138
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
ثم أمر صاحب الناقوس أن يضربه فضربه ضربة سمعها أهل الأبواب ففتح البوابون وتبادروا للخروج وخرج اللعين وسمع المسلمون الصوت فبادروا من أماكنهم مسرعين يخفر بعضهم بعضًا وهم على يقظة وتبادروا كالأسود الضارية المشتاقة إلى فرائسها فلم تصل القوم إليهم إلا وهم على حفر إلا أنهم غير مرتبين فتجاول القوم في ظلام الليل وسمع الأمير خالد ذلك منهم فصاح: واغوثاه وامحمداه وإسلاماه كيد قومي ورب الكعبة اللهم انظر إليهم بعينك التي لا تنام وانصرهم على عدوهم ولا تسلمهم إلى شر خلقك ثم سار خالد وهو مكشوف الرأس بلا خوذة وألهته الزعقة عن لبس السلاح وسار في القوم وهو ينشد ويقول: فاض دمعي واعتراني حزني ضاق صدري وبراني شجني رب سلم من نزول المحن وانصر الإسلام يا ذا المنن بالنبي الهاشمي العدني أحمد المختار طه المدني قال الراوي: ثم وصل إلى باب توما ومعه خمسمائة من السادات وأصحاب النجدة مثل الفضل بن العباس والفضل بن أبي لهب وزياد بن أبي سفيان بن الحرث وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وزيد بن ثابت وعبد الله بن زيد ومسلم بن عقيل وأبي ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وبدر بن مسلم وعقبة بن نافع والمغيرة بن شعبة والمسيب بن نجيبة الفزاري رضي الله عنهم وعلت أصوات المسلمين بالتهليل والتكبير والقوم من أعلى الأسوار قد رطنوا بلغتهم وتصارخوا عندما استيقظ المسلمون وحمل خالد على القوم ونادى: يا مسلمون أتاكم الغوث من رب العالمين أنا الفارس الصنديد والبطل المجيد أنا خالد بن الوليد ثم حمل في وسط الروم بمن معه فقتل رجالًا وجندل أبطالًا وهو مع ذلك مشتغل القلب بالأمير عياض وبقية الأمراء الذي على الأبواب وهو يسمع صراخهم وزعقاتهم.
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن عون قال: حدثنا جابر بن سنان عن عقبة بن عامر قال: كان الروم والنصارى من أعلى السور يرمون بالحجارة والسهام ولقيت المسلمون من عدو الله البطليوس أمرًا عظيمًا لم يروا قبله مثله وكان أول من وصل إليهم البطليوس لعنه الله فصبرت له المسلمون صبر الكرام وقاتل عدو الله البطليوس قتالًا شديدًا وقال أروني الذي أخذ صليبي بالأمس فلما سمع الفضل بن العباس صوته قصد جهته وقال ها أنا صاحبك وغريمك أنا مبيد جمعكم وآخذ صليبكم أنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطف عليه البطليوس عطفة الأسد على فريسته وقال: إياك طلبت ثم انفرد له وصادمه فلم الناس في طول الأيام ضربًا كضربهما في تلك الليلة.
ورأى الفضل منه شيئًا لم يره في طول عمره ولم يزالا كذلك إلى أن مضى من الليل شطره وكل قرم مع قرمه ولم يزالا في كر وفر وضرب ورد لم ير أحد مثله وصبر له الفضل صبر الكرام ولاح له من عدو الله ضربة فتلقاها في حجفته فانقطع سيف الفضل وطمع فيه عدو الله وظن أنه يأخذه أسيرًا وإذا بفارسين قد أقبلا ومن ورائهما كتيبة من الفرسان قد هجموا على الروم وإذا بخولة بنت الأزور أخت ضرار قد حملت على فارسين من الروم فجندلتهما وهي تجندل في الأبطال وفرسانهم فلحقها فارسان أحدهما عبد الرحمن بن أبي بكر والثاني عبد الله بن جعفر وتبعهما آخر وهو أبان بن عثمان بن عفان فخلصوا خولة بعد أن أحاطت الروم بها وعطفوا على عدو الله البطليوس فكر راجعًا في كردوس من الروم حتى دخل مدينة البهنسا وقاتلت الروم من أعلى الأسوار قتالًا شديدًا وكان خالد رضي الله عنه تارة يكر عند باب الجبل وتارة عند باب توما وتارة عند باب قندوس.
وكان عياض بن غانم الأشعري عند باب الجبل في ذلك الوقت فلبس سلاحه ودنا من القوم بمن معه من الأمراء مثل المقداد وضرار بن الأزور وشرحبيل ومسلم وعقيل وزياد وعبد الله بن العباس وعمرو بن أبي ذئب وعبد الرحمن بن أبي هريرة والمسيب والحرث بن مسلم وزيد بن الحرث وأبي ذر الغفاري ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم فعطفوا نحو الباب وكبروا وكبر القوم من ورائهم فخرج إليهم بطريق عظيم ومعه عشرة آلاف فارس وكان اسم البطريق يوحنا فاقتتلوا قتالًا شديدًا فتكاثر الروم على عبد الله بن عبادة بن الصامت فقاتل قتالًا شديدًا ورمي بحجر من أعلى الباب فقتله وقتل من الأمراء وفرسان المسلمين عند الباب زهاء من مائتين وقتل من الروم نحو ألف وحمل عياض والأمراء والتقى القوم فصارت الأحجار والسهام تتساقط عليهم وهم لا يولون عنهم فلما ألجؤوهم إلى الباب واختلطوا بهم خشيت الروم أن يصيبوا أصحابهم بسهامهم وحجارتهم فأمسكوا أيديهم وقتل من الروم مقتلة عظيمة.
وأما خالد فقاتل قتالًا شديدًا ما رؤي مثله فبينما الناس كذلك إذ أقبل ضرار بن الأزور وهو ملطخ بالدماء وهو جامد عليه كأكباد الإبل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق