122
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
ثم إن القس لوى راجعًا من حيث جاء فلما رجع إليهم وأخبرهم بذلك كاتبوا ملوكهم على ذلك وأرسلوا جوابهم بالقتال فلما وصلت الكتب تقدمت الروم والسودان وقدموا بين أيديهم الفيلة وأمامهم الرجالة بالقسي والسيوف والدرق والمزاريق فصاح الفضل بن العباس ورفاعة بن زهير المحاربي والقعقاع بن عمرو التميمي وشرحبيل بن حسنة والمقداد بن الأسود الكندي ومعاذ بن جبل وقالوا: معاشر المسلمين اعلموا أن الجنان قد فتحت والملائكة قد أشرفت والحور تزينت وأشرفت من الجنان ثم قرأ {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: 111].
ثم رتبوا الصفوف فتقدم خالد وقال: اقرنوا المواكب واثبتوا واعلموا أن هؤلاء أكثر منكم بعشرة أمثالكم وأزيد فطاولوهم إلى وقت العصر.
فإنها ساعة النصر على الأعداء وإياكم أن تولوا الأدبار وازحفوا على بركة الله وعونه.
قال الراوي: وتزاحمت السودان والبربر والنوبة والبجاوة فلما تقارب الجمعان رمت أصحاب الفيلة نشابهم فكانت كالجراد المنتشر فقتلوا رجالًا وجرحوا أبطالًا وخالد تارة يضرب بسيفه في الميمنة وتارة في الميسرة وكان في أصحاب الفيلة من السودان والبربر سواكن يسمونهم القواد شفاههم العليا مشقوقة وبها خزام من نحاس.
فإذا كان وقت الحرب لا يخرجون القواد إلا إذا حمي الحرب واشتد الطعن والضرب وكانوا سودًا طوالًا طول كل واحد منهم عشرة أذرع فإذا أرادوا الحرب جعل في كل خزام سلسلة بطرفين في كل طرف واحد من البربر.
فإذا وقع صلح بين الفريقين وإلا زحفوا بهم وأطلقوا السلاسل ودفعوا لهم أعمدة من حديد طوالا فيضرب الواحد الفارس والفرس فيقتلها بضربة ومنهم من يركب الفيلة ويقاتل على ظهورها فلما التقى الجمعان خرجت تلك القواد وعلى أجسادهم جلود النمور وفوق أكتافهم مربوطة على صدورهم وفي أوساطهم مثل ذلك وهم عراة الأجساد والرؤوس ليس عليهم غير ما ذكرنا وبأيديهم الأعمدة والرجال يقودونهم بتلك السلاسل والجيوش ينظرون متى يؤمرون بالحملة.
فلما رأى المسلمون ذلك فمنهم من ثبت ومنهم من جزع.
قال: وبرز البطريق أخو بولص المقتول وهو راكب على جواد عال وعليه لحاف من جلود الفيلة وقاتل.
قال الراوي: حدثني خالد بن أسلم عن طريف بن طارق وكان من الأزد.
قال: لما فعل البطريق ذلك ولت الأزد من بين يديه منهزمين وإذا بفارس قد أقبل يركض بجواده وهو عاري الجسد حتى قرب من القوم وأنشد يقول: لقد ملكت يدي سنانًا وصارمًا أذل عداة السوء إن جئت قادما وأتركهم شبه الرخام إذا مشى عليه شجاع لا يزال مصادما وإلا كأغنام مضين بقفرة وأصبح مولاها عن السعي نائما وقد ملك الليث الغضنفر جمعها وأصبح فيها بالمخالب حاطما قال الراوي: وصاح الفارس: أنا ضرار بن الأزور أنا قاتل ملوك الشام أنا ضرار دين الإسلام والمسلط على من يكفر بالرحمن أنا قاتل بولص الكلب في الطغيان.
قال فلما سمع الروم كلامه عرفوه فتقهقروا إلى ورائهم فطمع فيهم وحمل عليهم فقال بطرس: من هذا البدوي الذي لم يزل عاري الجسد ويقاتل بالسيف مرة وبالرمح مرة قالوا: هذا ضرار بن الأزور فتحير الملعون وقال: هذا قاتل أخي ولقد اشتهيت أن آخذ بثأره ثم عزم على الخروج إليه فسبقه بولص رأس بطارقة الكورة وقال: أنا آخذ بثأرك.
ثم حمل على ضرار فتجاولا طويلًا واعتركا مليًا فما كان أكثر من ساعة حتى طعنه ضرار طعنة صادقة في صدره خرقت الدروع وخرجت من ظهره فانجدل صريعًا وعجل الله بروحه إلى النار فقال بطرس: هذا جني وليس للإنسان أن يقاتل الجن ثم لبس لامة حربه وتعصب بعصابة من اللؤلؤ الرطب ولبس فوق درعه مثل ذلك وخرج يطلب ضرارًا فسبقه شذم أدرس أحد بطارقة الكورة وحلف لا يخرج إليه وغيره وحمل على ضرار وقال: دونك والقتال فلم يفهم ضرار ما يقول.
ثم حمل عليه وأخرج صليبًا من الذهب كان معلقًا في عنقهفضحك ضرار عليه وقال: أنت تستعين بالصلبان وأنا أستعين بالملك الديان.
ثم أرى كل منهما ما أدهش الناس من الحرب فصاح خالد وبقية الأمراء: ما هذه الفترة يا ضرار والجنة قد فتحت لك ولعدوك قد فتحت النار.
فاستيقظ ضرار وحمل على البطريق وصاحت الروم بصاحبها وصاروا في حرب عظيم وحميت عليهم الشمس وثارت الحرب حتى كل منهما الساعدان وعرق تحتهما الجوادان فأشار البطريق إلى ضرار أن يترجل ويترجل البطريق معه شفقة على الجوادين وإذا برأس بطارقة أهناس قد أخرج له جوادًا مجملًا بالحرير ليركبه فلما نظر ضرار إلى ذلك صاح بجواده: اثبت معي هذه الساع وإلا أشكوك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذرفت عين الجواد بالدموع وحمحم وجرى أكثر من جريه المعتاد وتلقى ضرار البطريق وحمل عليه وطعنه بعقب الرمح فأرداه وأخذ جواده وأراد قتله وإذا بكردوس خرج من الروم ومعهم الكلب الكبير شاول أحد بطارقة الأشمونيين وأحاطوا بضرار وكان على رأس شاول تاج من الذهب الأحمر فلما رأى الصحابة الكردوس الذي خرج على ضرار والتاج يلمع على رأسه.
قالوا لخالد: ما سبب قعودنا عن نصرة صاحبنا وقد أحاطت به الروم فعندها خرج خالد رضي الله عنه في عشرة عن خيار قومه وهم الفضل بن العباس بن عبد المطلب وأخوه وعبد الله بن جعفر ومسلم وعلي أولاد عقيل وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المقداد وقوموا الأسنة وأطلقوا الأعنة وصبر ضرار للروم حتى وصلت إليه الأمراء وقالوا: أبشر يا ضرار فقد أتاك النصر والفرج وقد ذهب عنك الخوف والجزع فلا تخف من الكفار واستعن بالله الواحد القهار فقال ضرار: ما أقرب الفرج من الله والتقت الرجال بالرجال وطلب خالد صاحب التاج والعصابة وضرار مع خصمه فلما رأى شاول البطريق المسلمين قد أحدقوا به وما حل بجماعته اندهش وارتعد هذا وضرار مع خصمه وقد أراد الهرب فألقى ضرار نفسه من على جواده وتبعه حتى لحقه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق