81
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال: رأيته في نومي وحدثها بما كان كأنه كان حاضرًا فسجدت شكرًا لله فلما رفعت رأسها وثبت قائمة وحلتهم من وثاقهم ودفعت إليهم السلاح وأمرت ميتا أن يكرمهم وقالت له: أنا أدبر كيف تقبض على الوالي ونملك القلعة ثم أنها سارت إلى قلعتها وولت عليها من هي به مطمئنة الفكرة وأخرجت منها من تخشى جانبه واستوثقت منها وأما ميتا فإنه جعل الصحابة في البيعة في بيت المذبح وقال لهم: إذا كانت غداة غد وأتى الوالي وأصحابه إلى الصلاة فاخرجوا عليهم فإن الله ينصركم عليهم.
قال الراوي: فلما كان الصبح أقبل الوالي وخواصه ليصلوا وضربت النواقيس وأتى القس ليفتح باب المذبح ويقرب القربان فلما فتح الباب خرج عبد الله بن غسان وأصحابه الأربعون وكبروا تكبيرة واحدة ارتعدت لها القلعة وما فيها وبذلوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم واحتووا على القلعة وما فيها وسمع أهل الربض التكبير فعلموا أنهم قد ملكوا القلعة فولوا على وجوههم هاربين قال فلما سمعت مارية التكبير والصياح علمت أن قلعة أبيها قد ملكت فغلقت أبواب قلعتها وأرسلت من تثق به إلى عياض بن غنم وأخبرته بما جرى فشكر الله على ذلك ووصل أكثر المنهزمين إلى الملك شهرياض وأعلموه أن قلعة ماردين ملكها العرب فصعب عليه وأيقن بتلف ملكه ووقع الرعب في قلبه وقلوب عسكره وبلغ أرسوس الخبر أن قلعته ملكت وخزائنه أخذت فكتم أمره إلى الليل وأخذ من يثق بهم وسار يطلب حران فوصل إليها في الليلة الثانية فلما قرب من الباب قام إليهم الحرس فصاح بهم أصحابه وقالوا: افتحوا هذا البطريق رودس يعنون بطريقهم الأول وقد تخلص من العرب ففتحوا لهم فدخل أرسوس وملك المدينة وفشا الخبر في تلك البلاد أن أرسوس صاحب ماردين قد ملك حران بالحيلة فقصد إليه جميع من يطلب الديوان فصار عنده جيش عظيم.
فتوح الرها وحران
قال الراوي: وكان لرودس هذا صاحب حران المقبوض عليه ولد وكان قد قبض أبوه عليه لأنه خاف منه وكان شجاعًا اسمه أرجوك فقبض عليه وحبسه في العمق وكان له أم اسمها ست العسكر وهي صاحبة سميساط وكانت قد مضت إلى زيارة أهلها وهي غضبانة للقبض على ولدها فلما بلغها أن أرسوس ملك حران صعب عليها وركب من سميساط وجاءت العمق وخلت بولدها وأخبرته أن حران ملكها أرسوس فأخرجته وسلمت إليه الأموال وقالت: أنفق على الفرسان واجمع لك جيشًا وامض إلى هذا الرجل الذي فعل ما فعل قال فأنفق المال وأتت إليه الرجال وبقي في جيش عظيم وعبر الفرات وقصد حران وبلغ أرسوس الخبر فخرج إلى لقائه والتقى الجمعان وكان قد قدم أمام جيشه بطلًا من الأرمن اسمه أرجوك في ثلاثة آلاف فوقعت الهزيمة على الأرمني.
حدثنا عبد الله بن أسيد.
قال: حدثنا سالم بن ربيعة عن عدلان التميمي عن محمد بن عمر الواقدي.
قال: لما بلغت الأخبار إلى عياض بن غنم بمسير أرجوك الأرمني إلى أرسوس أحضر عياض رودس صاحب حران وأخبره بما انتهى إليه من خبر أرسوس وكيف ملك حران وأن ولده يريد أن يلقى أرسوس وإني قد عولت على قتلك إلا أن تدخل في ديننا فقال: إن أنت أطلقتني سلمت إليك ما تحت يدي من القلاع ولعلي أخلص حران لأن أهلها يحبونني لأني كنت فحسنًا في حقهم وأنا أقول إنهم إذا رأوني سلموا إلي البلد وأنا أسلمها إليكم على أن تعطيني السويداء ونصيبين الصغرى وأنا أعطيكم الجزية كل عام.
قال: فأجابه بلى ذلك وأمر عبد الله يوقنا أن يستحلفه فحلف وأجاب إلى ذلك فأطلقه وبعث معه يوقنا في جماعته ورد على رودس خيامه وثقله وجماعته وانسلوا من الليل من مرج رغبان طالبين حران فلما قربوا منها أرسلوا عيونهم فوجدوا العسكر نازلًا خارجًا منها وعسكر ولده بإزائه غير أنه قد أسر أرجوك وأخذ أرسوس وأن عسكره باق على حاله وقد بعث إليهم أرسوس رسولًا يدعوهم أن يكونوا من حزبه وينعم عليهم وأن ينزل بهم وبعسكره على الرها ليأخذها وتصير من تحت يده قالوا: حتى نرى لأنفسنا في ذلك.
قال الراوي: فلما قدم رودس ويوقنا ونظرا إلى العسكرين والنيران تتقد قال رودس ليوقنا: هذه النار القريبة لا شك أنها لعسكر ولدي فأرسل إليهم من يختبرهم فسار الرجل وعلم من هم وعاد فأخبره أن القوم معولون على أن يحلف لهم أرسوس وأن يكونوا جنده وقد تقرر الحال على أنه في غداة غد يخرج في مائة فارس من أصحابه إلى دير فرها بين الرها وحران ومن عسكر ولدك خمسون من أكابرهم ويتعاهدون هناك قال: فلما سمع يوقنا ذلك تهلل وجهه فرحًا وقال لرودس: أبشر فقد صار القوم في قبضتنا.
ثم مضوا يطلبون الدير وكمنوا بالقرب منه ثم إن يوقنا أرسل غلامًا له وكان نجيبًا قد رباه وكان اسمه شامس وكان لبيبًا فقال: يا شامس انطلق إلى صاحب الرها وهو كيلوك وقل له إن مقدمي صاحب أرجوك قد بعثني إليك لكي يكونوا من رجالك فإنك منهم وإليهم وأرسوس من الروم وإن رجالًا منا يأتون إلى دير فرها وأرسوس معهم حتى يحلف لهم ويحلفوا له ويريد منك أن تخرج في مائة وتكمن لنا بالقرب من الدير.
فإذا قدمنا فاخرج علينا قال: فانطلق شامس إلى أن قدم على صاحب الرها وحدثه بما ألقى إليه صاحبه يوقنا وكان من قضاء الله وقدره أن الحيلة التي دبرها يوقنا وبعث بها إلى صاحب الرها قد بعث بها أكابر جيش أرجوك فلما قدم شامس عليه من قبل يوقنا وحدثه بالحديث الذي ذكرنا تأكد عنده ذلك وخرج في أربعمائة من قومه في أكمل سلاح وساروا طالبين دير فرها قال وكان يوقنا قد كمن بالقرب منهم واختلس شامس وأتى إلى يوقنا وأخبره بأنهم كامنون في المكان الفلاني وهم منكم قريب قال وأما ما كان من أمر أرسوس فإنه لما أرسل رسوله إلى الأرمن من عسكر أرجوك أتى رودس وقال لهم إنه يحلفه لهم ويحلفون أنهم لا يخامرون عليه ووقع الاتفاق على أن يكون الحلف في دير فرها فسما كان آخر الليل مضوا وهم متباعدون من بعضهم خوفًا من الغدر وكان خاطرهم طيبًا بصاحب الرها بما قرروا عنده.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق