إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 يونيو 2014

21 فتوح الشام ( للواقدي )


21

فتوح الشام ( للواقدي )

قال‏:‏ وأخذت الروم على أنفسهم بالرحيل فلما تكاملوا ركب الملك هرقل وسار لوداعهم وصحبته أرباب دولته فوصل معهم إلى جسر الحديد بها فودعه الملك وسار إلى أن وصل إلى حماة فنزل بها وأنفذ من وقته كتابًا إلى من بأجنادين من جيوش الروم يأمرهم ليتفرقوا في سائر الطرقات ليمنحوا عمرو بن العاص ومن معه أن يصلوا إلى خالد فلما سار الرسول بالكتاب جمع وردان إليه البطارقة وقال لهم‏:‏ إني أريد أن أسير على حين غفلة على طريق مارس حتى أكبس على القوم ولا ينجو منهم أحد فلما كان الليل رحل على طريق وادي الحياة‏.‏

قال‏:‏ حدثني شداد بن أوس قال‏:‏ لما دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتل البطريقين أمر المسلمين أن يزحفوا إلى دمشق‏.‏

قال‏:‏ فزحف منا الرجال من العرب وبأيديهم الحجف يتلقون بها الحجارة والسهام فلما نظر أهل دمشق إلينا ونحن قد زحفنا إليهم رمونا بالسهام والحجارة من أعلى الأسوار وضيقنا عليهم في الحصار وأيقن القوم بالدمار‏.‏

قال شداد بن أوس‏:‏ فأقمنا على حصارهم عشرين يومًا فلما كان بعد ذلك جاءنا ناوي بن مرة وأخبرنا عن جموع الروم بأجنادين وكثرة عددهم فركب خالد نحو باب المدينة الجابية إلى أبي عبيدة يخبره بذلك ويستشيره وقال‏:‏ يا أمين الأمة إني رأيت أن ترحل من دمشق إلى أجنادين ونلقى من هناك من الروم فإذا نصرنا الله عليهم عدنا إلى قتال هؤلاء القوم‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ ليس هذا برأي قال خالد‏:‏ ولم ذلك قال أبو عبيدة‏:‏ إذا رحلنا يخرج أهل المدينة فيملكون مواضعنا فلما سمع خالد ذلك من أبي عبيدة‏.‏

قال‏:‏ يا أمين الأمة إني أعرف رجلًا لا يخاف الموت خبيرًا بلقاء الرجال قد مات أبوه وجده في القتال‏.‏

قال‏:‏ ومن هنا الرجل يا أبا سليمان‏.‏

قال‏:‏ هو ضرار بن الأزور بن طارق‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ والله لقد صدقت ووصفت رجلًا باذلًا معروفًا فافعل‏.‏

قال‏:‏ فرجع خالد إلى بابه واستدعى بضرار بن الأزور فجاء إليه وسلم عليه‏.‏

فقال‏:‏ يا ابن الأزور إني أريد أن أقدمك على خمسة آلاف قد باعوا أنفسهم لله عز وجل واختاروا دار البقاء والآخرة على الأولى وتسيروا إلى لقاء هؤلاء القوم الذين وردوا علينا فإن رأيت لك فيهم طمعًا فقاتلهم وإن رأيت أنك لا تقدر عليهم فابعث إلينا رسولك‏.‏

فقال ضرار بن الأزور‏:‏ وافرحتاه والله يا ابن الوليد ما دخل قلبي مسرة أعظم من هذه فاتركني أسير وحدي‏.‏

قال خالد‏:‏ لعمري إنك ضرار ولكن لا تلق نفسك إلى الهلاك وسر بما ندب معك من المسلمين‏.‏

قال فقام ضرار رضي الله عنه مسرعًا فقال خالد‏:‏ ارفق بنفسك حتى يجتمع عليك الجيش فقال‏:‏ والله لا وقفت ومن علم الله فيه خيرًا أدركني ثم ركب ضرار وأسرع إلى أن وصل إلى بيت لهيا وهو الموضع الذي كان يصنع فيه الأصنام فوقف هناك حتى لحق به أصحابه‏.‏

فلما تكاملوا نظر ضرار وإذا بجيش الروم ينحدر كأنه الجراد المنتشر وهم غائصون في الدروع وقد أشرقت الشمس على لاماتهم وطوارقهم‏.‏

فلما نظر إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لضرار‏:‏ أما والله إن هذا الجيش عرمرم والصواب أننا نرجع‏.‏

فقال ضرار‏:‏ والله لا زلت أضرب بسيفي في سبيل الله وأتبع من أناب إلى الله ولا يراني الله مهزومًا ولا أولي الدبر لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وتكلم رافع بن عميرة الطائي وقال‏:‏ يا قوم وما الخيفة من هؤلاء العلوج أما نصركم الله في مواطن كثيرة والنصر مقرون مع الصبر ولم تزل طائفتنا تلقى الجموع الكثيرة والجموع اليسيرة فاتبعوا سبيل المؤمنين وتضرعوا إلى رب العالمين وقولوا كما قال قوم طالوت عند لقائهم جالوت ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 250‏]‏‏.‏

فلما سمع ضرار كلامهم وأنهم اشتروا الآخرة على الأولى كمن بهم عند بيت لهيا وأخفى أمره وجلس عاري الجسد بسراويله على فرس له عربي بغير سلاح وبيده قناة كاملة الطول وهو يوصي القوم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ هكذا حدثني تميم بن أوس عن جده عمرو بن دارم‏.‏

قال‏:‏ كنت لوم بيت لهيا ممن صحب ضرار بن الأزور رضي الله عنه وهو بهذه الصفة رغبة منه في الشهادة‏.‏

فلما قارب العدو كان أول من برز وكبر ضرار بن الأوزر قبل فأجابه المسلمون بتكبيرة واحدة رعبت منها قلوب المشركين وفاجؤهم بالجملة ونظروا إلى ضرار بن الأوزر وهو في أول القوم وهو في حالته التي وصفناها فهالهم أمره وكان وردان في المقدمة والأعلام والصلبان مشتبكة على رأسه‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق