133
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الراوي
: فصبرنا صبر الكرام ووطنا أنفسنا على الموت والأمراء يحرضون على القتال وقد قتل من الفريقين طائفة إلا أن القتل لم يبن في المشركين لكثرتهم ولم نظن أن القوم لهم كمين إذ خرج للقوم كمين من خلفنا والمسلسلة من بين أيدينا وأحاطوا بنا وصرنا بينهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وقتل جماعة من السادة والأمراء وأخلاط الناس فلله در سادات بني هاشم وأبان بن عثمان بن عفان.
فلقد قاتل أصحاب الرايات براياتها وقاتل عدو الله في القلب وأنكى في المسلمين وقتل رجالًا وجندل أبطالًا وكلما طلبه فارس من المسلمين لم يجده إلا وهو قد صار في وسط الروم.
قال فعندها تقدم القعقاع والمسيب بن نجيبة الفزاري وقالا: قربوا الجمال في وجوه القوم يا وجوه العرب فاستاقوا الإبل وجعلوها بين أيديهم تلقى النشاب وحملوا على المسلسلة وداسوهم بالإبل وسنابك الخيل وأقبلت الرجال والرماة يقتلونهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة.
هذا والروم على حالهم فلما رأى عدو الله ما حل بقومه من فعل المسلمين بهم ازدادوا طغيانًا ولم يزالوا كذلك حتى غابت الشمس ثم أنزل الله نصره على المسلمين فتظاهروا عليهم وتقدم جعفر بن عقيل إلى كتيبة من الروم وغاص في أوساطهم وطعن البطريق المقدم عليهم فقتله فتكاثرت الروم عليه فقتلوه وكذلك فعل أخوه علي فقتل منهم جماعة فقتلوه وكذلك زيد بن زياد فقتل منهم جماعة فقتلوه وعظم النزال واشتد القتال وألجؤوهم إلى ورائهم فلما رأت الأمراء والسادات وبنو هاشم ما حل بهم تواثبوا كالأسود الضارية وحملوا على الروم وألجؤوهم إلى الأبواب واقتتلوا قتالًا شديدًا عند باب الجبل والباب البحري.
قال الراوي: وكانت ليلة لم تر الصحابة مثلها وقتل الصحابة رضي الله عنهما ألوفًا وقتل منهم جماعة بظاهر البلد نحو خمسمائة وأزيد وتظاهر المسلمون بعد ذلك عليهم وألجؤوهم إلى السور واقتتلوا قتالًا شديدًا وعظم البلاء وعدو الله يحمي أصحابه وهم في أشد القتال وكان شعار المسلمين تلك الليلة ينادون: يا محمد يا محمد يا نصر الله أنزل وقتل جماعة من المسلمين عند الأبواب وعظم النزال وكان يسمع ضرب السيوف على الدرق كالرعد وبريق السيوف كالبرق ولمعان الأسنة كالكواكب وأحدقت المسلمون بالروم وعدو الله يحمي قومه تارة يكون عند باب قندوس وتارة يكون عند باب توما في جماعة من قومه حتى دخل الروم جميعهم ولم يبق إلا من انقطع من قومه أو كبا به جواده ولم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فعلوا على الأسوار وضربوا بالنواقيس والبوقات والقرون وغلقوا الأبواب ورموا الأقفال فلما أصبح الصباح صلى المسلمون صلاة الصبح وأتوا إلى موضع المعركة وتفقدوا من قتل منهم فإذا هم خمسمائة وعشرون رجلًا من باب توما إلى باب قندوس ختم الله لهم بالشهادة.
قال الراوي: ولما رأى المسلمون ذلك بكوا بكاء شديدًا وأعظم الناس حزنًا الأمير عياض لأجل من قتل تحت رايته وكان أكثر الشهداء الأعيان من قريش وبني هاشم وبني المطلب وبني نوفل وبني عبد شمس فلما رأى مسلم بن عقيل إخوته وما حل بهم ورأى الفضل بن العباس وعبد الله بن جعفر وسادات بني هاشم ما حل ببني عمهم نزلوا عن خيولهم وعانقوا شهداءهم واسترجعوا في مصابهم فعند ذلك أنشد همام بن جرير يقول: يا عين ابكي لا تملي البكى سحي دموعًا مثل سكب الغمام نوحي على الليث ابن عم النبي هو جعفر المشكور ليث همام وأبكي على الشهداء لا تغفلي ما لاح برق أو تغنى حمام فلا لقي البطليوس خيرًا ولا أجناده أهل الصليب اللئام لنأخذن الثأر يا قومنا بطعن خطى وحد الحسام قال: ووارى المسلمون شهداءهم ثم إن الأمير عياضًا فوق الأمراء على الأبواب فنزل السادات من بني هاشم وغيرهم مثل زياد بن أبي سفيان والوليد وأخيه محمد وأسامة بن زيد وأبي أيوب الأنصاري وفضالة بن عبيد وأوس بن حذيفة وعمرو بن حصين ورافع بن خديج وأبي دجانة وجابر بن عبد الله وبقية الأمراء.
قال ونزل القعقاع بن عمرو التميمي والمسيب بن نجيبة الفزاري وأمثالهم من الأمراء بألفي فارس على باب الجبل والمغيرة بن شعبة وأبو لبابة والمهلب الطائي ونظراؤهم من الأمراء بألفي فارس عنده باب توما.
قال وعبى القوم آلات الحصار ورتبوها على الأسوار وأقاموا مدة شهر لا يقاتل بعضهم بعضًا بل كل يوم يركب البطليوس لعنه الله جواده المتقدم ذكره ويلبس لامة حربه ويطلع بالجواد على أعلى السور وحوله المشاة من خلفه وقدامه وبأيديهم السيوف المحددة والدرق والدبابيس والأطيار المذهبة والقسي والنشاب وكان عرض السور يمشي عليه خيالان متكاتفان باللبس الكامل.
قال هذا ما جرى لهؤلاء وأما خالد فإنه أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد الله بن عمر إلى الفيوم وجرى بينهم وقعات وحروب اختصرنا ذكرها خوف الإطالة فإن المقصود الذي عليه مدار هذا الكتاب هو فتح البهنسا وما وقع فيها والله أعلم ثم إنهم ساروا حتى اتصلوا إلى مدينة الفيوم وحاصروها أيامًا قلائل ثم فتحوها وفتحوا الفيوم في أقل من شهر وأخذوا الأموال والغنائم ورجعوا إلى خالد رضي الله عنه وكان مقيمًا بالنورية كما ذكرنا.
قال: هذا ما جرى لهم وأما أبو ذر الغفاري وأبو هريرة الدوسي وذو الكلاع الحميري ومالك الأشتر النخعي فإنهم لما ضربوا رقاب القوم كما ذكرنا حاصروا القلعة نحو عشرين يومًا واقتتلوا قتالًا شديدًا.
قال: حدثنا قيس بن مالك عن منصور بن رافع عن أبي المنهال وكان من أصحاب مالك الأشتر.
قال بينما نحن نحاصر القلعة وقد تظاهروا علينا إذ نحن بغبرة وقت الفجر وكانت ليلة مقمرة فلاحت لنا خيل وقعقعة لجم فتبادرنا إلى خيولنا فركبناها واتضح النهار وبان وإذا عشرون صليبًا تحت كل صليب ألف فارس وكان السبب في ذلك بطريق طحا ذات الأعمدة وبطريق قلعة ذات الأبراج وما حولهم لما بلغهم كتاب البطليوس تجهزوا بأنفسهم وجمعوا ما حولهم من الروم والنصارى وخرجوا أول الليل خوفًا من العرب فما أصبحوا إلا على القلعة والنيل كان في أول زيادته والمسلمون قد أخذوا المعابر والقناطر التي على البحر اليوسفي فقطعوها وساروا حتى نزلوا على القلعة وكان بلغهم حصارها فلم تشعر المسلمون إلا وقد أقبلوا وهجموا عليهم وأتوا إلى نحو باب المدينة الشرقي فوجدوا الأمير زيادًا وأصحابه هناك.
قال مالك الأشتر: يا وجوه العرب اجعلوا البحر خلف ظهوركم وقاتلوا أعداءكم واستعينوا بخالقكم هذا والروم صاحوا وطمطموا بلغتهم ورطنوا من أعلى السور وكذلك أهل القلعة دقوا الطبول وضربوا بالنواقيس فلم يزالوا على المسلمين متقابلين وجاءت كتيبة من الروم إلى جانب البحر كما ذكرنا نحو ثلاثة آلاف وكان الأمير زياد رضي الله عنه في نحو مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا عليه وصبروا لهم صبر الكرام وقتل الأمير زياد رحمه الله تعالى وقتل معه جماعة من المسلمين ختم الله لهم بالشهادة وركب بقية المسلمين وقاتلوا قتالًا شديدًا وصبروا لهم صبر الكرام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق