فأمْرَعَ، قلت: فما تقول في أحمد بن الخصيب. قال: ذاك أكل أكلة نهم، لزرق زرقة بشم، قلت: فما تقول في إبراهيم أخيه. قال: أموات غير أحياء وما يشعرون أيَّانَ يبعثون، قلت: فما تقول في أحمد بن إبراهيم. قال: للّه دره أي فاعل هو. وأي صابر هو. اتخذ الصبر دِثَاراً، والجود شعاراً، وأهون عليه بهم، قلت: فما تقول في المُعَلى بن أيوب. قال: ذاك رجل خير، نصيح السلطان، عفيف اللسان، سلم من القوم وسلموا منه، قلت: فما تقول في إبراهيم بن رَبَاح. قال: ذاك رجل أوثقه كرمه، وأسلمه فَضْله، وله دعاء لا يسلمه، صرب لا يخله، وفوقه خليفة لا يظلمه، قلت: فما تقول في الحسن ابنه. قال: ذاك عود نُضَار، غُرِس في منابت الكرم، حتى إذا اهتز حصدوه، قلت: فما تقول في نجاح بن سلمة. قال: للّه دره أي طالب وِتر، ومدرك ثأر. يلتهب كأنه شعلة نار، له من الخليفة في الأحيان جلسة تزيل نعماً، وتُحِلُّ نقماً، قلت: يا أعرابي، أين منزلك حتى آتيك. قال: اللهم غَفْراً مالي منزل، أنا أشتمل النهار، وألتحف الليل، فحيثما أدركني الرقاد رقَدْت، قلت: فكيف رضاك عن أهل العسكر. قال: لا أخلق وجهي بمسألتهم، إن أعطوني لم أحمدهم، وإن منعوني لم أفهم، وإني كما قال هذا الغلام الطائي:         
  وما أبالي وَخَيْرُ القـول أصْـدَقُـه                      حَقَنْتَ لي ماء وجهي أو حقنت دمي قلت: فأنا قائل هذا الشعر، قال: أئنك أنت الطائي. قلت: نعم، قال: للّه أبوك، وأنت القائل:         
  ماجُودُ كَفِّكَ إن جادت وإن بخلـت                      من ماء وجهي وقد أخلقته عِوَضُ قلت: نعم، قال: أنت أشعر أهل زمانك.
 وفي رواية أُخرى ليست في الكتاب: قلت: أنشدني شيئاً من شعرك، فأنشدني:         
  أقول وجنح الدجا مُلْـبَـدُ                      وللّيّل في كـلِّ فَـجٍّ يَدُ
  ونحن ضجيعان فيِ مُجْسَد                      فاللَّه ما ضمِّنَ المجسَـدُ
  فيا غَدُ إن كنْت بي مُحْسِناً                      فلا تَدْنُ من ليلتي يا غَدُ
  ويا ليلة الوصل لا تنفدي                      كما ليلة الهجر لا تنفـدُ فقلت: لله أبوك ورددته معي حتى لقيت ابن أبي عُوَادٍ وحدثته بخبره، فأوصله إلى الواثق، فأمر له بألف دينار، وأخذ له من سائر الكتَّاب وأهل الدولة ما أغناه به، وأغنى عقبه بعده.
 وهذا الخبر فمخرجه عن أبي تمام، فإن كان صادقاً فيما قال، ولا أراه، فقد أحسن الأعرابي في الوصف، وإن كان أبو تمام هو الذي صنعه وَعَزَاه إلى هذا الأعرابي فقد قَصَر في نظمه، إذ كانت منزلته أكبر من هذا.

 أبو تمام الطائي

 وكانت وفاة أبي تمام بالموصل سنة ثمان وعشرين ومائتين، وكان خليعاً ماجناً فيِ بعض أحواله، وربما أداه ذلك إلى ترك موجبات فرضه، تماجناً لا إعتقاداً.
 



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق