إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

85 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


85

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

  قال الواقدي
‏:‏ ولقد بلغني ممن أثق به أنهم لما حملوا طحطحوا العساكر وزعزعوا الدساكر وأزالوا الأبطال عن مراكزها والبطاركة عن مراتبها وما اعتمدوا إلا على السيوف واستقبلوا بها الصفوف فلما رأى شهرياض فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى التاج عن رأسه وزعق بالبطارقة والأراجية والقياصرة وقال‏:‏ يا معشر الروم من بني الأصفر اعلموا أنه ما بين ذهاب دولتكم إلا هذا اليوم فإما أن تقاتلوا عن دينكم وحريمكم وملككم وذراريكم وأولادكم وإلا أخذت منكم فإياكم أن تولوا الأدبار فمن تولى غضب عليه المسيح وأدخله النار‏.‏
قال الراوي‏:‏ وبلغني أنه في ذلك اليوم وصل إليهم بتركهم الكبير المشار إليه في دينهم ومعه كل قس وشماس ورهبان بأرض الجزيرة جاء ليحرض الروم على القتال وكان هذا البترك اسمه دين الديروم وكان يسكن بدير يقال له دير قرقوت وأنهم وصلوا قبل أن يحمل المسلمون فوعظهم بين الصفوف وقال‏:‏ من انهزم منكم حرمته فلا يقبله المسيح أبدًا ثم انفصل من القوم هو ومن معه وعلوا على رابية تشرف على القوم ورفعوا الصلبان وفتحوا الأناجيل وأشركوا بالملك الجليل‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثنا عبد الله بن مالك عن موسى بن أبي العام عن الأشعب عن يحيى قال وحدثنا بشر بن عامر وكان ممن حضر وقعه مرج رغبان وكانت الواقعة يوم الثلاثاء ثالث شهر صفر سنة سبع عشرة وكان شهرياض قد أرسل إلى رأس العين وسائر بلاده فأتوا بحريمه وحريم سائر الأجناد والبطارقة وأولادهم وأقامهن يوم المصف على أبواب الخيام وقال لهن‏:‏ ما من امرأة إلا ترفع ولدها وتصيح باسم بعلها وأخيها إنما فعل ذلك ليثبتوا في القتال فأوقعوا الصياح من كل جانب وعملت القواضب وثبت الروم ثباتًا عظيمًا لأجل حريمهم وأولادهم ولأجل البترك ووقف في مقابلتهم رجال من اليمن يرمونهم بالنبل وأما خالد بن الوليد فلما حمل بأصحابه وهو يريد صليب القوم سمع عياض بن غنم وهو يقول هذه الأبيات‏:‏ سنحمل في جمع اللئام الكواذب ونفري رؤوسًا منهم بالقواضب ونهزم جيش الكفر منا بهمة تطول على أعلى الجبال الراسب وننصر دين الله في كل مشهد بفتيان صدق من كرام الأعارب فيا معشر الأصحاب جدوا وجندلوا وكروا على خيل كرام المناصب فدونكم قصد الصليب وبادروا لنرضي إله الخلق معطي المواهب قال‏:‏ ثم قصدوا الصليب وكان اللعين شهرياض لما صف الصفوف أقام حول الصليب الأعظم اثني عشر ألف فارس كلهم لبس الزرد وترك أمامهم حسكًا من حديد حتى لا يصل إليهم أحد فلما حمل خالد وأصحابه وقربوا من الصليب داس خيولهم على ذلك الحسك فانكبت على وجوهها فوقعوا عن ظهورها فانكبت عليهم الروم بغيظهم وحنقهم فأخذوهم بالأكف لأنهم وقعوا عن ظهور خيولهم من الحسك فأخذوهم عن آخرهم وارتفعت العطاعط من كل جانب وعملت المرهفات القواضب فلما نظر الأمير عياض بن غنم ما نزل بخالد ومن معه صعب عليه واشتد لديه وقال في نفسه‏:‏ يا ابن غنم ما يكون عذرك بين يدي الله وقد مضت هذه السادة تحت رايتك فصاح بأعلى صوته‏:‏ يا معاشر المسلمين احملوا ولا تمهلوا أيقظوا هممكم وعجلوا واستخلصوا السادة من الأشر واطلبوا من الله النصر‏.‏
قال‏:‏ فلما صاح عياض أوقفوا خالدًا ومن معه أمام الصفوف فتأسف ابن وضاح بن مجيد بن نافور بن عمر بن سالم بن النابغة الذبياني وكان من أفصح الناس لسانًا وأجرأهم جنانًا وأحدهم لسانًا وأعلمهم بيانًا وكان حليفًا لخالد بن الوليد رضي الله عنه فبرز يومه بمرج رغبان وقال‏:‏ أيها الناس إن الصبر والثبات جندان فلا يغلبان وهذا يوم يا له من يوم وما ترون من نخواتكم ومروءتكم ودينكم أن تدعوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد العدا فاستنقذوهم من الردى واتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أن ترك الأشياء النفيسة لا يليق إلا بالنفس الخسيسة أما تحققتم أن الدنيا تؤول إلى الزوال والفناء والآخرة هي دار النعيم والبقاء‏.‏
أما علمتم أن الهمم العلية الروحانية والأشباح‏.‏
الجسمانية عولت على الانتقال من الدنيا الساحرة إلى دار الآخرة وقالت‏:‏ لا بد من الرحيل لأن البقاء في الدنيا قليل فتزودوا معاشر الأرواح فقد قرب الرواح والقصد منكم قد عرفناه ومرادكم قد فهمناه وإن سفركم سفر شاق يحتاج إلى زاد ورفاق قالوا‏:‏ فما الزاد الذي نكثر منه ولا نعدل عنه‏.‏
قيل لهم الزاد الأقوى في وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏.‏
قالوا‏:‏ أما هذا الزاد فمنا من يقدر عليه ومنا من لم يقدر عليه قيل‏:‏ إياكم والتعرض لهذا السفر بغير أعمال واعملوا ليوم لا بيع فيه ولا خلال فلما تزودوا أخلصوا ومن جيفة الدنيا تخلصوا خلع عليهم خلع الأنعام وتوجهم بتاج العز والإكرام وجعل لهم الفردوس منزلًا وقال في حقهم‏:‏ ‏{‏كانت لهم جنات الفردوس نزلًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 107‏]‏‏.‏ واسمعوا ما قال فيهم الملك المقتدر‏:‏ ‏{‏فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 23‏]‏‏.‏ قال فعندها حملوا بأسرار صافية وهمم وافية وطعنوا في صدور الرجال ورفرفت على رؤوسهم طيور الآجال ووضعوا السيف في الروم وجعلوه عليهم يومًا مشؤومًا‏.‏
قال ولم يزل القتال بينهم بقية يومهم إلى الليل وانفصلوا عن القتال ورجع المسلمون وهم متأسفون على أسر خالد ومن معه فإنهم لما وقعوا في الأسر وانفصل الناس من القتال وجن الليل أرسلهم الملك شهرياض إلى رأس العين مع حاجبه نقيطا بن عبدوس ومعه ألف فارس وأمره أن يسير بهم في الليل ويجد بهم في السير وأن يسلمهم إلى والي رأس العين‏.‏
قال‏:‏ فسار بهم ولم يطلع الفجر إلا وقد وصل بهم إلى رأس العين وأرسل من يعلم الوالي بالقصة فخرج في موكبه للقائهم ووضع الصايح في رأس العين بقدومهم فما تخلف أحد وكان لهم يوم مشهود فألقاهم الوالي في الكنيسة العظمى التي هي جامع اليوم وأوثقوهم في الحديد‏.‏
قال‏:‏ حدثنا فاهم اليشكري عن بشار بن عدي عن سراقة بن زهير عن خزيمة بن عازم عن جده عبد الله بن عامر‏.‏
قال‏:‏ إنه لما فتح الرها وحران وسروج صلحًا اجتمع يوقنا برودس ومعه أصحابه‏.‏
فقال‏:‏ اعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد فتح علينا هذه البلاد وأن رأس العين مدينة عظيمة وأهلها قد استعفوا للقتال وآلة الحصار وربما صعب أمرها وعسر فتحها على المسلمين وإني معول أن أهب نفسي لله وأسير مع أصحابي فلعلي أن أحصل في داخل المدينة ولعل الله أن يفتحها على يدي‏.‏
فقال له سعيد بن زيد‏:‏ قوى الله وسدد أمرك‏.‏
قال وعول على المسير في تلك الليلة وإذا بعيون المسلمين قد أقبلت إلى حران يخبرون أنه قد أتى عاصم بن رواحة المتنصر في خمسمائة فارس من قومه من إياد الشمطاء‏.‏
وكان قد وصل مع قومه إلى قسطنطينية وقد ورد على الملك هرقل كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يبعدهم عن دياره فأبعدهم عن أرضه فتفرقوا في كل موضع وأتى منهم عاصم بن رواحة إلى هذا الملك شهرياض في خمسمائة فارس وكان الملك يحبه ولما وصل إلى البرية كتب إلى الملك يعرفه أنه خرج من بلاد القسطنطينية وأتى قاصدًا إلى بلاده وخدمته‏.‏
وبعث الكتاب مع رجل من بني عمه اسمه رفاعة بن ماجد فوصل إلى الملك وأعطاه الكتاب ففرح الملك بقدومه وأمره أن يعجل في الحضور وأرسل إلى والي رأس العين بأن يخلي له دارًا ينزل فيها إذا قدم مع أصحابه فلما سمع يوقنا ذلك الخبر بأن من عيونه فرح وقال‏:‏ من أي طريق يأتون قال‏:‏ من طريق سروج وبقي بينكم وبينه ليلة واحدة فخرج يوقنا ومن معه وصحبهم عمرو بن معد يكرب وسعيد بن زيد ومن معهم وكمنوا لهم في موضع قد علموا أنهم لا بد لهم من العبور فيه فلما ضرب الليل سرادقات ظلامه ونصب على الخافقين أعلامه إذ أقبلت خيول القوم وسمعوا حسهم فصبروا حتى توسطوهم من كل جانب وقصد كل واحد واحدا فأخذوهم عن بكرة أبيهم ولم ينفلت منهم أحد واحتووا على أثقالهم ورحالهم ورجعوا إلى مكمنهم ونزلوا عن خيولهم‏.‏
فقال لهم سعيد بن زيد‏:‏ من أميركم حتى أخاطبه‏.‏
فأشاروا إلى عاصم بن رواحة‏.‏
فقال له سعيد بن زيد‏:‏ يا ابن رواحة أي مناسبة بينكم وبين الروم حتى لذت بهم وملت إلى جانبهم وتركت العرب العرباء فأنت منا وإلينا وحسبك حسبنا ونسبك نسبنا‏.‏
لأن أنمارًا وإيادًا وربيعة ومضر كلها ترجع إلى نزار بن معد بن عدنان وأن الله تعالى قد اختارهم لسكنى حرمه وجوار بيته وقد كنا نعبد الأصنام ونستقسم بالأزلام ونتبع طرق الحرام حتى بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 214‏]‏‏.‏ وأمره بالمقام في دار الخيزران ثم دعاهم إلى عبادة الملك الديان وقال لهم‏:‏ أنتم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وقد فضلكم بارئ النسيم بسكناكم البلد الحرام والبيت المعظم وزمزم والمقام فما لي أراكم على الأصنام عاكفين وبالأزلام حالفين وفي ثياب الكفر رافلين أما لكم عقول تردكم أما لكم بصائر تصدكم أما أنتم من ذوي الأحلام الراجحة أما أنتم من ذوي الآراء الشامخة ألهذا خلقتم أم به أمرتم‏.‏
نحتم الأصنام من الأحجار وسلكتم طريق الفجار وكفرتم بالواحد الجبار الذي سير البحار وأجرى الفلك الدوار وخلق الليل والنهار‏.‏
أما تشكرون الصانع الذي جعل النجوم طوالع وكل إليه راجع‏.‏
قالوا‏:‏ يا محمد من أمرك أن تسب آلهتنا وتسفه أحلامنا‏.‏
قال‏:‏ يا قوم العلم أمرني والعقل بصرني أما علمتم أنه من نظر في المصنوعات وتدبر علم أن لها صانعًا لا يتغير فالنظر في المخلوقات حكمة والتفكر في صنعه والإقرار بوحدانيته نعمة والإيمان به رحمة‏.‏
قالوا‏:‏ فمن تعبد‏.‏
قال‏:‏ أعبد الذي فطرني وصورني وشرح خاطري ونور بصائري وخلق المخلوقات وقدر صنع المصنوعات وانزل الأرزاق بقضاء وقدر ليس في مشيئته كيف ولا في أقضيته حيف يقول ولا يتلفظ ويريد ولا يظهر ويسمع ويبصر تعالى عن المكان والأين والشبيه والبين وقال‏:‏ ‏{‏لا تتخذوا إلهين اثنين‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 51‏]‏‏.‏ أما علمت يا ابن رواحة أن ديننا هو الحق وقولنا هو الصدق وما بعث الله نبيًا إلا وأمر أمته باتباع دين الإسلام‏.‏
قال الله تعالى في القرآن‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 78‏]‏‏.‏ وأنت تعلم الآن أنكم في قبضتنا وأسرنا فإن آمنتم بالله وصدقتم برسالة نبيه صلى الله عليه وسلم كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أبيتم ضربنا أعناقكم‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع عاصم بن رواحة ذلك من كلام سعيد بن زيد قال‏:‏ وإن نحن رجعنا إلى قولكم واتبعنا دينكم يغفر لنا ربنا ما سلف من الإشراك في ربوبيته والسجود لغيره‏.‏
قال سعيد‏:‏ نعم‏.‏
لأن الإسلام يهدم ما كان قبله وجميع ما كنتم فيه لا يطالبكم الله به وتخرجون من الذنوب كما خرجتم من بطون أمهاتكم إلى الدنيا ثم تلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 53‏]‏‏.‏ فلما سمع عاصم كلام سعيد قال‏:‏ أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فلما نظر أصحاب عاصم إليه وقد أسلم أسلموا عن آخرهم ففرح المسلمون بذلك وقالوا قد فقال يوقنا‏:‏ الآن فتحنا رأس العين ورب الكعبة‏.‏
فقال سعيد‏:‏ فكيف ذلك يا عبد الله‏.‏
قال‏:‏ سوف أريك بيان ذلك ثم إنه قال لعاصم بن رواحة في السر بينه وبينه‏:‏ أريد منك أن تشدني كتافًا أنا وأربعين من أصحابي وتجعلنا على ظهور الجمال التي تحمل أثقالكم وتركب مع هؤلاء السادة يعني الأربعين الذين هم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسيروا من ليلتكم هذه إلى رأس العين وتقولوا لواليها لما عبرنا الفرات خرج هؤلاء علينا فنصرنا المسيح عليهم فقتلنا من قتلنا وأسرنا هؤلاء وأتينا بهم إليكم وإياك أن تمكنه أن يقتل واحدًا منا وإذا أراد ذلك تقول له إن المصف بين يدي الملك وبين العرب ولا ندري من يؤخذ من أصحابنا يخون عندنا الفداء وتترك أصحابك حران‏.‏
قال عاصم‏:‏ ولم لا نسير بأجمعنا وبأصحابي كلهم فقال يوقنا‏:‏ إن الإسلام لم يتمكن بعد من قلوب القوم ونخاف أن أحدًا منهم يغمز علينا فيفسد حالنا والثقة بكل أحد عجز‏.‏
فقال‏:‏ والله لقد صدقت في قولك فنزل ببني عمه الخمسمائة في حران وإنما قال يوقنا ذلك ودبره ليكونوا على سبيل الرهائن‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق