80
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال فاطلع عليهم من القبة وقال: يا معاشر النصرانية ما زالت النعم عليكم ظاهرة وباطنة مطمئنين في البلاد وقد ذلت لكم رقاب العباد ونصركم المسيح على سائر الأمم ورد عنكم سائر الغمم ومهد لكم الأرض في الطول والعرض إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتردون المظالم إلى أهلها وتحكمون بالحق وتتبعون شريعتكم وتزجرون أنفسكم عن أكل الحرام واتباع الزنا فلما غيرتم غير بكم وفي إنجيل يحيى وإنجيل مرقص مكتوب: من اتبع سنن الحق وعود لسانه طريق الصدق وفعل بأوامر ربه وألزم نفسه بما يعنيه ولم يبخس الناس أشياءهم وداوم على صلاته وعمل بأوامر شريعته ولم يتبع هواه بلغه زهده ما تمناه ومن جار وبغى وظلم وتجبر وحاد عن طريق الحق كان فناؤه عاجلًا ولنفسه بيده قاتلًا وخربت داره ونفد ادخاره وكان الخوف شعاره والجحيم دثاره وفي التوراة مكتوب: لا تظلموا إنه لا يحب الظالمين.
وقد بلغني أن في القرآن مكتوبا {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} [يونس: 81] فأصلحوا ذات بينكم واجعلوا تقوى الله نصب عيونكم وقاتلوا عن أهلكم وحريمكم واتبعوا شريعة نبيكم وأخرجوا إلى جهاد عدوكم فإن الجهاد اليوم أفضل من جميع العبادات المأمور بها فإنه من جاهد أعداءه كانت الجنة مأواه ألا وإني نازل من صومعتي هذه فلا يتخفف أحد منكم ثم إنه أرسل سلمه ونزل فلما رأوه وقد نزل أقبلوا عليه بالسلام وقتلوا يديه ورجليه فأتى بهم إلى كنيسة دمائر وكنيسة باذا فصلى بهم ودعا ثم أمرهم بالجهاد وقصد دير ملوخ هو قبله من دار عبديدان الروم وكان فيه راهب فناداه باسمه وقال له: ليس هذا وقت العبادة فأنزله من صومعته وسار إلى نصيبين فخرج إلى لقائه الملك قرقياقس فترتجل إليه وصافحه وسار بين يديه إلى البيعة وزار دير يعقوب وهرع إليه أهل نصيبين فوعظهم وأمرهم بالجهاد وقصد رأس العين وبلغ خبره لأرسوس بن جارس فلما أسر عبد الله بن غسان ومن معه بعثهم مع الراهب ميتا بن عبد المسيح ولقيته مارية في الطريق كما ذكرنا وأمرته بأن يسير بهم إلى قلعتها فلما أبعد عنها لقي أباها في عسكره فسأله عما هو فيه فأخبره أن الملك شهرياض أرسله بهؤلاء الأسرى.
فقال له: من أنت.
قال: ميتا بن عبد المسيح فلما سمع أرسوس قوله فرح به وقال: وحق ديني لي زمان أرقبك ولست أستغني عن رأيك ولكن انطلق بهؤلاء إلى قلعتي وتول أنت حفظهم حتى يأتيك أمري وخذ خاتمي هذا.
فانطلق وأوصلهم إلى القلعة ووضعهم في الاعتقال وتولى حفظهم بنفسه وجعل ينظر إلى حسن عبادتهم وجودة تلاوتهم فأقبل عليهم وقال لهم: أخبروني كم فرض عليكم في اليوم والليلة.
فقال عبد الله بن غسان: خمس صلوات فمن أتى بها بركوعها وسجودها على الكمال لا يرد على النار قال الله تعالى في كتابه: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } [البقرة: 238]. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (الصلاة صلة ما بين العبد وربه فيها إجابة الدعاء وقبول الأعمال وبركة الرزق وراحة الأبدان وستر بينه وبين النار وثقل في الميزان وجواز على الصراط ومفتاح الجنة). وهذه الصلاة فرضت على جميع الأمم فلم يؤذوها وقصروا فيها حتى فرضها الله علينا فأديناها والصلاة جامعة لجميع الطاعات فمن جملتها الجهاد وإن المصلي مجاهد عدوين نفسه والشيطان وفي الصلاة الصوم فإن المصلي لا يأكل ولا يشرب وزادت على الصيام التمسك بمناجاة ربه وفي الصلاة الحج وهو القصد إلى بيت الله الحرام والمصلي قصد رب البيت وزاد على الحج بقربه من ملكوت ربه قال الله تعالى: {واسجد واقترب} [العلق: 19]. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (جميع المفترضات افترضها الله في الأرض إلا الصلاة فإن الله افترضها في السماء وأنا بين يديه). وقال: يا محمد هذه الصلاة افترضتها على جميع الأنبياء وأما أمتك فقد سلمتها إليهم وجعلت جميع الطاعات كلها فيها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل وقال لي: يا محمد قم فاصنع مثل ما أصنع فتقدم وصلى ركعتين وقال لي: يا محمد هذه صلاة الصبح وهي أول صلاة صلاها ولذلك سماها الأولى ثم صلى به مرة أخرى إذ صار ظل كل شيء مثله وقال له: هذه صلاة الظهر ثم صلى العصر أول وقتها وقال: هذه صلاة العصر ثم صلى به مرة أخرى إذ صارت الشمس مصفرة ثم صلى والشمس قد غربت وقال: هذه المغرب ثم صلى به عند مغيب الشفق وقال: هذه عشاء الآخرة ثم صلى المرة الخامسة والفجر قد طلع وقال: هذه صلاة الصبح.
وقال نبينا: فرضت الصلاة مثنى مثنى فزيدت في الحضر وتركت صلاة السفر على حالها).
فقال ميتا لعبد الله بن غسان: يا أخا العرب فما معنى رفع أيديكم في الصلاة للتكبير.
فقال: ألا ترى أن الغريق لما يجد شيئًا يتعلق به لينجو من الغرق وكذلك العبد في الصلاة فهو غريق في بحار الخطايا والمعصية يرفع يديه ويقول: يا رباه خذ بيدي فإني غريق في بحار الخطايا والمعصية هارب منك إليك وأما معنى القراءة في الصلاة فهو عتاب بين العبد وربه وأما الركوع فمعناه أنا عبدك وقد مددت يميني إليك وأما الرفع من الركوع وقول العبد: ربنا لك الحمد يعني على عتق رقبتي من الذنوب يقول الله تعالى بقول العبد أنا عبدك قد أعتقتك من الذنوب وأما معنى السجدة الأولى ووضع الجبهة على الأرض كأنه يقول: منها خلقتني والرفع منها: أخرجتني والسجدة الثانية: وفيها تعيدني والرفعة الأخرى: ومنها تخرجني تارة أخرى وأما معنى السلام على اليمين: اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني كتابي بشمالي ولما حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته قال: (من حافظ على الصلوات الخمس كانت كمثل نهر عذب يغتسل فيه أحدكم كل يوم خمس مرات فهل يبقى من درنه شيء فكذلك الصلوات الخمس لا تبقي على العبد خطيئة).
فلما سمع الراهب ميتا كلام عبد الله قال: أشهد أنكم على الحق وأن دينكم حق وقولكم صدق ثم أسلم وبعده بقليل وصلت مارية لما علمت أن الصحابة في قلعة أبيها فلما صارت في أعلى القلعة ونزلت في دار أبيها باتت على قلق بسبب الصحابة فلما كان قد دخل عليها ميتا وسلم عليها.
فقالت له: يا ميتا ما الذي صنعت بالعرب.
قال: استوثقت منهم حتى يرى الملك فيهم رأيه.
فقالت: والله ما قصرت ولكن اجعلهم معنا في البيعة حتى يروا حسن عبادتنا وقراءتنا الإنجيل فلعلهم أن يدخلوا في ديننا.
فقال: السمع والطاعة ثم إنه نقلهم إلى البيعة فلما كان الليل أتت البيعة فرأت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في القيود ولم يكن هناك سوى ميتا فقالت له: يا ميتا أنت من علماء ديننا وما يخفى عليك الحق اطلعت على دين هؤلاء القوم فالحق معنا أو معهم.
فقال: أيتها الملكة ليس على الحق من غطاء الحق مع هؤلاء العرب والذي قد جئتني به فانجزيه من قبل أن تطلبيه فلا تقدري عليه وقد رأيت بيان بينك وبين ولدك عمودا قال فلما سمعت كلام ميتا بقيت باهتة فيه فقالت له: ومن أين لك هذا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق