112
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
وولى الباقي منهزمين وتسلم هاشم المحفة وما حولها وأتوا بذلك كله إلى سعد وأعلموه بأن ابنة كسرى معهم فقرأ سعد قوله تعالى: {قل اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26]. الآية ثم أشرف سعد على ما بقي من الخزائن فوجد صندوقًا عظيمًا ظاهره وباطنه بالديباج المذهب وفي داخله بساط كسرى وهو البساط الذي كان يفتخر به على الملوك ملوك الدنيا كله ذهب منسوج بالحرير منظوم بالدر واليواقيت الملونة والمعادن والجواهر المثمنة والزمرد وكان طوله ستين ذراعًا قطعة واحدة في جانب منه كالصور وفي جانب كالشجر والرياض والأزهار وفي جانب كالأرض المزروعة المقبلة بالنبات في الربيع وعلى ذلك من الحرير الملون والمعادن على قضبان الذهب والزمرد والفضة وكان الملك لا يبسطه إلا في أيام الشتاء في إيوانه إذا قعد للشراب وكانوا يسمونه بساط النزهة والمسرات فيكون لهم شبه الروضة الزهراء فلما رآه العرب قالوا: والله هذه قطيفة زينه.
قال: ولما قسم لسعد على الناس الغنائم أصاب الفارس اثنا عشر ألف دينار وكلهم كانوا فرسانًا ولم يكن فيهم راجل وأخرج للغائبين مع النساء والحريم في الحيرة نصيبهم وقسم الدور بين الناس وكان قد ولى القبض عمرو بن عمرو المدائني وولى القسمة سليمان بن ربيعة وكان فتح المدائن لي شهر صفر وأخرج الخمس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأراد أن يقسم البساط فلم يدر كيف يقسمه فقال سعد: معاشر المجاهدين إني رأيت من الرأي أن نرسله إلى عمر ليصنع فيه ما يختاره فأجابوه على لسان واحد نعم ما رأيت أيها الأمير فردوه إلى صندوقه وأضافه إلى الخمس وكتب إلى عمر رضي الله عنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عامله على العراق سعد بن أبي وقاص أما بعد: فسلام عليك وإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على ما منحنا الله الظفر على العدو الذي أطاع شيطانه وأرخى في ميدان الغي عنانه وقد أجرانا الله سبحانه على جميل العادة وأخذنا الملك أن يزدجرد بن كسرى في كثرة أطواره واحتزاز رؤوس أجناده الذين جاست الهيبة ديارهم وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 111]. وقد انهزم عدو الله بعدما قتلنا جنده وأخذنا ابنته وإننا منتظرون أمرك فيما يكون بعد هذا ونحن مقيمون على المدائن والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته وسلم الكتاب والمال إلى بشر وضم إليه خمسمائة فارس وسلمه ابنة كسرى بمحفتها وخدمها ثم إن سعدًا رأى رأيًا أن يسير بشيرًا يبشر عمر بفتح المدائن وبقدوم الخمس وبما أنعم الله على المسلمين ليكون أزيد هيبة وبهجة بالفتوح فأرسل جيش بن ماجد الأسدي أو ابن هلال والله أعلم فخرج على ناقته وقصد المدينة يجد السير.
قال وكان عمر رضي الله عنه في كل يوم بعدما يصلي الصبح يقرأ ما تيسر ويركب ناقته ويتوجه نحو طريق العراق ويرتقب ما يرد عليه من أخبار المسلمين.
قال: فخرج على حسب العادة وإذا هو بجيش قد أقبل على ناقة فلما رآه عمر قصده وقال له: يا عبد الله من أين أقبلت قال: من المدائن يا أمير المؤمنين.
قال: فما عندك من الخبر أقر الله عينك وغفر لنا ولك قال: أبشر يا أمير المؤمنين بالفتح العميم والسعد الجسيم وإن الله سبحانه وتعالى قد هزم جند المشركين وقطع دابر القوم المجرمين وأخلى منهم ديارهم وأخفى آثارهم وزعزع مراكبهم وطحطح مواكبهم وكتائبهم وشتت جموعهم وأخلى ربوعهم وقصم آجالهم وفرق أحوالهم وترك مساكنهم خالية وأوطانهم خاوية.
قال فلما سمع عمر رضي الله عنه هذا المقال حمد الله وأثنى عليه وقال: خذلوا من مأمنهم وسار وهو يحدثه بفتح المدائن حتى دخل المسجد وتسامع الناس فأتوا حتى غص المسجد بالناس وأقبل جيش يحدثهم وهم يكثرون الثناء على الله ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها وصل بشر بالمال ومعه ابنة الملك كسرى ولباسه وسلاحه وبساطه فلما نظر عمر إلى ذلك قال: إن الذي أهدى إلينا هذا لأمين.
فقال علي كرم الله وجهه: إنك عففت فعفت الرعية فحمد الله وأثنى عليه وأفرز من الخمس سهم من غاب من المسلمين وقسم الخمس في مواضعه ثم قال: أشيروا علي فيما أصنع في هذه القطيفة - أعني البساط -.
فقالوا: رأيك أعلى.
فقال علي كرم الله وجهه: لم يدخل عليك جهل ولا تقبل شكًا وإنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت ولبست فأبليت وأكلت فأفنيت.
قال: فوالله لقد صدقني يا أبا الحسن ثم إنه قسم البساط قطعًا بين الناس قال: فأصاب كل رجل منهم قطعة فباعها بنحو العشرين ألف دينار فلما فرغ من توزيعه وتوزيع مال الخمس دعا بمحكم بن رواحة وكان من أجسم أهل المدينة وأجفاهم خلقة فألبسه زي كسرى ووشاحه وتاجه وسواريه ومنطقته وحلاه بحليته وعصابته وسيفه وسلاحه وعدته ونظر الناس إليه كأنه كسرى في ملكه فقال عمر رضي الله عنه: اعتبروا بالدنيا وتقلباتها بأهلها وما يرى من مصائبها وعطبها هذا كسرى ما زال يفتخر على ملوك الدنيا بكثرة أمواله وذخائره وجواهره وعزه وجنوده ولم يقدم لنفسه شيئًا ينفعه عند الله وغرته الأماني الكاذبة فأخذه الله من مأمنه وبقي مرتهنًا بما اكتسب في دينه ودنياه ثم قال: أيها الناس هذا ملك المدائن قد انتقل عن أصحابه وتوزع بين أربابه أين تلك الحشمة والسلطان أين الجنود والأعوان أين الغلمان أين المماليك والخدام أين التاج والإكليل أين الجيش والفيل أين الصاحب والخليل.
وقرأ قوله تعالى: {قل متاع الدنيا قليل} [النساء: 77]. ثم قال: أيها الناس من له منكم يد سابقة فليقم فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أنا يا أمير المؤمنين ابن الصاحب والخليل وابن أول من آمن ووزر وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصر وأنفق ماله وتصدق ودخل معه الغار وانتصر وجاهد بين يديه وحاجج من كفر وجادل وافتخر وأنزل الله فيه {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10].
فمال عمر رضي الله عنه: والله لقد صدقت وبقليل من فضله قد نطقت.
ثم أمر له بخلعة وعشرة آلاف درهم.
ثم قال: أيها الناس من يقم منكم.
فقام عثمان بن عفان وقال: أنا من جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة وألف القرآن وجمعه وختمته في ركعتين وتزوجت الابنتين وصليت إلى القبلتين وأنفقت المال في حبه وأنزل الله في حقي {أم من هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} [الزمر: 9].
فقال عمر رضي الله عنه: أحسنت يا أبا الفتيان فمثلك من رفض الكذب وأبان الحق وأمر له بعشرة آلاف درهم ثم إنه نظر إلى الأخوين الزاهدين والغصنين النضرين سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي نبي هذه الأمة وقال لهما: يا حبيبي ما الذي أخركما من مثلكما يفتخر وقال: ألستما سبطي الرسول أليست أمكما فاطمة البتول أليس أبوكما سيف الله المسلول أليس في بيتكما نزل التأويل أليس كان سادسكما تحت العباء جبريل أليس فيكما أنزل الله الجليل {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91].
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق