139
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فقال له خالد: ما وراءك من الأخبار يا ضرار.
فقال: أخبرك يا أبا سليمان أني قتلت في ليلتي هذه مائة وستين رجلًا وقتل قومي ما لا يعد وقد كفيتكم من خرج من باب الجبل.
قال الراوي: وكانت ليلة لم ير الناس مثلها وهجم الأمير عياض هو وأصحابه على من بداخل الباب واقتتلوا قتالًا شديدًا ووصلوا إلى ساباط الباب وكان له باب آخر فأغلق من دونهم على كردوس من الروم فقتلوا هناك وتسلق المسلمون على البر وقتلوا من فيه وكانوا خمسمائة وقتل في تلك الليلة هناك نحو ألف.
وأما باب قندوس فكان عليه الزبير بن العوام وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص والفضل بن أبي لهب والمغيرة وجماعة من الأمراء فتواثبوا إلى الباب واقتتلوا قتالًا شديدًا وقتل من المسلمين نحو مائة وعشرين رجلًا غير الأعيان وأما باب توما فكان عليه خالد وخرج منه البطليوس فاقتتل الفريقان وقتل من المسلمين جماعة نحو مائتين وثمانين رجلًا في المكان المعروف بالمراغة وغلقوا الأبواب واستعدوا للحصار وهذا كان أول فتح.
قال الواقدي: حدثنا سنان بن مفرج العجلاني عن أبي محمد الشاكري عن زيد بن رافع عن أبي أمامة قال: وأقام خالد بعد الوقعة على البهنسا أربعة أشهر لا يقاتلهم ولا يناوشهم فطال عليهم المكث وضجروا فأتوا إلى خالد وشاوروه في القتال فأذن لهم وكان جملة من قتل في وقعة الأبواب نحو ستمائة فارس ختم الله لهم بالشهادة.
قال الراوي: فلما استأذنت الصحابة خالدًا في القتال لم يقدر أن يمنعهم ولما أصبحوا اقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع مثله فاشتد الحصار.
فقام أهل البهنسا وقالوا للبطليوس: ما بقي لنا صبر على القتال والحصار.
فقال لهم: اصبروا واثبتوا لعلي أكيد العرب بمكيدة ولما اشتد الحصار عليهم أتوا إلى بطريق يسمى توما صاحب الباب وأتاه السوقة والنصارى والعوام وقالوا له: لقد ضاق علينا الحصار فنجعل لك مالًا وافتح لنا الباب حتى نأخذ لنا أمانًا من العرب فأجابهم إلى ذلك فصبرهم إلى جانب من الليل وفتح لهم الباب فمضى نحو مائتين من تجار البلد وخرجوا من باب السر وأتوا إلى خالد وصالحوه على أن يفتحوا لهم الباب وجعلوا للمسلمين جعلًا معلومًا واتفقوا على ذلك وكتبوا أسماءهم ورجعوا.
هذا ما جرى لهؤلاء وكان الكلب ابن عم توما حاضرًا واسمه أرمياء فمضى إلى البطليوس وأعلمه بذلك فعندها أرسل البطليوس بطريقًا يقال له حرفائيل ومعه ألف بطريق وقال: اكمنوا وآتوني بالخبر على جليته فمضوا وتفرقوا وهم مشاة قريبًا من باب توما وإذا بهم قد أقبلوا فلما رأوهم عرفوهم وفتحوا لهم الباب فدخلوا فعندها تواثبوا عليهم وامسكوهم وسحبوهم إلى البطليوس لعنه الله فلما رآهم وبخهم توبيخًا عظيمًا.
وقال: ائتوني بالسياط ونصب أخدودًا من حديد ثم ضربهم ضربًا شديدًا وأتى بالنار وأحرق جميع أموالهم وأمر بإحضار البطريق فأحضر بين يديه فأخذه ومضى إلى القصر هو وجميع أعوانه واستدعى بالخشب وصلبهم على أعلى السوار وأقاموا هناك يوم وليلة ثم أمر بضرب رقابهم وطرح رؤوسهم للمسلمين.
قال الأمير عياض للأمير خالد: هؤلاء أهل ذمتنا وقد قتلهم البطليوس لعنه الله.
قال الراوي: وأما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قلق على المسلمين قلقًا شديدًا فأرسل كتابًا إلى عمرو بن العاص يقول فيه: ما سبب انقطاع كتبك عني وأنا في قلق على المسلمين وعلى خالد ومن معه.
واعلم أنك لا ترسل لي إلا بالفتح والغنائم وإن احتاج خالد إلى نجدة فأرسل إلى أبي عبيدة فقد كاتبته بأن يرسل له جنودًا من الشام والسلام فلما وصل الكتاب إلى عمرو أرسله إلى خالد.
فقال خالد: لا نطلب النجدة والمعونة إلا من الله تعالى ثم إن خالدًا عظم عليه الأمر واشتد الحصار وكان كل يوم يرجع إلى المدينة ويقاتل قتالًا شديدًا وفقد من المسلمين جماعة كثيرة قتلوا بالحجارة والنشاب وهجم عدو الله على المسلمين وكادهم مرارًا وقال خالد للأمير عياض وللمسلمين: لا شك أن لأصحابنا عيونًا وجواسيس ثم إن خالدًا ركب ومعه الفضل بن العباس والمقداد وزياد بن أبي سفيان وعياض وطافوا حول العسكر وإذا برجل من العرب المنتصرة جالس على قطيفة خارج العسكر فأنكر أمره خالد وقال له: من أي العرب أنت.
فسكت.
فقال له الأمير عياض: انطق بالحق من لك من الأهل ههنا.
فسكت.
فقال له خالد: خذ الماء وتوضأ فلم يحسن ذلك.
فقال له: صل فلم يحسن ذلك فضربوه فأقر بأنهم خرجوا ثلثمائة من باب السر وردوا وبقي هو فضرب عنقه وانقطعت الجواسيس فكانوا يقاتلون قتالًا شديدًا وكان لخالد عبد في خيمته اسمه فلاح يصنع له كل يوم قرصين من شعير واحد له وواحد للعبد فقعد خالد ثلاثة أيام يأتي السفرة فلا يجد فيها شيء ولم يكلم العبد وكان عنده بعض تمر يتقوت به حتى فرغ فعندها قال خالد للعبد: يا ولدي قال الله تعالى: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطعام} [الأنبياء: 8]. ولك ثلاثة أيام لم تصنع فيها قرص شعير.
قال: يا سيدي ما قطعت عنك ذلك ولكن أصنع لك كل يوم وأعلقه في طبق الخيمة فلم أجده.
قال خالد: إن لهذا شأنًا عظيمًا ثم قال للعبد: قف خلف الخيمة واخف نفسك وانظر من يفعل هذا.
فلما كان الغد ركب خالد للقتال وصنع العبد القرصين وأكل قرصًا ووضع قرص سيده فكان معتادًا أن يشيله له فجاء كلب أسود عظيم من جهة البلد ودخل الخيمة وأخذ القرص في فمه ومضى فتبعه العبد حتى أتى إلى سرب يخرج منه الماء يجري من البحر تحت الأرض إلى تحت سور المدينة من جهة القبلة ويدخل المدينة ويظهر من الجهة البحرية من خارج البلد فلما رآه العبد رجع وأعلم الأمير خالدًا فمضى معه ورأى ذلك ففرح بذلك فرحًا شديدًا ثم أتى إلى الأمراء وأعلمهم بذلك وقال لهم: أريد منكم مائة رجل قد باعوا أنفسهم لله عز وجل فيمضون معي وجماعة شداد يكونون مقابل الباب.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق