100
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال: فصلبت على وجهها ودعت لهم وقدموا لها بعض مراكب أبيها فركبت ومضت إلى المكان الذي فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل فيها سواها وأبيها الملك فلما رأت يوقنا فرحت واستبشرت وقالت له: أيها السيد إن أبي جاهل بكم غير عارف بقولكم وسوف أكشف له عن أموركم وحق ديني ما رأيت منكم إلا خيرًا وسوف أجازيكم على ذلك ولولا محبة الأهل والوطن ودين المسيح ما كنت فارقتكم وخرجت هي وأبوها ومضت إلى القصر وقالت له: أبشر بما يسرك هؤلاء وجوه القوم وساداتهم والذي عليه زي الروم هذا يوقنا بطريق حلب الذي طرده المسيح عن بابه والرأي عندي أن نطلبهم عندنا إلى هذا القصر ونقبض عليهم بحيث لا يقف أحد على سرنا.
قال ففرح أبوها بقولها وبعث حاجبه إلى الصحابة فأتى بهم وأنزلهم بعض حجر القصر.
قال الواقدي: وكان عمال أبيها من البطارقة والمقدمين على القلاع قد أتوا يهنئون أباها برجوعها إلى دين المسيح فقالت طاريون: من الصواب أن نمضي أنا وأنت إلى هؤلاء العرب ونجلس عندهم ونأكل معهم حتى يطمئنوا إلينا وأقول لهم إني أريد أن أشاور أهل بلدي وأرباب دولتي فإما أن نصالحكم ونؤدي إليكم الجزية أو نقاتلكم ونبعث إليهم طعامًا مبنجًا فإذا أكلوه وحكم فيهم البنج قبضنا عليهم ونفعل بهم ما نريد وأشير به عليك.
قال فلما جن الليل أتت هي وأبوها عندهما وتحدثوا ساعة ومضوا فلما كان الغد جلس أبوها على سريره وعلمت ابنته أنه اشتغل بما هو فيه فأتت طاريون إلى الصحابة وقالت لهم: إذا جئت الليلة أنا وأبي فدونكم وإياه لا تمهلوه فقد اتفق رأيه على كذا وكذا فشكروها على فعلها ومضت عنهم فلما كان الليل جاءت ومعها أبوها وتقدمت كأنها تحجبه وأشارت إليهم بأن لا تعجلوا وأمهلوه فأمسكوا عنه وتحدثوا ساعة وخرجا من عندهم فلما خلا مع ابنته قال لها: أما قولك نقبض على هؤلاء العرب فليس بصواب وإني أريد أن أجمع بطارقتي وولاة أمري من الحصون والقلاع وآخذ عليهم عهدًا أن لا يخامروا عليك أبدًا وأن يطيعوك وأرسل المال والذخائر وما نخاف عليه إلى قلعة يرقبوس فإنها أمنع قلاع الأرض.
قال الواقدي: وهذه القلعة التي ذكرت في وسط بحيرة أرجيس لا سبيل لأحد عليها.
قال لها: وإذا وليتك عليها أطلق هؤلاء العرب فإنه ما سبقني أحد من الملوك إلى قبض الرسل وأيضًا يتحدث عني أني فزعت من العرب وقد عولت على لقائهم فإن نصرت عليهم فذاك هو المراد وإن نصروا علي فلي أسوة بأمثالي من الملوك وقد أرسلت إلى الملك درفشيل صاحب أرزن الروم بأن يأتي إلي بجنوده وعدته وعدده ووعدته أن أزوجه بأختك فاروثة فما ترين من الرأي.
قالت له: أيها الملك إذا عزمت على هذا الأمر فلا تترك هؤلاء يمضون حتى يجتمع العسكر ويقدم الملك درفشيل بجيشه ولا يتخلف عنك أحد وبعد ذلك اترك هؤلاء فإذا ساروا إلى صاحبهم فسر أنت في أثرهم بالجيوش واكبس عكسرهم.
فقال: يا بنية ليس من الرأي أن نطلقهم من أيدينا بل نبعث إلى صاحبهم نقول له إنهم مكرمون عندنا وقد رأينا أننا في يوم عيد ندبر فيه أمرنا فإما أن نصالحكم بأداء الجزية وإما أن نقاتلكم والله ينصر من يشاء ونأمرهم أن ينزلوا في مرج بطان فإنه مرج واسع يصلح لملتقى العساكر ونضرب معهم مصفًا ونحن أخبر منهم بالبلاد ونمسك عليهم الحروب فما ينجو منغم أحد ونسير إلى ديار بكر فنملكها ونأخذ أرض ربيعة ولا يبقى في هذه البلاد ملك سوانا.
فقالت له طاريون: افعل ما تشاء وتركته وانصرفت إلى مكانها فلما عرفت أن أباها قد أغلق أبوابه أتت إلى الصحابة وعرفتهم بما قال أبوها.
فقال خالد: اللهم يسر لنا الأمر من غير تعب وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه.
فقال يوقنا: وكيف ذلك يا صاحب رسول الله.
فقال خالد: نعم نحن أمورنا بحمد الله منوطة بالنصر وقد كفانا كل أمر واعلموا أن هذا الرجل قد عول أن يبعث ليجتمع ملوكه وجيوشهم ويحرضهم على قتالنا والصواب أننا نصبر حتى يجتمعوا.
فقالت طاريون: لقد نطقت بالصواب يا صاحب رسول الله ووفقت ولعل أن يحصلوا كلهم في أيديكم إن شاء الله فإن أبي لا يقدر أن يوليني إلا في البيعة بحضرة أصحاب القلاع والحصون ويأخذ لي عليهم العهد وبعدما يفعلون ذلك تثورون عليهم إن شاء الله ولعل أن يكون في جملتهم صاحب أرزن ونرسل العبد الصالح يوقنا بزي صاحب أرزن فلعله يملكها إن شاء الله تعالى ونكون ظفرنا بالأرب وخرجت من عندهم.
قال الواقدي: حدثنا صالح بن عمران عن عبد الرحمن بن الحسن عمن حدثه قالوا جميعًا أو من قال منهم: إنه لما اتفق الرأي على الملك صاحب خلاط على ما ذكرنا وأصبح الصباح أرسل وراء صاحب أعماله وولاة الحصون أن يحضروا عنده فأتوا بأجمعهم ولم يتخلف منهم أحد وأتى درفشيل من أرزن ومعه عسكره وكان اجتماعهم في ليالي عيدهم الكبير فزينوا البيعة وجاءت القسوس والرهبان من كل مكان ودخلوا البيعة وصلوا وقربوا القربان فلما فرغوا من قربانهم وصلاتهم جلس الملك على سريره وابنته واقفة عن يمينه.
فقال للملوك والبطارقة: اعلموا أنني ما جمعتكم إلا لأمر أعرضه عليكم وفيه سداد أمركم وملككم ودينكم وقد عولت على أنني أولي أمركم الملكة طاريون فإنها كما علمتم من أصحاب العقل والرأي والتدبير في الحرب والشجاعة والبراعة فإن قضي علي فإنها تكون مالكة فما تقولون.
فقاموا بأجمعهم وصقعوا له وقالوا: نعم الرأي الذي رأيته أيها الملك فانجز أمرك فعندها وثب قائمًا وأزال التاج عن رأسه ووضعه على رأس طاريون وأمسك بيدها وأجلسها على السرير ووقف عن يمينها كأنه حاجب ووقف صاحب أرزن عن يسارها وصعقت لها الملوك وبايعوها وتقدمت القسوس والرهبان وأخذوا لها عليهم العهد والميثاق وأجابوا بالسمع والطاعة وبعدها زوجوا أخت طاريون بولد صاحب أرزن وخرجوا من البيعة في خدمة طاريون إلى قصر الملك وأكلوا السماط وخلعت عليهم وزينت المدينة وضربوا خيامهم بظاهر البلد وعولوا على قتال المسلمين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق