إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

79 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


79

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فقالت له مارية‏:‏ يا أبت وحق المسيح لقد قلت الحق وتكلمت بالصدق فما عندك من الرأي قال لها‏:‏ وما عندك أنت قالت‏:‏ أريد أن أتنكر وأدخل إلى عسكر المسلمين وآتي أميرهم وأقول له إني قد أتيت أسلم على يديك لرؤيا رأيتها وهو أني رأيت المسيح في النوم ومعه الحواريون وكأني أشكو للمسيح ما نزل بنا منكم وكأنه يقول لي أسلمي فإن القوم على الحق وقد جئتكم لأسلم وأملككم قلعة أبي وتتركوني أنا في قلعتي فإذا قال أميرهم‏:‏ كيف تملكيننا قلعة أبيك وهي أمنع الحصون وأحصن القلاع فأقول له‏:‏ يرسل معي من فرسانهم مائة فارس من صناديدهم وأدخلهم في قلعتي وأجعلهم في صناديق وأرسلهم إلى قلعة أبي وأسير معهم إلى والي قلعة أبي وأقول هذه الصناديق قيها أموالي وأريد أن أجعلها في خزانة أبي فإذا حصل القوم عندي رميتهم في المطامير وأقول لهم لست أدعكم حتى ترسلوا إلى أميركم يرسل إلي بعلي‏.‏
فقال لها أبوها‏:‏ إنك تريدين أن تلقي نفسك في الهلاك وإن العرب لا تتم عليهم الحيل لأنهم هم أربابها‏.‏
قالت‏:‏ وإن طلبوا مني رهائن فإذا وقع الفداء بأصحابهم طلبت الرهائن مع بعلي‏.‏
فقال لها‏:‏ دبري ما تريدين فلعل أن يكون فيه المصلحة‏.‏
قال فنزلت في الليل وقصدت مرج رغبان ومعها خادم وأربعة مماليك يسوقون بغلتها وعليها من الهدايا والتحف والطرف‏.‏
قال فلما وصلت إلى تنيس التقت بغلمان أبيها وحاجبه ومعهم أربعون أسيرًا من العرب‏:‏ منهم عبد الله بن غسان وأمثاله‏.‏
قال وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم لما ارتحل يطلب رأس العين مع هؤلاء الساعة الذين مع عبد الله بن غسان بحسب العادة في سيرهم إلى حران وسروج والرها ليأتوا بالطعام والميرة للعسكر فساروا فلما توسطوا البلاد لقيهم السائس ابن نقولا وجرجيس بن شمعون وقد أقبل بميرة عظيمة لعسكر الملك شهرياض ومعهم ثلاثة آلاف غائصون في الحديد فلما رأوا قلة المسلمين طمعوا فيهم فأقبلوا وأطبقوا عليهم من كل جانب فأخذوهم قبضًا بالكف وأحضروهم بين يدي الملك شهرياض فهم بقتلهم‏.‏
فقال له وزيره‏:‏ أيها الملك ليس هذا برأي لأن ولدك عمودا في يد العدو ورودس صاحب حران وتوتا صاحب الحجاب فإن أنت قتلتهم قتلوا أصحابك وولدك والصواب أنك ترسلهم إلى قلعة ماردين‏:‏ يعني قلعة المرأة وتسلمهم إلى الملكة مارية ويكونون عندها فإذا طلبتهم العرب تقول لهم إنهم بقلعة ماردين وليس هم في أسرنا ونحن لا نبالي بمن هم عندهم فيكون أعظم لحرمتك وهيبتك فاستصوب رأيه وأرسلهم إلى مارية مع صاحب أبيها فالتقت بهم على تنيس كما ذكرنا فأمرت الحاجب أن يوصلهم إلى قلعتها ففعل ثم إنها سارت حتى أتت إلى عسكر المسلمين في حندس الليل فكان يطوف في العسكر سهل بن عدي ونجيبة بن سعد في جماعة فلما رأوها أتوا إليها وسألوها عن حالها‏.‏
فقالت‏:‏ أريد أميركم فأتوا بها إلى عياض بن غنم‏.‏
فلما وقفت بين يديه قدمت له الهدايا وهمت أن تسجد له فنهاها وقال‏:‏ إن الله قد أعزنا بالإسلام وأنقذنا من الضلال بمحمد صلى الله عليه وسلم فأزال عن قلوبنا الغل والحسد واتباع الهوى وشرفنا بالتحية ونزهنا أن يسجد بعضنا لبعض وما يرغب في ذلك إلا الجبابرة من ملوك الأرض وإن الله يقول‏:‏ العظمة ردائي والكبرياء إزاري فمن نازعني فيها قصدته ولا أبالي ومارية تفهم ما يقوله فلما انتهى قالت‏:‏ أيها الملك إن الله بهذا نصركم علينا‏.‏
قال لها‏:‏ فمن أنت‏.‏
قالت‏:‏ أنا مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين وإن الذي بأيديكم أسيرًا هو بعلي ولا صبر عليه وهو عمودا فلما كثرت فكرتي فيه واشتد شوقي إليه رأيت المسيح في نومي والحواريين وقد أمرني باتباعكم وقد أتيت إليكم بهذه النية بأن أتبع دينكم وأسلم لكم القلعتين قلعتي وقلعة أبي على شرط أن تبقوني في قلعتي ولا تغيروا من أمري شيئًا وأقيم أنا وبعلي فيها وأكون الحاكمة على أهل بلدي‏.‏
قال فتبسم عياض من قولها وقال‏:‏ يا مارية أما إنك ما أتيت إلينا إلا لتنصبين علينا بسبب بعلك وكيف يكون هذا بعلك وهو ولدك وحديثه كذا وكذا‏.‏
قال فلما سمعت الجارية الحديث من عياض بن غنم امتقع لونها وتغير كونها وقالت له‏:‏ يا سيدي ومن أين لك هذا وأن عمودا ولدي وهو ولد الملك شهرياض‏.‏
قال لها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة وحدثني بذلك كله‏.‏
فقالت‏:‏ إني أريد أن أراه فإن كان ولدي فإن لي فيه علامة فأمر عياض بن غنم بحضوره فأتى به سعيد بن زيد فلما نظرت إليه ووقعت عينها عليه ورأت الشامة التي على خذه وزيادة أذنه ورأت عصابتها وما فيها من الجواهر صاحت صيحة عظيمة أذهلت من حضر وترامت عليه والتزمته وقالت‏:‏ لا شك ولدي وقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم في قوله‏.‏
قال ونظر الغلام إلى أمه فتحرك الدم في بدنه فغشي عليه من البكاء فلما أفاق بكى بكاء شديدًا هو وأمه فلما سكتا قال لهما عياض‏:‏ قد وجب عليكما أن توحدا الله شكرًا على ما أنعم عليكما فإنه يزيد الشاكرين ورحمته قريب من المحسنين ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ليس له حد ولا قبل ولا بعد هو الأول وعليه المعول وهو الأخر وله المفاخر‏.‏
قال فلما سمع عمودا ما قاله عياض قال‏:‏ والله ما في قولك زور ولا محال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله‏.‏
قال فلما نظرت مارية أمه إليه وقد أسلم وافقته في الحال وعرجت عن طريق المحال وشهدت لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة‏.‏
فقال عياض بن غنم ومن حضر من المسلمين‏:‏ تقبل الله منكما إسلامكما ووفقكما واعلما أن الله قد طهر قلوبكما وغفر ذنوبكما فاستأنفا العمل ولكن كيف السبيل إلى هذه القلعة المنيعة‏.‏
فقالت‏:‏ أبشر فإن أصحابكم أسروا عند حران وقد وجههم شهرياض إلي لأفدي بهم منكم هذا الغلام عمودا وقد سيرتهم إلى قلعتي وها أنا أسير إليهم وأحصلهم في قلعة أبي وأفك أسرهم وأملك بهم القلعة إن شاء الله تعالى‏.‏
فقال لها عياض‏:‏ لقد وفقك الله في كل حال وصرف وجهك عن المحال ولقد صعب علي أسر أصحابي ولكن قد طاب قلبي بما قلت من الصواب فدعي ولدك عندنا وارجعي إلى أبيك فإذا رأيتيه فقولي له‏:‏ قد تفت حيلتك علينا فإذا حصلت عند أصحابنا فافعلي ما فيه الصلاح‏.‏
فقالت‏:‏ السمع والطاعة ثم ودعت زوجها أي ولدها والمسلمين وسارت من ليلتها إلى ماردين فوجدت أباها قد نزل إلى خدمة الملك إلى مرج رغبان ووجدت الحاجب الذي كانت معه الأسرى قد أوصلهم إلى قلعة أبيها وتركهم تحت قبضته وكان هذا الحاجب من عقلاء الناس ممن قرأ التوراة والإنجيل والزبور وكان راهبًا في مبدأ أمره وكانت له صومعة على عمود رخام قائم طويل وصنع على رأس العمود قائمة عظيمة وعقد عليها قبة وكان يصعد إليها بسلم أبريسم معلق بأعلى القبة وله سكتان في الأرض فإذا حصل في القبة انتزع السكتين وأخذ السلم إليه‏.‏
فشاع خبره ونما ذكره بالعبادة والرهبانية فلما توجه إلى بلادهم وفتحت الخابور صلحًا اجتمع حول ذلك العمود أمم وقالوا‏:‏ يا أبانا ما الذي تشير به علينا فإن العرب قد توجهت إلينا وقد فتحوا الشام وأكثر العراق وحصلوا في أرضنا فما الذي نصنع‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق