102
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فتوح الإسماعيليات
قال: وارتحل عياض إلى الجانب الغربي ونزل على بلد فيها بديع القبطي فأجاب صلحًا على ما تقرر عليه وارتحل عياض إلى أن نزاح بالإسماعيليات وبعث عمرو بن جند ليغير على الموصل وأعمالها فمضى وأغار وأخذ الغنائم ووقع الصايح فخرجوا عليه وقاتلوه وانتزعوا منه الغنيمة وقاتل حتى قتل ودفن بالجانب الغربي فلما بلغ عياضًا ذلك ارتحل من الإسماعيليات ونزل على الموصل فخرج إليه أهلها بالعدد والسلاح فكر عليهم خالد بجيش الزحف فجعلهم حطامًا ولم يكن عليها يومئذ سور يمنع فأخذها بالسيف ونظر إلى نينوى فإذا هي مدينة قد أخذت قال الواقدي: وكان ملكه يومئذ الملك أنطاق فكاتبه عياض فأبى فأنفذ إليه الجزيري صالح.
فقال: لئن لم تجب هؤلاء إلى ما أرادوه وإلا أذقتك شرًا ولا أترك لك عيشًا فكتب إليه يقول: إني أصالحهم إلى ستة أشهر حتى أرى ما يكون من أمر كسرى فإن فتحوا بلده دخلت في طاعتهم.
قال وكان هو من تحت يد كسرى فأجابه المسلمون إلى ذلك وصالحوه على موجها ومرجها وكتب عياض إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه بما فتح الله عليهم فكتب إليه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم من عياض بن غنم الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما بعد: سلام الله عليك ورحمته وبركاته فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبته محمد صلى الله عليه وسلم فالحمد لله الذي أيد الإسلام بنصره وأدحض الشرك بقهره ولله الحمد على ما أولى ومنح وأزال وكشف ورفع وصرف من عظائم وأخذ من غنائم حمدًا يزيد الآمال انفساحًا والصدور انشراحًا وقد لانت الشدة صلابتها ورقت الأيام بعد قساوتها ويسر الله تعالى أمرها وقد أوردت الأعداء موارد المهالك وضيقت عليهم المسالك فارتكبوا في زقاقهم واشتركوا في وثاقهم ولم يجدوا في الأرض نفقًا ولا في السماء مرتقى واشتد بهم الفرق وأزعجهم القلق وأنهم احتالوا وخايلوا وداهنوا وأرسلوا وأظهروا البعد عن الآثام والدخول إلى الإسلام والتنزه من الظلما والجنوح إلى السلم فأقررناهم على ذلك بعد أن أشرفوا على المهالك فمنهم من أسلم وبايع ومنهم من أقام تحت الذمة وتابع وقد نشر الله أعلامنا وأعز ديننا وقهر عدونا وشد سيوفنا وأعلى كلمتنا وأظهر شريعتنا وقد صرف الله سورتهم وأخمد نارهم وأزال نصرتهم وكفى البلاد والعباد مؤنتهم والحمد لله وحده وصفى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته.
وبعث خمس مت تحصل من ديار بكر من شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضم إليه مائتي فارس وسلمه الكتاب وأمره بالمسير فسار شرحبيل وبعد أيام وصل إلى عياض من العراق عامر بن مزينة رسولًا من عند سعد بن أبي وقاص يستنجد عياضًا على كسرى فأنفذ له نجدة ثم فتح الله العراق على يد سعد وما جرى له من الحروب والوقائع نذكر من أمره ما كان والله الموفق.
فتوح العراق قال: حدثنا عبد الله بن محمد.
قال: أخبرنا عبد الله بن جابر.
قال الواقدي: أخبرني من أثق به قال لما وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص بالجيوش إلى العراق لم يزل سائرًا حتى قدم أرض الرحبة واتصلت الأخبار باليعمور بن ميسرة العبسي وكان يومئذ ملك العرب بعد أياس بن قبيصة النعمان بن المنذر الملك من قبل كسرى بن أزدشير فكتبا يعلمانه أن جيوش المسلمين قد أقبلت من المدينة وقد وجهها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليك.
وقد عول على أخذ العراق فاستيقظ أيها الملك من غفلتك وانظر في مصالح دولتك واعلم أنا هذا الزمان هو الذي كنا نسمع به ولا نصدق ونكذب به ولا نحقق ولا نظن أن أحدًا يجسر علينا ولا يصل جيشه إلينا حتى جاء الوقت المقدور وولي المدينة عمر وهو صاحب الفتح ومصبح الملوك بشر صبوح فقم على قدم الهمم وسر إلى أعدائك وتقدم وقد أعلمناك لتكون على بصيرة من الأمر وإياك أن تهمل الأمر فرب صغير أمر عاد كبيرًا ويسير عاد عسيرًا والحرب أوله شرر وآخره نار تسعر والسلام قال: وبعثا الكتاب مع نجاب فلما وصل به إلى كسرى وقرئ عليه انتفض لذلك واهتز على سريره وأحضر الأساورة والموابذة والديلم والسهارجة وقرأ عليهم كتاب الملوك.
وقال لهم: ما ترون في هذا الأمر الذي قد وقفنا عليه وأشرفنا عليه.
واعلموا أن هؤلاء العرب قد أخرجهم الجدب والجهد فهم ينظرون لهم مواضع يسكنون إليها وينزلون فيها وقد أذاقوا الروم شرًا وأنزلوا بهم ضرًا وملكوا المدائن واحتووا على الخزائن.
وكانت الروم قد اجتمعوا عن بكرة أبيهم وما كان منهم أحد إلا أتى الشام وتلاقوا في الحرب بمكان يقال له اليرموك وهذه شرذمة من العرب قد سرحوا بلادكم.
وقد عولوا على أن ينزعوا الملك من أيديكم ولا ينفعكم إلا أن تكشفوا عن ساق العزم وتتشحوا بوشاح الحزم وتذبوا عن أهليكم وأموالكم وأولادكم وحريمكم وبلادكم وأعلموا أن العرب لهم الطمع وقد دخل في قلوبهم أن يملكوا بلادكم وحصونكم متى رأوكم ناكلين عن قتالهم فاشلين عن نوالهم مالوا عليكم ميلة الأسود على فرائسها فاحسموا موادهم من أول يوم وقد قيل في الأمثال: من نظر في العواقب أمن غائلة النوائب ثم إنه فتح خزائن الأموال والخلع وخلع على الهرمزان وقدمه على خمسين ألفًا وخلع على عطارد بن مهرود وقدمه على عشرين ألفًا وخلع على قارين بن همام وقدمه على عشرين ألفًا وأمرهم أن يضربوا خيامهم بأرض زرندان ففعلوا ذلك وكتب من وقته إلى خراسان وما وراء النهر يستفزهم ومن معهم من الأجناد على قتال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصلت الكتب إليهم أقبلوا يهرعون إلى العراق كالجراد المنتشر وكان في جملة القوم شهريار بن كباد والفرحان الأهوازي والهزيل بن جسوم جاسر الهمذاني ومعهم أربعون فيلًا ووفد الجانيوس بن قتاد.
قال الراوي: فلما اجتمعت الجيوش خرج كسرى يحرضهم بأرض شهرطاق وفراشة وكان رأس جيشه مهرمان فعرض الجيوش.
فإذا هي مائة ألف وخمسون ألفًا غير الأتباع وقدم الديلم والعجم وأمامهم الفيلة وعقدوا على ظهورها الأسرة بثياب الديباج وعلى كل سرير أربعون رجلًا مقاتلة هم يضربون بالطبول والصنوج في خراطيمها أعني الفيلة السيوف ليقاتلوا بها وكان فيها فيل أعور كأنه الجبل العظيم وكان هو المقدم على الفيلةحيثما سار سارت وراءه وإن وقف وقفت وقد ربط وراء الفيلة عجل يحمل بيوت السلاح والأموال فلما عولوا على المسير عاد الملك أزدشير إلى من ذكر من المقدمين.
وقال: اعلموا يا أهل فارس أنكم ما زلتم ملوكًا وهيبتكم في قلوب الترك والديلم والروم والمجرامقة وذلك لما كنتم عادلين في الرعية فادفعوا هؤلاء بالمال.
فإن أبوا فدونكم والسيف وودعوه وساروا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق