( مروج الذهب، ومعادن الجوهر ) المسعودي
صفحة : 564
غزو الروم زبطرة
وفي هذه السنة- وهي سنة ثلاث وعشرين ومائتين- خرج توفيل ملك الروم في عساكره ومعه ملوك برجان والبرغر والصقالبة، وغيرهم ممن جاورهم من ملوك الأُمم، حتى نزل على مدينة زِبَطْرَةَ من الثغر الخزري، فافتتحها بالسيف، وقتل الصغير والكبير وسبى وأغار على بلاد ملطية، فضج الناس في الأمصار، واستغاثوا في المساجد والديار، فدخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم، فأنشده قائماً قصيدةً طويلةً يذكر فيها ما نزل بمن وصفنا ويحضه على الانتصار ويحثه على الجهاد، فمنها:
يا غارة اللّه قد عاينت فانتهكي هتك النِّسَاء وما منهن يرتكـب
هَبِ الرجال على أجرامها قتلت ما بال أطفالها بالذبح تنتـهـب
هزيمة الروم
وإبراهيم بن المهدي أول من قال في شعره يَا غَارَةَ اللَّه.
فخرج المعتصم من فَوْرِه نافراً عليه دُرَّاعَةٌ من الصوف بيضاء، وقد تعمم بعمامة الغُزَاة، فعسكر في غربي دجلة، وذلك يوم الاثنين، لليلتين خَلَتَا من جمادى الأولى من سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ونصبت الأعلام على الجسر، ونوعي في الأمصار بالنفير والسير مع أمير المؤمنين، فسارت إليه العساكر والمطوعة من سائر الإِسلام، وجعل على مقدمته أشناس التركي، ويتلوه محمد بن إبراهيم، وعلى ميمنته إيتاخ التركي، وعلى ميسرته جعفر بن دينار الخياط وعلى سَاقَتِهِ بُغَا الكبير ويتلوه دينار بن عبد اللّه وعلى القلب عجيف، وسار المعتصم من الثغور الشامية، ودخل من درب السلامة، ودخل الأفْشِينُ من درب الحدث، ودخل الناس من سائر الدروب، فلم يكن يحصي الناس العدد، ولا يضبطون كثرة، فمن مكثر ومقلل؛ فالمكثر يقول: خمسمائة ألف، والمقل يقول: مائتي ألف؛ ولقي ملك الروم الأفْشِين، فحاربه فهزمه الأفْشين، وقتل أكثر بطارقته وأصحابه، وحَمَاهُ رجل من المتنصرة يقال له نصير في خلق من أصحابه، وقد كان الأفشين قصر عن أخذ الملك في ذلك اليوم حين ولّي، وقال: هو ملك، والملوك تُبْقِي بعضاً على بعض، وفتح المعتصم حصوناً كثيرة، ونزل على مدينة عمورية، ففتحها اللّه على يديه، وخرج إليه لاوي البطريق منها، وَسَلَّمَهَا إليه، وأسر البطريق الكبير منها، وهو باطس، وقتل منها ثلاثين ألفاً، وأقام المعتصم عليها أربعة أيام يهدم ويحرق، وأراد المسير إلى القسطنطينية، والنزول على خليجها، والحيلة في فتحها بَرّاً وبحراً، فأتاه ما أزعجه وأزاله عما كان عزم عليه من أمر العباس بن المأمون، وأن ناساً قد بايعوه، وأنه كاتب طاغية الروم، فأعجل المعتصم في مسيره وحبس العباس وشيعته.
وفي هذه السنة مات العباس بن المأمون.
خروج المازيار صاحب طبرستان وموته
وفي سنة خمس وعشرين ومائتين أدخل بن قارن بن بندارهرمس صاحب جبال طبرستان إلى سامرا وقد كان أصطنعه المأمون، فعصى في أيام المعتصم، وكثرت عساكره، واتسعت جيوشه، وكتب المعتصم إليه يأمره بالحضور، فأبى، فكتب المعتصم إلى عبد اللّه بن طاهر يأمره بحربه، فسير إليه من نيسابور عمه الحسن بن الحسين بن مصعب، فنزل مدينة السارية من بلاد طبرستان، بعد حروب كثيرة كانت له مع المازيار، وأتت الحسن بن الحسين عيونُه بركوب محمد بن قارن- وهو المازيار- إلى الصيد في نفر يسير، فبادره الحسن وناوشه الحرب، فأسر وحمل إلى سامرا فأقر على الأفشين: أنه بعثه على الخروج والعصيان، لمذهبٍ كانوا اجتمعوا عليه، وَدِينٍ اتفقوا عليه من مذاهب الثنوية والمجوس، وقبض على الأفشين قبل قدوم المازيار بسامرا بيوم، وأقر عليه كاتب له يقال له: سابور، فضرب المازيار بسوط حتى مات، بعد أن شهر وصلب إلى جانب بابك، وقد كان المازيار رَغَبَ المعتصم في أموال كثيرة يحملها إليه إن هو مَنَّ عليه بالبقاء، فأبى قبول ذلك، وتمثل:
إنَّ الأسود أسود الغيل همـتـهـا يوم الكريهة لي المَسْلُوب لا السلب ومالت خشبة مازيار إلى خشبة بابك، فتدانت أجسامهما، وقد كان صلب في ذلك الموضع باطس بَطْرِيق عمورية، وقد انحنت نحوهما خشبته، ففي ذلك يقول أبو تمام حبيب بن أوس من كلمة له:
ولقد شفَى الأحشاء من بُرَحَائِهَا إذ صار بَاَبَكُ جَـارَ مَـازِيارِ
ثانيه في كَبِدِ السماء ولم يكـن لاثنين ثَانٍ إذ هُمَا في الغـار
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق