22
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: فما طلب ضرار غيره لأنه علم أنه صاحبهم فحمل عليه غير مكترث به وطعن فارسًا كان في يده العلم فتجندل من على فرسه قتيلًا ثم إنه طعن آخر في الميمنة فأرداه وحمل يريد القلب وكان قد عاين وردان والصليب على رأسه يحمله فارس من الروم والجواهر تلمع من أربع جوانبه فعارضه ضرار وطعن حامله طعنة عظيمة فخرج السنان يلمع من خاصرته.
قال فسقط الصليب منكسًا إلى الأرض.
فلما نظر وردان إلى الصليب أيقن بالهلاك وهم أن يترجل لأخذه أو يميل في ركابه ليأخذه فما وجد لذلك سبيلًا لما قد أحدق به وترتجل عليه قوم من المسلمين ليأخذوه وقد اشتغل كل عن نفسه ونظر ضرار إلى من ترجل لأخذ الصليب.
فقال: معاشر المسلمين إن الصليب لي دونكم وأنا صاحبه فلا تطمعوا فإني إليه راجع إذا فرغت من كلب الروم.
قال فسمع ذلك وردان وكان يعرف العربية فعطف من القلب يريد الهرب.
فقالت البطارقة: إلى أين أيها السيد أتفر من الشيطان فما رأينا أدنى من منظره ولا أهول من مخبره ونظر إليه ضرار وقد عطف راجعًا فعلم أنه قد عزم على الهرب فصاح بقومه ثم اقتحم في أثره ومد رمحه وهمز جواده فتصارخت به الروم وعطفت عليه المواكب من كل الموت حق أين لي منه المفر وجنة الفردوس خير المستقر هذا قتالي فاشهدوا يا من حضر وكل هذا في رضا رب البشر ثم اخترق القوم وحمل عليهم وحمل المسلمون في أثره فأحدقوا بهم من كل مكان ونظروا إلى ضرار وقد قصده وردان صاحب حمص عندما علم أنه اخترق القوم فمد إليه رمحه وقد أحدقت به بطارقته وضرار يمانع عن نفسه يمينًا وشمالًا فما طعن أحدًا إلا أباده إلى أن قتل من القوم خلقًا كثيرًا وهو يصرخ بقومه: ويقول: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4]. قال: وأكبت عليه جيوش الروم من كل جانب ومكان واشتعل الحرب بينهم ووصل همدان بن وردان إلى ضرار بن الأزور ورماه بسهم.
فأصاب عضده الأيمن فوصل السهم إليه فأوهنه وأحس ضرار بالألم فحمل على همدان وصمصم عليه برمحه وطعنه.
فأصاب بالطعنة فؤاده فوصل السنان إلى ظهره فجذب الرمح منه فلم يخرج وإذا به قد اشتبك في عظم ظهره فخرج الرمح من غير سنان فطمعوا فيه وحملوا عليه وأخذوه أسيرًا فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضرار وهو أسير فعظم الأمر عليهم وقاتلوا قتالًا شديدًا ليخلصوه فما وجدوا إلى ذلك سبيلًا وأرادوا الهرب.
فقال رافع بن عميرة الطائي: يا أهل القران إلى أين تريدون أما علمتم أن من ولى ظهره لعدوه فقد باء بغضب من الله وإن الجنة لها أبواب لا تفتح إلا للمجاهدين الصبر الصبر الجنة الجنة يا أهل الكتاب كروا على الكفار عناد الصلبان وها أنا معكم في أوائلكم فإن كان صاحبكم أسر أو قتل فإن الله حي لا يموت وهو يراكم بعينه التي لا تنام فرجعوا وحملوا معه.
قال: ووصل الخبر إلى خالد أن ضرار قد أسر بيد الروم وأنه قتل من الروم خلقًا كثيرًا فعظم ذلك على خالد وقال: في كم العدو قالوا: في اثني عشر ألف فارس.
فقال: والله ما ظننت إلا أنهم في عدد يسير ولقد غررت بقومي ثم سأل عن مقدمهم من يكون فقيل وردان صاحب حمص وقد قتل ضرار ولده همدان فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أرسل إلى أبي عبيدة يستشيره فبعث إليه أبو عبيدة يقول له: اترك على الباب الشرقي من تثق به وسر إليهم فإنك تطحنهم بإذن الله تعالى.
فلما وصل الجواب إلى خالد قال: والله ما أنا ممن يبخل بنفسه في سبيل الله ثم أوقف بالمكان ميسرة بن مسروق العبسي رضي الله عنه ومعه ألف فارس وقال له: أحذر أن تنفذ من مكانك.
فقال ميسرة: حبًا وكرامة وعطف خالد بالناس وقال لهم: أطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة فإذا أشرفتم على العدو فاحملوا حملة واحدة ليخلص فيها ضرار إن شاء الله تعالى إن كانوا أبقوا عليه والله إن كانوا عجلوا عليه لنأخذن بثأره إن شاء تعالى وأرجو أن لا يفجعنا به ثم تقدم أمام القوم وجعل يقول: لأروين الرمح من ذوي الحدق ** لأهتكن البيض هتكًا والدرق
عسى أرى غدًا مقام من صدق ** في جنة الخلد وألقى من سبق
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق