إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 يونيو 2014

8 فتوح الشام ( للواقدي )


8

فتوح الشام ( للواقدي )


فبعجنا دوابهم بالأسنة فتنكسوا فبعد انتكاسهم تفرق بعضهم عن بعض وحملوا علينا وحملنا عليهم وكنا فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وكان شعارنا يوم فلسطين‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله يا رب انصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو الدرداء‏:‏ فلقد شغلني الحرب عن مناشدة الأشعار ولقد كان أحدنا لا يدري أهو يضرب أخاه أو عدوه من كثرة القتام قال‏:‏ فثبت المسلمون مع قلتهم وفوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وما كان أحد من المسلمين يضرب إلا وظهره ناطق بالدعاء يقول‏:‏ اللهم انصرنا على من يتخذ معك شريكًا‏.‏

قال عبد الله بن عمر بن الخطاب‏:‏ فلم يزل الحرب بيننا إلى وقت الزوال وهبت الرياح والناس في القتام إذ نظرت إلى السماء وقد انفرج فيها فرج وخرجت عنها خيول شهب تحمل رايات خضرًا أسنتها تلمع وعناد ينادي بالنصر ابشروا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أتاكم الله بالنصر‏.‏

قال‏:‏ فما كان غير قليل إذ نظرت إلى الروم منهزمين والمسلمون في أعقابهم لأن خيل العرب أسبق من خيل الروم‏.‏

قال ابن عمر‏:‏ فقتلنا في هذه الواقعة قريبًا من خمسة عشر ألف فارس وأكثر ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر وقلبه متعلق بالمسلمين لإسراعهم وراء العدو وقال عمرو بن غياث‏:‏ فنظرت إلى عمرو بن العاص والراية في يده وقد أوفى القناة على عاتقه وهو يعركها بيده ويقول‏:‏ من يرد الناس علي رد الله عليه ضالته إذ نظرت العرب قد عطفت راجعة كعطفة الأم على ولدها فاستقبلهم عمرو وهو يقول‏:‏ هنيئًا لهذه الوجوه التي تعبت في رضا الله تعالى أما كان لكم كفاية في أن خولكم الله حتى اتبعتم العدو فقالوا‏:‏ ما أردنا الغنيمة بل القتال والجهاد قال‏:‏ ولما رجع المسلمون لم يكن لهم همة إلا افتقاد بعضهم بعضًا ففقد من المسلمون مائة وثلاثون رجلًا ختم الله لهم بالسعادة منهم سيف بن عبادة ونوفل بن دارم والأهب بن شداد والباقي من اليمن ووادي المدينة‏.‏

قال‏:‏ فاغتم عمرو لفقدهم ثم راجع نفسه وقال‏:‏ قد نزل بهم خير وأنت يا عمرو تأبى ذلك‏.‏

ثم ندب الناس إلى الصلاة كما أمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصلى ما فاته كل صلاة بأذان وإقامة قال ابن عمر‏:‏ ما صلى خلفه إلا قليل بل صلى الناس في رحالهم من تعبهم ولم يجمعوا من الغنائم إلا القليل وبات الناس فلما أصبح عمرو أذن وصلى بهم وأمر الناس بجمع الغنائم وأن يخرجوا إخوانهم المؤمنين من الروم فجعلوا يلتقطونهم‏.‏

قال‏:‏ فأخرجوا مائة وثلاثين رجلًا ووجدوا سعيد بن خالد فلما نظر عمرو إلى ما نزل به بكى وقال‏:‏ رحمك الله فقد نصحت لدين الله وأديت النصيحة ثم جعله في جملة المسلمين وصلى عليهم وأمر بدفنهم وذلك قبل أن يخمس شيئًا من الغنائم ثم بعد ذلك جمعها إليه وكتب إلى أبي عبيدة كتابًا يقول فيه‏:‏ كتاب عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة أما بعد‏:‏ فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإني قد وصلت إلى أرض فلسطين ولقينا عساكر الروم مع بطريق يقال له روبيس في مائة ألف فارس فمن الله بالنصر وقتل من الروم خمسة عشر ألف فارس وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا فإن احتجت إلي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي وأمره أن يسير إلى أبي عبيدة‏.‏

قال‏:‏ فأسرع أبو عامر بالكتاب فوجد أبا عبيدة وهو نازل بأرض الشام وجاهر بالدخول إليها غير أنه أمره كما أمره أبو بكر‏.‏
قال‏:‏ فلما وصل أبو عامر قال له أبو عبيدة‏:‏ ما وراءك‏.‏

قال‏:‏ خير هذا كتاب من عمرو بن العاص يخبرك بما فتح الله على يديه ثم سلم إليه الكتاب فلما قرأه خر ساجدًا فرحًا بنصر الله ثم قال‏:‏ والله قتل من المسلمين رجال أخيار منهم سعيد بن خالد‏.‏

قال أبو عامر‏:‏ فكان خالد والده جالسًا فلما سمع بأن ولده قد قتل قال‏:‏ وا ابناه وجعل يبكيه حتى بكى المسلمون لبكائه ثم إن خالدا أسرع إلى فرسه فركبها وعزم إلى أرض فلسطين لينظر إلى قبر ولده‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ كيف تسير وتدعنا‏.‏

فقال‏:‏ إنما أنظر قبر ولدي وأرجو الله أن يلحقني به قال‏:‏ وكتب أبو عبيدة كتابًا لعمرو بن العاص يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر أمرك أن تكون معنا فسر إلينا وإن كان أمرك بالثبات في موضعك فاثبت والسلام عليك ورحمة الله وبركاته‏.‏

وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص فدفع له الكتاب وهو يبكي فوثب عمرو وصافح خالدًا ورفع منزلته وعزاه في ولده سعيد وعزاه المسلمون‏.‏

فقال خالد‏:‏ يا أيها الناس هل أروى سعيد رمحه وسيفه في الكفار قالوا‏:‏ نعم‏.‏

فلقد قاتل وما قصر ولقد جاهد في الدين ونصر‏.‏

فقال‏:‏ أروني قبره قال‏:‏ فأروه إياه فأقام على القبر وقال‏:‏ يا ولدي رزقني الله الصبر عليك وألحقني بك وإنا لله وإنا إليه راجعون والله إن مكنني الله لآخذن بثأرك يا ولدي عند الله احتسبتك ثم قال لعمرو بن العاص‏:‏ إني أريد أن أسري بسرية في طلب القوم فلعل أن أجد فيهم فرصة أو غنيمة وأكون قد أخذت بثأر ولدي فقال عمرو‏:‏ إن الحرب أمامك يا ابن الأم‏.‏

فإذا رأيت الروم فلا تبق عليهم‏.‏

فقال خالد‏:‏ والله لأسيرن إليهم ثم أخذ خالد أهبته للمسير وعزم أن يسير وحده فركب معه ثلاثمائة فارس من فتيان حمير فساروا يومهم ذلك أجمع وأرادوا النزول في الأودية ليعلفوا دوابهم ويسيروا ليلتهم إذ نظر خالد بن سعيد إلى أشباح على ذروة جبل هناك عال منيع‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق