إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

82 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


82

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

ثم إنه قبل خروجهم أعلموا ألفًا من شجعانهم بأن ينسلوا من العسكر في خفية وأن يلحقوهم ليكونوا عونًا لصاحب الرها وقالوا لهم‏:‏ لا تتكلموا دون أن تروا صاحب الرها قد خرج عليه بكمينه‏.‏
فإذا خرجتم فازعقوا بشارة كأنكم من أصحابه حتى يطمئن إليكم فلعل أن تقبضوا عليه حتى يخلص أميرنا أرجوك قال فانسلوا من أول الليل ولم يعلم بهم أحد‏.‏
قال الراوي‏:‏ ولما أشرف أرسوس على الدير إذا به قد خرج عليه مائتا فارس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المقدم عليهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم لما بعث رودس ويوقنا معه وأصحابه ساء ظنه من جانب رودس وقال‏:‏ لقد فرطت وأذهبنا ولي الله مع عدو الله‏.‏
قال خالد‏:‏ أيها الأمير لا تشغل سرك من قبل رودس فإن ملوك الروم إذا قالت وقت ويرون العار في أن يقول أحدهم قولًا ولا يفي به فقال‏:‏ يا أبا سليمان إنه لا ينبغي لنا أن نغفل عن صاحبنا ومن معه‏.‏
ثم إنه أرسل عمرو بن معد يكرب الزبيدي في مائتي فارس وساروا طالبين حران فلقوا في طريقهم أرسوس وهو خارج إلى الدير فقبضوا عليه وعلى من كان معه وأما يوقنا فإنه قبض على كيلوك صاحب الرها وكمن إلى الليل وتوجه إلى الرها فلما قربوا منها وقد لبسوا الثياب التي كانت على صاحب الرها وألبس جماعته ثياب جماعة صاحب الرها فلما قربوا منها وكانوا قد أوقدوا لهم مشاعل فتحوا لهم الباب فدخلوا فلما حصلوا داخلها رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين فما جسر أحد من العوام أن يتكلم واحتوى يوقنا على ما كان فيها من ذخائر وتحف وخزائن كيلوك وأمواله وترك عليها من يثق به بعدما قبض على من يخافه من رؤسائها وأكابرها وكان قد استأمنه ابن عم كيلوك فأمنه فدله على جميع ما كان لكيلوك‏.‏
ثم أخذه أمامه وساروا طالبين حران فوجدوا رودس قد فتحها وذلك أنه لما قبض عمرو بن معد يكرب على أرسوس سار رودس ومعه بقية عسكر المسلمين حتى وصل إلى حران ونادى الناس الذين على السور فلما عرفوه فتحوا له الباب وصقعوا وساروا معه إلى دار إمارته فملكها وأتى له عظماء البلد وهنئوه بالسلامة فقام فيهم خطيبًا وقال لهم‏:‏ اعلموا أن الله تعالى أنقذني وأنجاني وقد جرى من حديثي كذا وكذا وأني عاهدت أمير القوم أن أسلم إليهم هذه المدينة ويوليني على نصيبين الصغرى والسوداء وحلفت له على ذلك وأني سوف أوفي بعهدي وأشهدكم أن كل دين يخالف دين الإسلام فهو باطل وأنا أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمدًا رسول الله‏.‏
قال فلما سمع أهل حران ذلك قالوا‏:‏ لقد أراد الله بك خيرًا ونحن نوافقك على إسلامك فأسلموا إلا قليلًا منهم‏.‏
فتوح قلعة رأس العين قال الراوي‏:‏ حدثنا ربيعة بن هيثم عن عبد الله التنوخي عن عبدان بن عطية قال‏:‏ ما أسلم من أهل الجزيرة إلا حران فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخلوا في الإسلام قالوا‏:‏ اللهم ثبتهم على دينك ولا تمكن من بلدهم عدوًا وأعادوا الكنائس مساجدًا وجوامع وسلموا الصحابة ما حول حران والرها تسليمًا وأتى يوقنا من الرها إلى حران واجتمع بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاورهم في أمر الرها وكيف يكون حكمها فقال سعيد بن زيد‏:‏ إنك قد أخذت هذا البلد بحيلتك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الحرب خدعة‏)‏ وقد صار كل من فيها عبيدًا للمسلمين هم وأموالهم‏.‏
فقال يوقنا‏:‏ أنتم تعلمون أن أكثر الجزيرة ما ملكتموه وثم إلى الآن حصون وموانع والصواب أن تصنعوا جميلًا وخيرًا يعلو به ذكركم ويرتفع به فخركم فقال له سعيد‏:‏ إذا كان الأمر على ما ذكرته فاتركوهم على حالهم حتى نرى ما يرى فيهم الأمير عياض بن غنم‏.‏
قال ففعلوا ذلك ثم إن الأخبار اتصلت بالملك شهرياض أن حران والرها وسروج والسخن وأكساس والعمق قد صارت كلها للعرب فأيقن بزوال ملكه فدخل إلى رأس العين هو ومن يثق به وصلوا في بيعة نسطوريًا وهي الجامع اليوم فلما فرغوا من صلاتهم قال‏:‏ يا معاشر الروم اعلموا أن العرب قد شاركونا في بلادنا وقد صار لهم معاقل يجتمعون فيها وتقوم بأودهم ويصل إليهم منها الميرة والعلوفة وتجيئهم منها الأموال والخابور وفيها كلها حكمهم وما بقي بيننا وبينهم إلا هذا المصف‏.‏
فإن كان لنا فلا مقام للعرب بيننا وإن كان للعرب فالبلاد لهم من دوننا وقد رأيت رأيًا فيه السداد‏.‏
فقالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ أرى أن أماطلهم بالمصف ونكتب للملكين المعظمين شقر وزعفرة فلعلهما ينجدوننا بعسكرهما ونكاتب الملك حرفتاس بن فارس ونكاتب الملك الأنطاق صاحب نينوى وبلادها وإلى الحبرا بن صاحب الهكارية‏.‏
فإذا أرسلوا إلينا عسكرهم نستعين بالمسيح ونلقى المسلمين والله يعطي نصره لمن شاء فقالوا‏:‏ هذا رأي جيد فكتب الكتب وأرسل الرسل إلى الملوك المذكورة وعاد إلى عسكره‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وما منع عياض بن غنم عن حرب القوم إلا أنه رأى أن البلاد تفتح لأصحابه بدون قتال فلم يستعجل لأنه قوي ظهره بالبلاد التي فتحت وأيضًا أنه كتب إلى عبيدة بن الجراح يطلب منه خبرًا يأتيه قال ووصلت كتب الملك شهرياض إلى أصحاب الأقاليم فما منهم إلا من عين عسكرًا لنصرته‏.‏
قال ووصل مكتوبه إلى صاحب أخلاط وكان له بنت ذات جمال فائق وكانت من الشجاعة على جانب عظيم وكان اسمها طاريون وكان مستقرها بجبل سموه باسمها وكان كل من خطبها لا ترضى به إلا أن تلقاه في الميدان فإن قهرها كانت له زوجة‏.‏
قال وإنها غلبت جميع خطابها وكان مهن جملة من خطبها غلام اسمه سوسى بن سلنطور صاحب جبل السناسنة وكان قد قدم إلى أخلاط بهدية من أبيه إلى أبيها فقالت هي‏:‏ على شرط معروف فبارزته في الميدان فقهرته وجرت ناصيته ومرت الأيام والليالي فلما بعث الملك شهرياض يستنجد الملوك وأرسل إلى صاحب أخلاط أرسل إليه أربعة آلاف فارس وأمر عليهم ابنته طاريون وقال لها‏:‏ أي بنية قد قدمتك على الجيش وأريد منك أن تظهري على العرب ما كنت تظهرين به على الفرسان حتى تشكري عند أمة المسيح‏.‏
قال وأرسل معها ملك السناسنة نجدة وهم ألف رجل وكان المقدم عليهم ولده فسار في صحبتها وكان الغلام قد كمل شأنه وحسن كماله وابتدر هلاله ولم يكن أحد في زمانه يوصف بجماله فلما نظرت طاريون إلى حسنه وجماله نظرته بعين المحبة فوقع قلبها في شبكة عشقه فسيرت رجالها مع رجاله‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وأحسن ما رأيت في هذه الفتوح أنه كان لهذه الجارية ابن عم اسمه برغون وكان يحبها ولا يستطيع أن يسمع بذكرها وكان من أهل الشجاعة والشدة وكان تحت يده من المعاقل حيزان والمعدن وأبزون وقف وأنطر وأيدليس وآرزن وأنه سار ينجد شهرياض في ثلاثة آلاف فلما عبر جيش ابنة عمه طاريون بيدليس اهتم لها وأكرمها وأهدى لها الهدايا والتحف وسار معها إلى أن عبروا حصن كيفا وأخذوا طريقهم على الموزر ونزلوا على حصن يعرف بالهتاج على طريق النهر وكان لابن عمها عيون يطلعونه على أخبارها‏.‏
قال فلما نزلت على النهر أرسلت إلى الغلام سوسى الذي تحبه وهي تقول له‏:‏ اعلم أن المحبة الصادقة لا تكون إلا بعد العداوة المفرطة وقد ندمت على ما فات وما كان مني إليك وقد رأيت أنك بعد رجوعنا من قتال العدو ترسل إلى أبي وتطلبني منه ولكن أريد منك أن تصل إلي ليلًا وفي خفية من ابن عمي يرغون حتى تحلف لي أنك ترسل إلى أبي وتطلبني منه وأحلف لك أني لا أريد سواك وبعثت له بهدايا مع بعض خدمها وأرسلت معه شيئًا من الحلوى وأرسلت مثل ذلك لابن عمها ولكل أمير صحبها حتى لا ينكر عليها‏.‏
قال وإن ذلك الخادم قد علم بما جرى وكان هذا الخادم قد ربى ابن عمها على كتفه وكان يحبه محبة شديدة فأعلمه بما وقع من حديثها مع الغلام سوسى بن سلنطور وهي تريد أن تجتمع به الليلة حتى تحلف له أنها ما تريد غيره‏.‏
قال فكتم يرغون أمره فلما جن الليل طلب عظماء جيشه وقال لهم‏:‏ اعلموا أني ما وليت عليكم إلا وقد علم المسيح أن عقلي أوفر من عقلكم‏.‏
قالوا‏:‏ أيها الصاحب أعلمنا بما تريد حتى نقبل قولك ونطيع أمرك‏.‏
قال‏:‏ يا قوم اعلموا أننا سائرون على غزة وعن قليل ترون الخيل تنوشنا والرماح تحوشنا قالوا‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ لأن العرب لا تنام ولا ترام وقد عاد النصر إليهم واعلموا أن الملك شهرياض ليس بأعظم همة ولا أكثر جنودًا من هرقل ولا من ملوك الأرض وقد ملكت العرب دولتهم وأخذوا معاقلهم وأذلوا ملوكهم وأنا أعلم أن شهرياض لا ثبات له مع العرب يوم المصف وقد ملكت بلاده وهي‏:‏ حران والرها وسروج والبيرت والخابور وقد أخذوا ماردين وقلعة ماردين يعني قلعة المرأة وأخذوا أرسوس وابنته مارية وكأنكم بالعرب قد ملكت ديار شهرياض وعادت إليكم وملكت دياركم وسبت حريمكم واعلموا أن الحق مع العرب وأنهم إذا قالوا قولًا وفوا به ومن أسلم إليهم أمن على نفسه وأهله وماله سواء رجع إلى دينهم أو أقام على دينه واعلموا أن بقلبي النار من هذه الجارية طاريون وقد أرسلت إليها لتكون لي أهلًا وأكون لها بعلًا فأبت ذلك وهي تحب ابن ملك الغساسنة فإن تزوجت به وصاروا يدا واحدة أخذوا معاقلنا وملكوا حصوننا ولا يكون لنا معهم مقام وقد رأيت أنني في هذه الليلة أقبض عليها ثم إنه أخبرهم بما حدثه به الخادم‏.‏
قالوا‏:‏ أيها الملك إذا أخذتها فأي أرض تؤويك وأي حصن يحميك‏.‏
قال‏:‏ نقصد إلى عسكر العرب ونأخذ لنا منهم أمانًا‏.‏
قالوا‏:‏ إذا كنت عولت على ذلك فاعزم‏.‏
قال‏:‏ فخذوا على أنفسكم وتأهبوا للرحيل ففعلوا‏.‏

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق