11
فتوح الشام ( للواقدي )
فقال أهل أركة: وكيف ذلك.
قال: إن عندي ملحمة فيها ذكر هؤلاء القوم وإن أول راية تشرف من خيلهم هي الراية المنصورة وقد دنا هلاك الروم فانظروا إن كانت رايتهم سوداء وأميرهم عريض اللحية طويل ضخم بعيد ما بين المنكبين واسع الهيكل في وجهه أثر جدري لهو صاحب جيشهم في الشام وعلى يديه يكون الفتح.
قال: فنظر القوم وإذا الراية على رأس خالد وهي كما قال حكيمهم.
قال: واجتمعوا على بطريقهم وقالوا له: أنت تعلم أن الحكيم سمعان لا ينطق إلا بالحق والحكمة وقد قال كذا وكذا.
والذي وصفه لنا رأيناه عيانًا ونرى من الرأي أن نعقد بيننا وبين العرب صلحًا ونأمن على حريمنا وأنفسنا.
فلما سمع ذلك بطريقهم قال: أخروني إلى غد لأرى من الرأي.
قال: فانصرفوا من عنده وبات البطريق يحدث نفسه ويدبر أمره وكان عارفًا عاقلًا خبيرًا بالأمور وقال: إن أنا خالفتهم خفت أن يسلموني للعرب وقد تحقق أن روبيس سار بجيش عظيم فهزمهم العرب ولم يزل يراود نفسه إلى أن أصبح الصباح فدعا قومه.
وقال: على ماذا عولتم قالوا: عولنا على أننا نقيم الصلح بيننا وبين العرب.
فقال البطريق: أنا واحد منكم مهما فعلتم لا أخالفكم.
قال: فخرج مشايخ أركة إلى خالد وكلموه في الصلح فأجابهم إلى الصلح وألان الكلام لهم وتلقاهم بالرحب والسعة ليسمع بذلك أهل السخنة ويبلغ الخبر لأهل قدمة وكان الوالي عليهم بطريق اسمه كوكب فجمع رعيته وقال لهم: بلغني عن هؤلاء العرب أنهم فتحوا أركة والسخنة وأن قومنا يتحدثون بعدلهم وحسن سيرتهم وأنهم لا يطلبون الفساد وهذا حصن مانع لا سبيل لأحد علينا ولكن نخاف على نخلنا وزرعنا وما يضرنا أن نصالح العرب فإن كان قومنا هم الغالبين فسخنا صلحهم وإن كان العرب ظافرين كنا آمنين.
قال: ففرح قومه بذلك وهيئوا العلوفة والضيافة حتى خرج خالد.
رضي الله عنه من أركة ونزل عليهم فخرجوا إليه بالخدمة وصالحهم على ثلثمائة أوقية من الذهب وكتب لهم كتابًا بالصلح ثم ارتحل عنها إلى حوران وبلغ عامر بن الطفيل كتاب خالد إلى أبي عبيدة فلما قرأه تبسم وقال: السمع والطاعة لله تعالى ولخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعلم المسلمين بعزله وولاية خالد بن الوليد وكان أبو عبيدة وجه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بصرى في أربعة آلاف فارس.
قال: فسار على فنائها وكان على بصرى بطريق عظيم الشأن والقدر عند الملك وعند الروم اسمه روماس وكان قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية وكان يجتمع إليه الروم من أقصى بلادها ينظرون إلى عظيم خلقته ويسمعون ألفاظ حكمته وكانت آهلة بالخلق عامرة بالناس وكان فيها ألف فارس وكان العرب يقصدونها ببضائعهم وتجارتهم من أقصى اليمين وبلاد الحجاز فإذا كان في أيام الموسم ينصب لبطريقهم كرسي ليجلس عليه ويجتمع الناس إليه ويستفيدون من علمه وحكمته فبينما هم قد اجتمعوا إليه وقعت الضجة بقدوم شرحبيل بن حسنة وعسكره فبادر إلى جواده فركبه وصاح في قومه فأجابوه وقال: لا تتحدثوا حتى نسمع كلام القوم وما عندهم ثم سار حتى قرب من شرحبيل بن حسنة وجيشه ونادى: معشر المسلمين أنا روماس وإني أريد صاحبكم.
قال: فخرج إليه شرحبيل فلما قرب منه قال البطريق: من أنتم.
قال شرحبيل: من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي فقال شرحبيل: قبضه الله إليه.
فقال البطريق: فمن ولي الأمر بعده.
قال: عتيق بن أبي قحافة بن بكر بن تيم بن مرة.
فقال روماس: وحق ديني لقد أعلم بأنكم على الحق ولا بد لكم أن تملكوا الشام والعراق وأنا أشفق عليكم إذ أنتم في جمع يسير ونحن في جمع كثير ولكن ارجعوا إلى بلادكم فإنا لا نتعرض لكم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق