101
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الواقدي: حدثني إسرائيل بن إسحق عن أبي الأحوص.
قال: بلغني أن عياض بن غنم لما وجه خالدًا إلى ملينة أرمينية وهي أخلاط واستبطأهم ساءت به الظنون فيهم فارتحل من بدليس إلى أرض أرزن ونزل بالمرج ووجه عيونه إلى خلاط فغابوا عنه أيامًا وعادوا إليه وأخبروه أن الملك قد ولى ابنته طاريون على المملكة وقد عقد لها التاج على رأسها وبايعها الملوك وزينوا المملكة من أجل ذلك وقدم صاحب أرزن الروم وزوج أخت الملكة لابنه وأن القوم قد عولوا على لقائهم فلما سمع عياض ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم غدروا أصحابنا.
فقال المسلمون: كيف ذلك يا صاحب رسول الله قال: لأن أصحابنا مضوا لأمر يرومونه وقد وفد عليهم.
فقالوا: ثق بالله وتوكل عليه وأقام عياض على المرج عشرة أيام وحصل له مرض على أمر الصحابة فأتته الناس يعودونه.
فقال: إذا أراد الله بعبده خيرًا زاره قال الواقدي: وغوفي عياض فبينما هو قد ركب مع وجوه الصحابة وهم يسيرون وقلبه مشغول من قبل خالد ومن معه وإذ قد أتاه سعيد بن زيد وهو ينادي: الوحا الوحا العجل العجل فأسرع إليه عياض وقال: ما بك يا ابن زيد يرحمك الله.
فقال: الحق خالدًا ومن معه فقد وقعوا في بحر اللجاج وهم في وسطه فلما سمع عياض ذلك قال: وكيف.
قال: إن طاريون لما ولاها أبوها الملك وجعل العهد لها ظفرت بأبيها فقتلته وبعثت وراء الملوك على لسان أبيها فلما جاؤوا إليها قتلتهم وإن بعض غلمانها اطلع على سرها فمضى إلى بقية البطارقة والولاة فأخبرهم بما صنعت فلبسوا السلاح وقعدوا على أهبة فلما كان بالأمس ركبت هي في جيش أبيها إلى الميدان وركبنا نحن لركوبها فما علمنا إلا والقوم قد أطبقوا علينا وقالوا لنا: أظننتم أن المسيح غفل عن أمركم وأنه لا يؤاخذكم بذنوبكم وقد أمكن الصليب منكم وهموا بأخذنا فقاتلناهم قتالًا شديدًا ما سمع أحد بمثله وملأنا الأرض من قتلاهم فلما جن الليل وضعت الحرب أوزارها وانفصل الجيش مع صاحب أرزن الروم وبقي مع الجارية نفر يسير من غلمانها وغلمان أبيها فأفاضت عليهم الخلع والنعم وبعثت إلى الأرمن تقول لهم: إنما فعلت ذلك شفقة عليكم وصونًا لحريمكم لأنهم أرادوا أن يقبضوا على هؤلاء العرب ويقتلوهم فكان أصحابهم لا يتركون منكم مخبرًا فلما بلغهم ذلك قال العقلاء منهم: والله لقد فعلت معنا كل خير وأجابها من القوم خمسة آلاف رجل وإني تركت المصف وجئت إليكم مستنفرًا فلما سمع عياض كلام سعيد أمر الناس بالرحيل وسار سيرًا خفيفًا وخببًا إلى أن أشرفوا عليهم وإذا بالحرب قد قامت على ساقها فكبر عياض ومن معه فارتخت منهم تلك الأرض والجبال وحملوا وكان خالد وأصحابه قد أرضوا الله بقتالهم فقاتلوا قتالًا ما سمع على وجه الأرض بمثله ولم يزالوا كذلك حتى انقشع الغبار وانفصل القتال وافتقدوا من قتل فوجدوا من قتل من بادية الأعراب مائة وعشرين رجلًا وافتقد معاذ بن جبل ولده فلم يجده فلما جن الليل دخل ومعه رجال من المسلمين إلى المعمعة فوجدوه يجود بنفسه وقد ناله جراحات فحملوه إلى رحله وجلس أبوه عند رأسه.
فقال عبد الرحمن بن غنم أخو عياض: لما رأيته يجود بنفسه بكيت وانتحبت.
فقال له: مه وهذه الغزوة أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال له: يا بني ستلقى ربك وكان لما أذن المؤذن للظهر فما انصرف العسكر من صلاتهم إلا وقد كفنه في دراعته وهو متضمخ بدمائه فجاءه الناس فوجدوه قد دفنه فقالوا له: يرحمك الله هلا كنت انتظرتنا حتى نحضر جنازته.
قال: ليس ذلك من السنة فإن ذلك في الجاهلية وقد كنا نشتهي أن نبطئ بموتانا ولكنا أمرنا بإنجاز موتانا فلما دفنه في القبر ورجع إلى رحله غسل رأسه ولحيته واكتحل ولبس برديه وأتى إلى خيمة عياض وهو يكثر من الابتسام والتكبير وليس به إلا ما يسليه عن ذلك وقال: هنيئًا لك يا ولدي.
فقال له عبد الرحمن: وماذا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مات له ابن وكان به ضنينا وكان عليه عزيزًا فحسن عليه عزاؤه ولم ير منه شيء في قضاء الله إلا غفر له وللميت وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجه الله من الحور العين).
ولما طلع النهار ركب المسلمون وطلبوا الجهاد وإذا بخيل قد أتت وعليها فرسان بغير سلاح فلما قربوا منهم ترتجلوا وقصدوا الأمير فابتدر إليهم يوقنا وقال لهم: من أنتم قالوا: نحن أصحاب أرزن الروم وهذا مقدمنا وأشاروا إلى شيخ منهم حسن الشيبة فراطنه يوقنا.
فقال: إن الله دلني عليكم ربت الليلة على نية القتال فرأيت المسيح ابن مريم في النوم وهو يأمرني باتباع محمد وقال لي: إن نبي هؤلاء العرب هو الذي بشرت به فمن عدل عنه فليس مني فلما سمع يوقنا قوله ترتجل هو وجميع من كان معه ومشوا معه إلى عياض وحدثه بجميع ما جرى فقام له وصافحه هو والمسلمون وحدث عياضًا بما حدث يوقنا ثم أسلم هو ومن معه ففرحت بذلك الجارية طاريون وسلمت إليه أختها وسار بها إلى أرزن الروم وأرسلوا معه عشرة من المسلمين ليدعوا أرزن الروم إلى الإسلام ويعلموهم شرائع الدين.
قال الواقدي: وهم رواحة بن عبد الله وسلامة بن عدي والمرقال بن الأكوع وابن خويلد وجرير بن صاعد وعبد الله بن صبرة وسهل بن سعد ومصعب بن ثابت وحازم بن معمر وأبو نمير بن بشار.
قال: وودع درفشيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتحل والعشرة معه حتى وصل أرزن الروم ففرح أهل المدينة بهم وخرجوا للقائهم فلما استقر الملك في مجلسه طلب أكابر الناس وحدثهم بما رآه وعرض عليهم الإسلام فأسلم أكثرهم وأقبل العشرة يعلمونهم شرائع الإسلام والقرآن قال وسلم القلاع والحصون التي كانت لأخلاط المسلمين فمنهم من أسلم ومنهم من أقام على أداء الجزية من عامهم الآتي وبعث عياض إلى خوى وسلواس وما يلي تلك الأرض فأسلم أهلها إلا القليل وبعث من المسلمين رجالًا يعلمونهم الشرائع وأقر طاريون على أخلاط والله تعالى هو الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
فتح أرزن وأسعرد وجبل مارون قال الواقدي: قال عبد الله بن عقيل الجعدي عن أبي إسحق الهمداني قالوا: جمعًا وفرادى أو من قال منهم: إنه لما فتح الله ديار بكر وأرمينية وأخلاط على المسلمين على يدي عياض بن غنم بعد فتوح ربيعة أرسل وراء الغلام يرغون في كفر توتا فلما قدم عليه قلده أمر أرمينية وأخلاط له ولزوجته طاريون وأخذ عليهما موثقًا من الله أن يعاملا الناس بالعدل وأن يتبعا الشريعة وأن يأمرا بما أمر الله ورسوله فقبلا ذلك وارتحل عياض من أرض أرمينية بعد أن بعث أفلح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مائة رجل إلى بلاد العراق حتى يدعوا أهلها إلى الإسلام ووعدهم بالاجتماع هنالك.
قال فانصرفوا بالرسالة وأما عياض فإنه سار على طريقه التي ورد عليها إلى أرزن الروم وخرج منها إلى أسعرد إلى جبل مارون.
قال الواقدي: كان الذي أسسها السموأل بن عاديا وكان قد سبق قبل ذلك الأبلق الفرد من أرض تيماء ولما جاء وزير كسرى وطلبه هرب إلى هذه الأرض وبنى له فيها هذا البلد فلما نزل عياض عليها دعاهم إلى الإسلام فأجاب العقلاء منهم ومن أبى أقر عليه الجزية وكتب لهم عهدًا ورحل حتى نزل على الشمطاء وأساوح فأجاب أهلها ولم لكن الجزيرة يومئذ محدودة وأن الذي بناها رجل من أهل برقعيد يقال له عبد العزيز بن عمرو وكانت دجلة قبل ذلك فلما نزل عياض عليها وزار هو ومن معه جبل الجودي وموضع السفينة وكان بجنبها أخباث كثيرة فكانت أهل تلك البلاد تنزح الأخباث وكان ملكها الجزيري صالح فأجاب وأطاع وكان يسكن بعاديا وكانت تحت يده كواس والزعفران وقفير ودربيس وأماكن كثيرة قال ولما بلغته الرسالة أجاب صالح وأطاع وأقبل إلى عياض وأسلم وكتب لأهل بلده عهدًا وأنفذ لهم من يدعوهم إلى الإسلام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق