32
فتوح الشام ( للواقدي )
ثم عاد إلى الصفوف فجعل يطوف بينهم بفرسه ويحرض الناس على القتال وهو ينادي برفيع صوته: يا معاشر المسلمين: انصروا الله ينصركم وقاتلوا في سبيل الله واحتسبوا نفوسكم في سبيل الله ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة ولتكن السهام إذا خرجت من كباد القسي كأنها من قوس واحدة.
فإذا تلاصقت السهام رشقًا كالجراد لم يخل أن يكون منها سهم صائب {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200]. واعلموا أنكم لم تلقوا بعد هذا عدوا مثله وأن هذه الفئة جملتهم وأبطالهم وملوكهم فجردوا السيوف وأوتروا القسي وفوقوا السهام.
ثم إن خالدًا أقبل ووقف في القلب مع عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وقيس بن هبيرة ورافع بن عميرة وذي الكلاع الحميري وربيعة بن عامر ونظائرهم.
قال فلما نظر وردان إلى جيش المسلمين قد زحف زحفوا وكانوا ملء تلك الأرض في الطول والعرض من كثرتهم فترامى الجمعان وتلاقى الفريقان وقد أظهر أعداء الله الصلبان والأعلام ورفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير.
فلما قرب القوم بعضهم من بعض خرج من علوج الروم شيخ كبير وعليه قلنسوة سوداء.
فلما قرب من المسلمين نادى بلسان عربي: أيكم المقدم فليخاطبني وليخرج إلي وعليه أمان.
قال فخر إليه خالد بن الوليد.
فقال له القس: أنت أمير القوم.
فقال خالد: كذلك يزعمون ما دمت على طاعة الله وسنة رسوله وإن أنا غيرت أو بذلت فلا إمارة لي عليهم ولا طاعة.
قال القس: بهذا نصرتم علينا ثم قال: اعلم أنك توسطت بلادًا ما جسر ملك من الملوك أن يتعرض لها ولا يدخلها وأن الفرس دخلوها ورجعوا خائبين وأن التبابعة أتوها وأفنوا أنفسهم عليها وما بلغوا ما أرادوا ولكنكم أنتم نصرتم علينا وإن النصر لا يدوم لكم وصاحبي وردان قد أشفق عليكم وقد بعثني إليكم وقال: إنه يعطي كل واحد منكم دينارًا وثوبًا وعمامة ولك أنت مائة دينارًا ومائة ثوب ومائة عمامة وارحل عنا بجيشكم فإن جيشنا على عدد الذر ولا تظن أن هؤلاء مثل من لقيت من جموعنا فإن الملك ما أنفذ في هذا الجيش إلا عظماء البطارقة والأساقفة.
قال خالد: والله ما نرجع إلا بإحدى ثلاث خصال: إما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو القتال.
وأما ما ذكرت من أنكم عدد الذر فإن الله تعالى قد وعدنا النصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل ذلك في كتابه العزيز.
وأما ما ذكرت من أن صاحبكم يعطي كل واحد منا دينارًا وعمامة وثوبًا فعن قريب إن شاء الله نرى ثيابكم وبلادكم وعمائمكم كل ذلك في ملكنا وبأيدينا.
فقال الراهب: إني راجع إلى صاحبي أخبره بجوابك ثم لوى راجعًا وأخبر وردان بما كان من جواب خالد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق