103
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فتوح الخورنق وقتل النعمان بن المنذر وفتح الحيرة والقادسية قال الواقدي: حدثنا الحسن بن إسحق.
قال: أخبرنا سليمان بن عامر قال: بلغني أن سعيد بن أبي وقاص قدم العراق في ثلاثين ألف فارس من بجيلة والنخع وشيبان وربيعة وأخلاط العرب وما منهم من قدم العراق إلا بأهله وولده وما قدم أحد من ملوك الفرس إلا بماله كله حتى يقاتلوا بجد وعزم وبذلك وصاهم الملك كسرى.
قال: وإن سعدًا ارتحل من الرحبة إلى الحيرة البيضاء وكان هناك جيش النعمان بن المنذر وقد ضرب خيامه والسرادقات إلى ظاهرها وقد أضاف إليه جميع العرب وهم من العراق في ثمانين ألفًا وقد أفاض عليهم النعمان النعم والخلع ووعدهم من الملك كسرى بكل جميل وقال لهم: إن هؤلاء عرب وأنتم عرب وهلاك كل شيء من جنسه وهؤلاء مثلنا وليس لهم فضل علينا وقد جعلنا الأكاسرة مقدمي دولتهم حتى نكون لهم ركنًا وعلى أعدائهم عونًا وليس لأصحاب محمد فخر يفتخرون به علينا لكن نحن لنا الفخر عليهم وهم يزعمون أن الله بعث فيهم نبيًا وأنزل عليه كتابًا يقال له القرآن ونحن لنا الإنجيل وعيسى ابن مريم وجميع الحواريين ولنا المذبح ولنا القسوس والناقوس والرهبان والشمامسة وعلى كل حال ديننا عتيق ودينهم محدث فاثبتوا عند اللقاء وكونوا عند ظن الملك كسرى بكم.
قال: فبينما هو يقول ذلك إذ جاءه عمه إلياس وهو صاحب الحرس فقال له: أيها الملك إن أعداءنا قد أنفذوا إلينا رسولًا فقال: ائتني به فأحضره وكان الرسول سعد بن أبي عبيد القاري فلما وقف بين يدي النعمان صاح به الحجاب والغلمان قتل الأرض للملك فلم يلتفت إليهم.
وقال: إن الله أمرنا أن لا يسجد بعضنا لبعض لا ولعمري إن هذه كانت العادة المعروفة في الجاهلية قبل أن يبعث الله نبيه محمدًا عليه السلام.
فلما بعث جعل تحيته السلام وكذا كانت الأنبياء من قبله.
وأما السلام فهو من أسماء الله تعالى.
وأما تحيتكم هذه فهي تحية جبابرة الملوك.
فقال النعمان: لسنا من الجبابرة بل نحن أجل منكم لأنكم توحدون في دينكم وتقولون إن الله واحد وتجحدون ولده عيسى ابن مريم.
فقال سعد: أخبرني عن ابن مريم أكانت القدرة فيه حالة أم ربانية وجرى بينهم كلام كثير.
قال فأعجب النعمان كلام سعد.
وقال له: يا ويح قومك ما الذي جئت به.
فقال: الأمير سعد بن أبي وقاص وجهني إليك إذ أنت من العرب ويصل إلينا ما نقص عليك ولاء القوم علوج ليس لهم شريعة يؤذونها ولا فريضة يتبعونها ونحن ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكم ما لنا وعليكم ما علينا فإن أبيتم فأذوا الجزية فان أبيتم إلى ما دعوناكم إليه فائذنوا بحرب من الله ورسوله.
فلما سمع النعمان كلام سعد ضحك استهزاء بقوله وقال: لقد حدثتكم أنفسكم بالأباطيل أظننتم أن الفرس مثل الروم لا وحق المسيح بل هؤلاء أثبت جنانًا واشد طعانًا وأوسع ميدانًا فليت شعري من نفخ في معاطسكم وحسن الأمل في أنفسكم حتى جئتم من قحط البلاد ترومون ملك الأساورة وأخذ بلاد الأكاسرة ودونه حرب تصطفق أجرامه وتشب ضرامه وهذا الملك أزدشير قد أنفذ جيوشه وعساكره وكأنكم بهم وقد أقبلوا فينالون منكم ما يؤملون وما حدثتكم به أنفسكم تزيلونه من قلوبكم.
فقال سعد بن عبيد يا نعمان لقد تشدقت بالباطل وتفوهت بكلام غير عاقل أما علمت أن العاقبة للمتقين والله بكرمه يرفع عنا البأس ويظفرنا بجميع الناس وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: (ستفتح على أمتي كنوز كسرى وقيصر).
فأما كنوز قيصر فقد فتحها الله علينا وقد بقيت كنوز صاحبك.
فقال النعمان: من أين كان لصاحبك العلم ومن أين ورثه وقد بلغنا أنه كان لا يكتب ولا يقرأ.
فقال سعد: بصره الله بالعلم في القدم وعلم ما كتب في اللوح المحفوظ بالقلم.
فلما سمع النعمان كلام سعد قال له: يا ويح قومك ارجع إلى قومك فليس عندنا جواب إلا السيف.
قال فركب سعد وعاد فوجدهم قد نزلوا بالقرب منه فحدث سعدًا بما جرى له مع النعمان بن المنذر وما كان من جوابه وجعل الأمير سعد بن أبي وقاص ينشد: فإما نرى النعمان في القيد موثقًا وإما طريحًا في الدماء المعفر ثم أمر الناس بالرحيل فرحلوا وساروا إلى أن أشرفوا على جيش النعمان.
قال فلما رأوا جيوش سعد أمر الناس بالركوب فتبادرت العرب إلى خيولهم فركبتها وجنبت الجنائب وضربت الكاسات وتبادرت الأبطال ونشرت الأعلام فلما وصل سعد رضي الله عنه ولقي القوم قد أخذوا أهبتهم رتب جيشه وصفهم وألفهم وجعل في الميمنة سعد بن عبيد القارئ وفي الميسرة سعد العشيرة وفي الجناح الأيمن سعد بن نجيبة وعلى الجناح الأيسر سعد بن الأقيس الهلالي وأقام الأمير سعد في القلب ومعه أبو محجن الثقفي وزهرة بن جويرية وشرحبيل بن كعب.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق