91
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فتوح ميافارقين وآمد
وكان بآمد أخوان شديدًا البأس اسم أحدهما بطرس والآخر يوحنا.
.
.
وكان بطرس في شرقي البلد ويوحنا في غربيها وكان ليوحنا بنت اسمها رغوة ولبطرس بنت اسمها صفورا وكل واحد مشغول بما هو فيه ويوحنا أراد أن يتزوج فأرسل إلى صاحب دارا وهو مرطاوس فزوجه لبنته مريم وحملت من بلد أبيها إليه وكانت صاحبة حيلة ومكر فلما حصلت بآمد نظرت إلى المدينة وكثرة مالها ونعمها وتحصن أهلها وسورها وغزارة بساتينها.
فقالت لدايتها في السر يا دايتي: ما رأيت أحسن من هذه المدينة ولا أحصن منها ولا أمنع ألا ترين إلى الأعين المخترقة في وسطها وإلى الجبال التي قد دارت بها تعني سورها الأسود فمن بناها على الحقيقة قالت لها: اعلمي أنه قد ملك بلاد الروم أجمع من أول بلاد اليونان إلى بلاد عمورية ملك يقال له طيماوس بن أرسالوس بن ميهاط بن مكلاوكن بن الأصفر بن العيص بن إسحق وكان أول من بنى بيت الحكمة في بلده رومية الكبرى وكان قد فتحت له المطالب ونشر في الأرض العجائب وأنه حدثته نفسه بملك الأرض لكثرة المال فانتهى إلى سويقة وكان له ولد اسمه إسطنبول فقال لأبيه طيماوس: أريد أن أبني لي ههنا مدينة أذكر بها.
قال: يا بني افعل وأمده بالمال والرجال فأدار سورا على ستة فراسخ وسماها باسمه وعاش أربع سنين ومات وخلف ولذا اسمه قسطنطين فأتم بناءها فسميت باسمين إسطنبول باسم أبيه والقسطنطينية باسم ابنه وأما أبوه فإنه صار يفتح البلاد حتى وصل إلى ههنا فرأى هذه الأعين والدجلة فاستحسن المكان فطلب أرباب دولته وكانوا اثنين وسبعين ملكًا وقال: قد اخترت أن أبني فهنا مدينة لا يكون على وجه الأرض مثلها ولا أحسن منها ولا أمنع وأريد أن كل واحد منكم يبني لنفسه مدينة وبرجا فقالوا جميعًا: نفعل أيها الملك فركبوا واختطوا المدينة وشرعوا في بنائها وأتوا بالصناع من أقصى البلاد واختص كل ملك بمدينة وبرج وحمام وكنيسة فلما أتموا بناءها مات الملك فسميت آمد لانقضاء أمده بها وما زال الملوك يتوارثونها إلى أن انتهت إلى هذين الأخوين بطرس وبوحنا قال: فتعجبت مريم من قول دايتها وكتمت الأمر وكان لبطرس ولد اسمه لاون فطلب من أخيه ابنته صفورا لولده وقال له: زوج ابنتك لولدي حتى أزوج ابنتي لولدك.
فامتنع ووقع الشر بينهما حتى كان في وسط البلد سور وأبواب فأغلقت وصار كل واحد منهما مشغولًا بناحيته فلما رأت مريم ذلك دخلت بينهم بالصلح وقالت: هذا لا يجوز وأنتما أخوان ويطمع فيكما ملوك ديار بكر.
وركبت بنفسها وأصلحت بينهما وفتحت الأبواب التي داخل المدينة وصنعت وليمة عظيمة ودعت إليها بطرس وولده لاون وابنته صفورا فأكلوا وليمتها وقتمت لهم الخمر ممزوجًا بالسم فلما تمكن منهم قتلوا عن آخرهم وكذلك فعلت بزوجها وولده وصارت ملكة وبنت بيعة لم ير ببلاد الروم مثلها وفرشت أرضها بالفصوص والرخام الملون وزخرفت الحيطان بالذهب والفضة وعلقت فيها ستور الديباج المذهب وطلبت كل عالم مشهور وأزالت عن أهل البلد جميع ما كان عليهم من الحيف وعدلت فيهم فأحبها أهل البلد وشكروا سيرتها واستخدمت الرجال وزادت في إكرامها وقصدها الناس من كل مكان لأجل عدلها وأقامت في ملك آمد اثنتي عشرة سنة وبعدها نزل عليها عياض بن غنم ومن معه وأحاط بالمدينة.
قال الواقدي: بلغني أن عياضًا نزل على التل ونزل سعيد بن زيد على باب الروم ونزل معاذ على باب الجبل ونزل خالد على باب الماء فلما نظرت الملكة مريم إلى ذلك ورأت أن الصحابة قد عولوا على حصارها ركبت إلى كنيستها وجمعت أرباب دولتها وقالت: اعلموا أن هؤلاء العرب قد حلوا بساحتكم ونزلوا على مدينتكم وقد طمعت أنفسهم في أخذها وأنتم تعلمون أن هذه قفل ديار بكر ومتى فتحوها فقد أخذوا ديار بكر عن بكرة أبيها واضمحل دين المسيح ولا يبقى له ذكر في هذه البلاد وأنا أعلم أن الملوك ومن يشار إليهم من أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية كلهم ينتظرون ما يكون منا.
ويعلمون أن مدينتكم لو أقاموا عليها مائة سنة ما قدروا عليها فقاتلوا عن حريمكم وأموالكم واصعدوا فوق الأسوار وقاتلوا هؤلاء العرب.
وطلبت القسوس والشمامسة والرهبان وأمرتهم أن يحلفوهم على أن يكونوا يدًا واحدة ولا يخامروا عليها ففعلوا ذلك وصعدوا على الأسوار وشهروا السلاح وآلة الحرب وأقاموا الصلبان والرايات والأعلام وتولت كل طائفة بحفظ برج من الأبراج.
قال: فلما نظر عياض إلى ذلك وأنهم قد عولوا على القتال من أعلى الأسوار جمع أمراء جيشه إليه وقال لهم: إن هذه المدينة حصينة وهي عين ديار بكر ومتى فتحها الله علينا ملكنا ديار بكر فما الذي ترون من الرأي.
وكيف يكون قتالها وأعداء الله قد تحصنوا بهذا الحصن المنيع.
فقال خالد: أيها الأمير اعلم أننا ما ملكنا الله البلاد بقوة ولا بكثرة مدد ولا بعدد بل بتيسير الله لنا نرجو الله أن يفتحها بركة نبينا صلى الله عليه وسلم وبذلك وعد الله نبيه وأن هؤلاء القوم إن باطشونا على ظاهر مدينتهم بالقتال رجونا تسهيلًا الأمر وإن أقاموا على ما هم عليه فالصبر فإن عاقبة الصبر النصر ولعل أن يأتي في العرضيات ما لم يكن في الحساب واكتب إلى هذه المرأة كتابًا وخوفها ثم منها بكل جميل فلعل الله تعالى أن يلين قلبها للإيمان أو تسلم لنا صلحًا فدعا عياض بداوة بياض وكتب إليه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم وصلواته على سيدنا محمد وآله من عياض بن غنم أمير جيوش المسلمين بأرض ربيعة وديار بكر إلى مريم الدارية.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد نصرنا وجميع الكفار قد ظفرنا وعلى قبض ملوكها أيدنا وما نزلنا على بلد إلا ملكناه ولا قابلنا جيشا إلا هزمناه والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليس حصنك بأمنع من تدمر ولا حصن هو الحصن المنيع الذي بناه سليمان بن داود وما هو إلا أن نزل عليه المسلمون حتى ملكوه وكذلك بعلبك وحلب وأنطاكية دار الملك هرقل ولم يبق بين أيدينا صعب إلا سهله الله علينا وبذلك وعدنا الله في كتاب العزيز فقال: {وكان حقًا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47]. فإذا وصل إليك كتابي هذا فسلمي تسلمي وإياك أن تخالفي تندمي ومهما أردت بلغناك ولسنا نكرهك على فراق دينك ولا أحدًا من أهل بلدتك قال الله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]. وإن تمسكت بالهوى فستعلمون من أضعف ناصرًا وأقل عددًا وسلام على عباده الذين اصطفى ثم طوى الكتاب وختمه وسلمه إلى رجل من المعاهدين وقال له: ادن من الحصن وناولهم الكتاب وقف حتى يردوا عليك الجواب.
قال فذهب ودنا من السور وناداهم بلغتهم وأشار إليهم بالكتاب فأدلوا له حبلًا فرابطه لهم ووقف ينتظر الجواب.
قال فأوصلوا الكتاب إلى الملكة مريم فقرئ عليها فلما فهمت ما فيه قالت لأرباب دولتها: ما تقولون فيما كتب إليها أمير العرب.
قالوا: أيتها الملكة الرأي لك فمهما أمرتينا به امتثلناه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق