116
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
روى جماعة من الصالحين أنهم قد جاوروا الجبانة المذكورة وكانوا من اض المشرق وجماعة من أكابر الصالحين من أرض المغرب من أقصى الأندلس وأنهم رأوا هذه الفضائل وبانت لهم فضائل وأنوار وشاهدوا ذلك عيانًا وروى أصحاب التاريخ رضي الله عنهم أن لم يكن بأرض مصر من البحيرة مشهد أكثر من أرض البهنسا وأن مجرى الحصى عند مقطع السيل من الجهة الغربية قتل هناك خلق كثير واستشهد بها أربعمائة رضي الله عنهم أجمعين وسنذكر ذلك عند الفتح إن شاء الله تعالى وأما فضائل البحر اليوسفي الذي المدينة على جانبه فهو أكثر عجائب منها أنه غزير البركة لأنه يفيض حتى يروي ما حوله من القرى والبلدان مع قليل من زيادة النيل.
ومنها أنه إذا زاد النيل شيئًا قليلًا يزاد فيه شيء كثير ومنها انه إذا انقطع عنه مدد النيل تفجرت من أصله عيون فصارت نهرًا جاريًا وهذا لا يوجد بغيره أبدًا من الأنهار ومنها أنه ينقسم بأرض الفيوم ماء يسير فيروي زراعات وأراضي شتى وضياعًا وهذا لا يوجد لغيره أبدًا ومنها أنه دفن فيها يوسف الصديق عليه السلام وأقام إلى زمن موسى عليه السلام فازداد بذلك بركة ومنها أنه شقه جبريل عليه السلام بخافقة من جناحه بأمر الله عز وجل للسيد يوسف عليه السلام وحسدهم العمالقة على ذلك وقد ذكرت الرواة أنه كان بين يوسف عليه السلام وبين صاحب مصر كلام بعد فراغ السنين المجدبة فإنه لما اجتمعت بنو إسرائيل عند يوسف عليه السلام وحسدهم العمالقة على ذلك وذكروا ذلك لملك مصر.
فقال ملك مصر: يا يوسف رد علي ملكي فاجتمع رأيهم على الفرقة والقسمة فقسمت الأرض - أي أرض مصر - فوقع الجانب الغربي ليوسف عليه السلام وكان قفرًا رمالًا وتلالًا فأراد أن يجري له نهرًا من النيل فجمع له مائة ألف عبد ودفع لهم المساحي والزنابيل وأمرهم أن يحفروا من الجهة القبلية عند فمه الآن فحفروا ثلاث سنين وقد أجرى لهم منة من خزائنه فكان كلما جاء الليل سد ما حفروه ففعل من الجهة الشرقية كذلك إلى سبع سنين حتى أعياه ذلك وقلق قلقًا شديدًا فأوحى الله إليه يا يوسف قد استعنت برجالك ومالك ولم يستعن بي وعزتي وجلالي لو استعنت بي لحفرته لك في أقل من طرفة عين فخر ساجدًا لله تعالى وهو يقول: سبحانك ما أعظم شأنك وأعز سلطانك ثم قام من سجوده ونزع أثوابه واغتسل ولبس المسوح وخرج إلي الربوة وخر ساجدًا متضرعًا إلى الله تعالى فأوحى الله إليه أن أرفع رأسك فقد قضيت حاجتك ثم أمر الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام فخرقه بخاطفه من جناحه وقال بعضهم بطرفة ريشة من جناحه من فمه من الجهة القبلية إلى آخر الفيوم في أقل من طرفة عين بقدرة الله تعالى فعمر يوسف عليه السلام قناطر وبنى مدينة الفيوم وقسم الأرض بينه وبين إخوته وبينه فكانت أرض البهنسا لأفراثيم بن يوسف فشرع في عمارتها وقطعت الأحجار وعمرت الأسوار والقناطر وكان النهر يجري من وسطها من الجهة القبلية ثم يخرج من الجهة البحرية إلى زمن الإسلام وسنذكر ذلك في الفتح إن شاء الله تعالى وكان لها من الأبراج والرساتيق ما لا يوصف وسكنا جماعة من بني إسرائيل واتخذوا دورًا ومساكن وذلك جميعه غربي مصر وأرض البهنسا إلى آخر الصعيد من الجهة الغربية كلها متخصة ببني إسرائيل لا يشاركهم فيها أحد غيرهم وجعل يوسف عليه السلام هؤلاء العبيد خولة فلاحين وزراعًا بأرض البهنسا والفيوم وغيرها وشرع عمارتها وغرست فيها الأشجار على جانب البحر اليوسفي من الجهة الشرقية والغربية وكانت المرأة تخرج بمكتلها ومغزلها في يدها والمكتل على رأسها فلا ترجع إلا وقد امتلأ من جميع الثمار من غير أن تمس شيئًا بيدها فلما عصت بنو إسرائيل وجحدوا نعمة الله عز وجل وعملوا المعاصي نزع الله تلك النعمة من أيديهم وأعطاهم لغيرهم فاحتووا على الملك دونهم بجحودهم نعمة الله وقتلهم أنبياء الله الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر حتى اتخذوهم أذلة بعد أن كانوا سادات واستعملوهم خولة وفعلة وبنائين وحجارين ونجارين واستخدموا نساءهم وأبناءهم ولم يزل بنو إسرائيل في أضيق عيش وأعظم بلاء وأشد كربة وأعظم بلية من تكليف ما لا يطيقون حتى أنقذهم الله عز وجل بمبعث موسى عليه السلام وليس هذا الكتاب مختصًا بذلك واحتووا على المدائن والمزارع والبساتين.
خروج عيسى عليه السلام من مصر وإقامته بأرض البهنس قال الله تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} [المؤمنون: 50] الآية وتقدم أنها البهنسا على اختلاف المفسرين.
قال أصحاب التواريخ وهم المسعودي وأبو جعفر الطبراني والواقدي وابن إسحق وابن هشام وأصحاب السير وأهل التفسير مثل سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وابن عباس ومن تكلم في هذا الكتاب العجيب الذي لو كتب بالذهب لكان قليلًا وقد جمع فيه كتب كثيرة وتواريخ وتفاسير وفتوحات.
قالوا: كان مولد عيسى لمضي اثنتين وأربعين سنة من هلوك الطوائف وكانت الرياسة بالشام ونواحيها لقيصر ملك الروم وهرقل كما تقدم في فتوح الشام وكان بالبهنسا قنطاريوس والله أعلم باسمه فلما سمع الملك هيردوس بخبر المسيح قصد قتله وذلك أنهم نظروا إلى نجمه وقد طلع فعرفوا ذاك بحساب لهم في كتاب لهم فبعث الله ملكًا إلى يوسف النجار وأخبره بما أراد هيرودس وأن يعلم مريم أن تخرج إلى أرض مصر فإنه إن ظفر بولدك قتل فإذا مات هيردوس فارجعي إلى بلادك فاحتمل يوسف مريم وابنها عيسى على حمار له حتى دخل مصر وورد أرض البهنسا وهي الربوة التي ذكرها الله في كتابه العزيز {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} [المؤمنون:50] وهناك بئر في المعبد يستشفون بمائها من الأمراض وهي التي كانت مريم وابنها يستقان منها ويتوضآن منها للصلاة وكان هناك سرب تحت الأرض قيل إن مريم لما دخلت بولدها أرض البهنسا وجدا بئرًا وليس عليها رشاء فطلب عيسى عليه السلام الماء ليشرب بعد أن عطش عطشًا شديدًا وبكى فحزنت أمه فارتفع الماء من قعر البئر حتى شرب منه وهي من ذلك اليوم تزيد ويعرف منها زيادة النيل فجعل النصارى لها عيدًا إلى يومنا هذا وهناك دير وزراعات والله اعلم ثم دخل على مدينة البهنسا وأقام بها اثنتي عشر سنة وأمه تغزل الكتان وتلتقط السنبل في أثر الحصادين حتى تم لعيسى المدة المذكورة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق