7
فتوح الشام ( للواقدي )
قال عبد الله بن عمر: وبينما أنا في الوقعة إذ نظرت من القوم بطريقًا عظيم الخلقة وهو كالحائر البليد وهو يركض يمينًا وشمالًا فقلت: إن يكن لهذا الجيش عين فهذا عين الجيش وصاحب الطلائع وهو مرعوب من الحرب.
فلما حملت عليه ومددت قناتي إليه نفر فرسه من الرمح فقربت منه وأوهمته أني أريد الانهزام ثم عطفت عليه وطعنته فوالله لقد خيل لي أني ضربت بسيفي حجرًا وسمعت طنين السيف حتى حسبت أن سيفي انفصل وإذا هو صريع ثم عطفت عليه وأخذت لامته.
فلما رأى المشركون صاحبهم مجندلًا داخلهم الفزع والهلع وصدمهم المسلمون في الضرب والقتال فلله در الضحاك والحارث بن هشام لقد قاتلًا قتالًا شديدًا ما عليه من مزيد فما كان غير قليل حتى انهزم الكفار من بين أيديهم هاربين.
قال: فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال.
وقال بعضهم لبعض: ما فعل الله بعبد الله بن عمر قال قائل منهم: الله خبير بحسن زهده وعبادته.
وقال آخرون: لقد أصبنا بابن عمر فما كان يساوي هذا الفتح شعرة من رأسه.
قال عبد الله بن عمر: وأنا مع ذلك أسمع كلامهم خلف الراية.
فأعلنت بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وهززت الراية.
فلما نظر المسلمون الراية سارعوا إلي وقالوا: أين كنت.
فقلت: اشتغلت بقتال صاحبهم فقالوا: أفلح والله وجهك فهذا والله فتح قد رزقنا الله إياه ببركتك.
قال عبد الله: وبوجوهكم ثم حازوا الأموال والغنائم والخيل وستمائة أسير وقتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص وحدثوه بما جرى ففرح وحمد الله تعالى ثم دعا بالأسرى واستنطق منهم بالعربية فما كان فيهم غير ثلاثة نفر من أنباط الشام فسألهم عن خبرهم وخبر أصحابهم فقالوا: يا معشر العرب إن هذا روبيس قد أقبل في مائة ألف فارس وقد أمره الملك أن لا يدع أحدًا من العرب يصل إيليا.
.
وإنه بعث بهذا البطريق طليعة وقد قتل وكأنكم به.
فقال عمرو: إن الله يقتله كما قتل صاحبكم ثم عرض عليهم الإسلام فما أحد منهم أسلم.
فقال عمرو للمسلمين: كأنكم بصاحبهم وقد أتى يأخذ ثأرهم وهؤلاء تركهم علينا بلاء ثم أمر بضرب أعناقهم وصاح بالمسلمين استعدوا فإني أظن أن القوم سائرون فإن أتوا إلينا فهم في شدة وقوة وسنلقي منهم تعبًا في القتال وإن سرنا إليهم نرجو من الله النصر والظفر بهم كما ظفرنا بغيرهم وما عودنا الله إلا خيرًا.
قال أبو الدرداء: وبتنا مكاننا.
فلما جاء الله بالصباح رحلنا فما بعدنا غير قليل حتى أشرقت علينا عشرة صلبان تحت كل صليب عشرة آلاف فارس.
فلما أشرف الجيش على الجيش أقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك وفي الميسرة سعيدًا وأقام على الساقة أبا الدرداء وثبت عمرو في القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن.
وقال لهم: اصبروا على قضاء الله وارغبوا في ثواب الله وجنته ثم إنه جعل يصفهم ويعبيهم تعبية الحرب ونظر روبيس بطريق الروم إلى عسكر المسلمين وقد صفهم عمرو بن العاص لا يخرج سنان عن سنان ولا عنان عن عنان ولا ركاب عن ركاب وهم كأنهم بنيان مرصوص وهم يقرأون القرآن.
والنور يلمع من نواصي خيولهم فشم منهم رائحة النصر وتبين عن نفسه الجزع وعلم أن كل من معه كذلك فوقف ينظر ما يكون من المسلمين وانكسرت حميته.
قال: وكان أول من برز من جيش المسلمين سعيد بن خالد رضي الله عنه وهو أخو عمرو بن العاص من أمه.
فلما برز نادى برفيع صوته: ابرزوا يا أهل الشرك ثم حمل على الميمنة فألجأها إلى الميسرة وحمل على الميسرة فألجأها إلى الميمنة وقتل رجالًا وجندل أبطالًا ثم اقتحم فيهم فشوشهم وزعزع جيشهم.
قال: فاجتمعوا عليه فقتلوه رحمة الله عليه.
قال: فحزن المسلمون على قتله حزنًا عظيمًا وأكثرهم عمرو بن العاص.
وقال: واسعيداه لقد اشترى نفسه من الله عز وجل.
ثم قال: يا فتيان من يحمل معي هذه الحملة حتى ننظر ما يكون من أمرها وأنظر حال سعيد.
قال: فأسرع بالإجابة ذو الكلاع الحميري وعكرمة بن أبي جهل والضحاك والحارث بن هشام ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
قال عبد الله: وكنا سبعين رجلًا وحملنا حتى دنونا من القوم وهم لا يفكرون من حملتنا لأنهم جبال من حديد.
قال الواقدي رحمه الله عليه: فلما رأى المسلمون ثبات الروم صاح بعضنا لبعض: ابعجوا دوابهم فما هلاكهم غير ذلك قال:
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق