124
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قالا: فما الرأي يا أبا حازم قال: الرأي أن نجمع ثيابناونغمسها زيتًا ودهنًا ونجعلها على رؤوس الرماح ونجعل في أعلاها نارًا ثم نأمر رجالًا يجمعون القيصوم وغيره ونجعله في غرائر على ظهور الجمال عريًا ونشغلهم بالقتال ثم نأتي الفرسان تمانعم وتساق عليهم الجمال فإنها إذا أحست بالنار حطمتهم فلا يصبرون على ذلك والمعونة من الله تعالى فاستصوبوا رأيه وأعدوا رجالًا لذلك وناوشوهم القتال فلم يكن إلا ساعة حتى تهيأت المكيدة وجعلوا من الفرسان ألف فارس وصبغوا تلك الثياب بالدهن والزيت وأطلقوا النيران برؤوس الأسنة وحملوا الغرائر بالقيصوم وغيره وأشعلوا فيه نارًا ووضعوا الحراب في أجناب الإبل فلما أحست بالحراب في أجسامها والنار في ظهورها فعندها حطمت الروم والسودان فلما رأت الفيلة ذلك طارت عقولها وقطعت سلاسلها وداست قوادها ورمت ما على ظهورها من الرجال وداستهم بأخفافها ورجعت خيل الروم وبراذينها وهرب بغالها وذابت قلوب رجالها وضربت الأمراء في الأعداء بسيوفها وطعنت برماحها ورمت بنشابها.
قال المسيب بن نجيبة: ولقد رأينا طيورًا أظلتنا في زي النسور وكان الطائر يرفرف بجناحه على وجه الكافر ورأسه ثم يضع مخاليبه في عينيه فيرميه إلى الأرض فلم تكن إلا ساعة بعد صلاة العصر حتى ولت الروم الأدبار وركنوا إلى الفرار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى جاء الليل وأظلم النهار ووصلت الهزيمة إلى القرية المعروفة بالدير وإلى اللاهون وإلى أهناس وإلى ميدوم وتبعتهم المسلمون الليل كله إلى الصباح وقد تفرق شملهم وشرد جمعهم وأسر منهم جماعة كثيرة نحو خمسة آلاف وقتل قال رافع بن أزد الجهني: لما رجعنا إلى مكان المعركة وجدنا الأرض قد امتلأت من قتلى الروم والسودان والبجاوة وغيرهم واختلط جماعة من قتلى المسلمين بهم ما عرفناهم من الروم إلا أن الروم كان بأيديهم صلبان والمسلمون ليس لهم ذلك فميزناهم منهم بذلك وجمعنا جريد النخل والقصب ووضعنا على كل قتيل جريدة أو قصبة وذلك في مكان المعركة ثم جمعناها وحصرناها فإذا الكفار تسعون ألفًا وقتل في الجبال والطرقات ما لا يحصى وتفقد المسلمون من قتل منهم فإذا هم خمسمائة وثلاثون رجلًا وجمعت المسلمون الغنائم والأموال ثم قسمت وأخرج عمرو منها الخمس وكتب كتابًا بالفتح وما جمعه من الخمس واستدعى بالأمير هاشم بن المرقال رضي الله عنه وندب معه ثلاثين رجلًا من خيار الجند وأمره بالمسير إلى المدينة وأقام المسلمون بالمرج بعد الوقعة خمسة أيام حتى استراحوا ورجع من كان خلف المنهزمين ثم اجتمعوا إلى عمرو واستأذنوه في المسير إلى الوجه القبلي فأذن لهم وودعهم ودعا لهم وقال: يعز علي فراقكم ولو أن أمير المؤمنين لم يأمرني بالمسير ما فارقتكم ثم رجع معه ثلاثة آلاف ومائة وعشرون وكان جملة من قتل ثمانمائة وثمانين ختم الله لهم بالشهادة وقيل: ألف وقيل: تسعمائة وأربعون على اختلاف الرواة والله أعلم أي ذلك كان.
قال الراوي: ما أخذت في هذا الكتاب إلا على قاعدة الصدق والمعونة من الله تعالى فلما ملكت المسلمون البلاد وأذلت أهل الشرك والفساد وذلك ببركة الصحابة رضي الله عنهم فهم الرجال الأبطال والسادة الأخيار والمهاجرون والأنصار وأصحاب محمد المختار الذين فتحوا بسيوفهم الأمصار وأذلوا الكفار وأرضوا العزيز الغفار وباعوا نفوسهم لله الواحد القهار بجنات تجري من تحتها الأنهار.
قال الراوي: لما رجع المنهزمون إلى الملوك والبطارقة وأخبروهم بذلك وقع الرعب في قلوبهم وجاروا في نفوسهم ولم يدروا ما يدبرون وما يصنعون.
قال: فصعب على بطريق أهناس وعلى صاحب البهنسا ما صنع ببطارقتهما وعولوا على الحصار وجمعوا الآلة وصاروا يخرجون ما يحتاجون إليه وتيقنوا أن لا بد للحرب من أرضهم ووطنوا أنفسهم وكذلك بطارقة الصعيد وملوكه وضاقت نفوسهم مما حل بهم.
قال الراوي: ووصل الكتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففرح بذلك فرحًا شديدًا وقرأ الكتاب على علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا ثم قسمت الغنائم على أهل المدينة وقسم لنفسه كأحدهم رضي الله عنه وكتب جواب الكتاب ودفعه لهاشم وقال له: قل لعمرو يحث الصحابة ويحرضهم على فتح الصعيد.
قال الراوي: وأما عمرو بن العاص رضي الله عنه فإنه لم يرجع إلى مصر حتى قسم الغنائم بين الصحابة وفضل أصحاب الولاء وأهل السابقة ورجع إلى مصر بعد أن جهز العساكر إلى الصعيد.
قال الراوي: ولما فارق عمرو بن العاص خالد بن الوليد والأمراء رضي الله عنهم استشار بعضهم بعضًا أي مكان يقصدون.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق