115
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الواقدي: حدثنا عمرو بن ربيعة الشيباني.
قال: أخبرنا أحمد الطويل قال: لما نزل هاشم بن عتبة على مدينة نشاور بمن معه من المسلمين لم يلتفتوا إليهم ولم يكترثوا بهم وأروهم التجلد والشدة وجعلوا يطاولونهم ولا يخرجون إليهم فصعب ذلك على المسلمين والمدد واصل إليهم من عند يزدجرد بن كسرى فاشتدت قلوب أعداء الله فقالوا لمهران الداري: أيها الصاحب ما الذي تنتظر بنا في قعودنا ومقامنا من وراء السور وقد اشتقنا إلى القتال فاخرج بنا إلى هؤلاء القوم فقد ضاقت صدورنا وضاقت بنا المدينة وهذه الشمس المنيرة تنصرنا وتظفرنا على أعدائنا وكذلك النار والنور فلما رآهم معولين على القتال أمرهم بالخروج وجعل على خيله جوزان بن جهران وأمره أن يزحف بالجيش فلما فتح باب المدينة وخرج الفرس فرح المسلمون بذلك وتبادروا إليهم بأسرار صافية وهمم وافية يطلبون القتال في مرضاة الله في الجلال وأنفسهم لذلك مستبشرة نازحة وهممهم إلى الحرب مسرعة فادحة وقد سلموا من سكنى دار الغرور واشتاقوا إلى سكنى القصور ومعانقة الحور وقالوا: إلهنا قد سئمنا من هذه الدار واشتقنا إلى دار القرار ومجاورة المختار فأنجزنا ما وعدتنا وسامحنا إذا توقيتنا وأجرنا من عذاب النار واحشرنا مع الكرام الأبرار الذين قلت في حقهم: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: 23 ،24].
قال: ولما ركب المسلمون جعل على مقدمة الخيل طلحة بن خويلد وبقي هاشم على الساقة.
فقال: أيها الناس والله لا تنال الجنة إلا بحسن الأعمال فاتركوا من قلوبكم الميل إلى دار اللهو والأهوال والمقام في دار الزوال.
جاهدوا لتدخلوا جنة عرضها السموات والأرض فهذه نار الحرب قد فاض تيارها وعلا دخانها وصفقت أمواجها وبدا فجاجها فاركبوا فيها سفينة النجاة والأنجاد واقطعوا بشراع الاجتهاد هذا الطريق وانشروا أعلام الصدق.
قال وقد اصطفت عساكر العجم ودقت بوقاتها ونشرت ازدهاراتها فهم كذلك إذ أقبل عليهم ملك الرقي في اثني عشر ألف فارس فلما رأى هاشم ذلك قال: يا فتيان العرب لا تنظروا إلى كثرتهم وفقتكم فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا وخذل الكافرين وقد كانت قريش في حدها وحديدها وعددها وعديدها ونصر الله نبيه ورسوله قال الله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } [البقرة: 49]. وإذا بالخيل قد حملت عليهم كأنهم السيل.
فقال هاشم: أخلصوا النيات ولا تولوا الأدبار واعلموا أنه قد تولى عليكم الجبار.
قال وأطبق الناس بعضهم ببعض وساروا بين البسط والقبض وازدحمت الأمم وقامت الحرب على قدم وقاتلت أبطال العجم وضربت بحرابها ورمت بصفاحها وفوقت بسهامها وأظلم الجو من الغبرة في الآفاق واعتمدوا على الضرب بالأسياف الرقاق وطعنت العرب بالرماح الدقاق وقلعت عرب اليمن بنبالها الأحداق ودنت الأعمار إلى المحاق وبلغت الأرواح التراق وعظم الأنين والزعاق وصبرت الأعاجم على ما لا يطاق وسماهم العرب من أسنة رماحهم كأس الفراق ولم يزالوا في القتال إلى أن ذهبت الأنوار وجاء الليل ومضى نور النهار وفي آخر يوم قدم القعقاع بن عمرو ومعه اثنا عشر ألف فارس فقويت قلوب المسلمين بقدوم عساكر الموحدين وأعلنوا بكلمة التوحيد فدوت من أصواتهم الجبال والتلال والرمال والحجر والشجر فلما سمع أعداء الله ما نطقوا به ارتعدت فرائصهم فاستقبلوهم بنيات صادقة وهمم متوافقة وأعلنوا بذكر كلمة الحق والصلاة على سيد الخلق فبذلوا صوارمهم في الأعداء وأوردوهم شراب الردى وقصدوا نحو أعدائهم وطلبوا بجهادهم منازل الجنة وطلقوا الدنيا بتاتًا وعلموا أنهم يصيرون أمواتًا وصاروا بعد الإلفة أشتاتًا فوقعت الهزيمة على عسكر العجم وحمل المسلمون في آثارهم وخذلهم الله فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا وهرب الباقون وأخذ المسلمون مدينة نشاور وغنموا ما فيها من الأموال وكان شيئًا لا يقع عليه حصر وأقاموا فيها وبنوا الجامع وذكروا الله فيه ذكرًا كثيرًا وأكمل الله لهم فتوح العراق وكتبوا بذلك كتابًا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمونه بذلك وبعثوا الخمس فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسر بذلك سرورًا عظيمًا فحمد الله تعالى كثيرًا وسرت المسلمون سرورًا زائدًا على ما فتح من بلاد كسرى وأعمالها على يد سعد بن وقاص واستوطنوا البلاد رضي الله عنهم أجمعين.
فتوح البهنسا وأهناس وأعمالها وفضائل جبانتها بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اعلم وفقك الله أن مدينة البهنسا ذكر بعض المفسرين أن الله سبحانه وتعالى ذكرها في كتابه العزيز بقوله عز وجل في حق عيسى عليه السلام: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} [المؤمنون: 50] قال: هي أرض بهنسا وكان من أمر عيسى عليه السلام ما ذكرناه إن شاء الله تعالى واستشهد بها زهاء من خمسة آلاف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الأعيان والأمراء زهاء من أربعمائة ويتبعهم من الأشراف والصحابة نفر كثير منهم علي بن عقيل بن أبي طالب والحسن بن صالح بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي عمر جامعًا بها وكان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى وزياد بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب والفضل بن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر من استشهد من الصحابة الأعيان بها إن شاء الله تعالى عند الفتوح وأبنائهم وجماعة كثيرة وذكر جماعة من السادات الأخيار أن من زار جبانة البهنسا خاض في الرحمة حتى يعود ومن زارها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنه لا يزورها مهموم إلا وفرج الله همه ولا مغموم إلا أذهب الله غمه ولا صاحب حاجة إلا قضيت بإذن الله عز وجل والأماكن المستجاب فيها الدعاء منها عند مجرى الحصى ومقطع السيل وأن هناك خلقًا كثيرًا من الشهداء ومشهد الحسن بن صالح بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعند قبر زياد بن أبي سفيان بن الحرث وعند قبر عبد الرزاق من داخل الباب وعند معبد عيسى ابن مريم عليهما السلام وعند قبور الشهداء بسفح الجبل وقبليها مكان يعرف بالمراغة قبل الجبانة عندها قبور الشهداء هناك بسفح الجبل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق