إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

92 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


92

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فقالت‏:‏ يا قوم أنتم تعلمون أن النار ولا العار ومتى سلمنا لهؤلاء العرب عيرتنا الروم ويقولون كيف سلمتم مدينتكم وما حاصرتم سنة ولا عشرة أيام ومدينتكم أحصن بلاد الروم وإذا شئتم كان لكم موضع تزرعون فيه والمياه عندكم وكل ما تحتاجون إليه وقد وصلت إلي الكتب من جميع ديار بكر ووعدوني أن يرسلوا عساكرهم لنصرتنا فقالوا‏:‏ أيتها الملكة هذا هو الرأي الرشيد فاكتبي للقوم كتابًا أن يقطعوا طمعهم منا فكتبت تقول‏:‏ أما بعد‏:‏ فقال وصلني كتابك وفهمت خطابك فأما ما ذكرت من نصر الله لكم أما علمت أن المسيح يمهلكم ولا يهملكم وإنما ذلك استدراج لكم ثم يأخذكم بعد ذلك وكأنكم بالملوك وأبناء الملوك وقد أقبلت عليكم بسواعد شداد وسيوف حداد وجيوش وأمداد فيأخذون منكم بالثأر ويكشفون عن عباد المسيح العار وما كنا بالذي نسلم حصننا إليكم أبدًا فإن شئتم المقام وإن شئتم الرحيل والسلام‏.‏
وربطوه بالحبل وأعطوه للمعاهد فأخذه وأتى به إلى عياض فلما قرأه وفهم ما فيه قال‏:‏ توكلنا على الله وفوضنا أمرنا إليه ثم قرأ ‏{‏ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 3‏]‏‏.‏
قال‏:‏ وعول عياض أن يقيم على آمد وخيله تغير على الهتاج وميافارقين وسائر تلك البلاد‏.‏
قال‏:‏ وسمعوا ضرب الناقوس‏.‏
فقال عياض‏:‏ أتدرون ما يقول هذا الناقوس قالوا‏:‏ وما يقول‏.‏
قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه علينا ومعه جماعة من المسلمين ليغيروا على أطراف تبوك فاجتازوا بدير الراهب وذلك الراهب يضرب بناقوسه‏.‏
فقال علي لمن معه‏:‏ أتدرون ما يقول هذا الناقوس‏.‏
قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم وأنت يا علي فقال‏:‏ يقول مهلًا مهلًا يا بني الدنيا مهلًا مهلًا إن الدنيا قد غوتنا واستغوتنا وشغلتنا غدًا نرى ما نرى ما من يوم يمضي عنا إلا لنا أو علينا يا بني الدنيا جمعًا جمعًا يا بني الدنيا شرطًا شرطًا ما من يوم يمضي عنا إلا أثقل ظهرًا منا ما من يوم يمضي عنا إلا صار منا جهلًا قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى‏.‏
قال عياض‏:‏ فقالوا‏:‏ يا ابن عم رسول الله أو يعلم النصراني ذلك‏.‏
قال‏:‏ لا يعلم ذلك إلا نبي أو صديق‏.‏
قال‏:‏ حدثنا الربيع أبو سليمان عن موسى بن عامر عن جده قراءة بالخضراء من عسقلان قال‏:‏ فأقام عياض على آمد أربعة أشهر قال‏:‏ فخرج من جيشه الحكم بن هشام واستأذن عياضًا أن يشن الغارات على ميافارقين فأذن له فأخذ معه من الصحابة مائة من المهاجرين والأنصار فخرجوا بعدما صلوا الظهر وعبروا الدجلة وساروا والأرض تطوي لهم فما مضى قليل من الليل إلا وهم على ميافارقين فداروا بها إلى أن وصلوا إلى برج يعرف ببرج الشاة فقال الحكم بن هشام وددت من الله لو فتح لنا هذه المدينة بلا قتال‏.‏
قال فما استتم كلامه حتى انفتح لهم باب من حائط البرج فدخلوا وهم يخترقون الطرق إلى وسط المدينة إلى كنيستهم العظمى وتعرف ببيعة ماريا وكانت تلك الليلة عيدًا عند النصارى فلما أقبلوا إلى الصلاة وجدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم نزول على باب البيعة فصاحوا وتسامع الناس فأتى صاحب البلد وكان اسمه أسلاغورس فلما رآهم قال‏:‏ من أنتم قال له الحكم‏:‏ نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال‏:‏ ومن أين جئتم قالوا‏:‏ من عسكرنا‏.‏
قال‏:‏ ومتى جئتم‏.‏
قالوا‏:‏ بعدما صلينا الظهر‏.‏
قال‏:‏ ومن فتح لكم مدينتنا‏.‏
قال له الحكم‏:‏ فتح لنا من بيده مقاليد الأمور‏.‏
قال‏:‏ أوما تفزعون منا‏.‏
فقال الحكم‏:‏ وكيف نفزع من مخلوق لا يضر ولا ينفع وهو تحت أحكام القهر‏.‏
وقد قال ربنا في كتابه‏:‏ ‏{‏فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 75‏]‏‏.‏
فقال أسلاغورس‏:‏ إن دينكم دين محدث وديننا دين قديم والقديم أفضل من المحدث‏.‏
فقال له الحكم‏:‏ إذا كان ما قلته حقًا ففضل إبليس على آدم لأنه أقدم منه أعلمت أن طينة آدم مشكلة وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 22‏]‏‏.‏ أشرق نور قلبه في وقت تجليه واشتعل بالاتقاد فيه فنظر إليه إبليس وظن قميص عبوديته أبيض بالتوحيد وإذا هو أسود بالشرك فأبان نعته القديم عن نعت وقته بقوله‏:‏ ‏{‏وكان من الكافرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 34‏]‏‏.‏ كان سائرًا في أرض الشرك تحت ظل الجهل بالعواقب فما زال يقطع منازل العبادات بالعبادات وهو في عماية عن أبصار جمال المشاهدات فلما ظهرت أنوار مصباح الإلهية من مشكاة الأبدية استنار وجه صورة حاله فإذا هو قد فهم من جوابه وأن عليك لعنتي وأصل آدم لما طار من وكر بشريته بأجنحة همته في جو الطلب تعالى عن حطيطة إنسانيته حتى دنا من نيران المحن فافترقت أنوار القسم بأجنحة اصطفائه وحصن قوادم ارتقائه فوقع في حبال وعصى آدم ربه فلما أتاه في أودية محبته هطلت عليه سحائب محنته ورمى بصواعق اهبطا فلما خرج إلى بيداء كرباته اشتملته مواكب آلائه مبشرة إياه باجتبائه ‏{‏ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 122‏]‏‏.‏ قال‏:‏ وإن أسلاغورس أمرهم أن يدخلوا البيعة‏.‏
فقال الحكم بن هشام‏:‏ وما الذي نصنع في بيتكم قال‏:‏ تذكرون فيها ربكم‏.‏
قال‏:‏ ما كنا ندعى إلى ذكر ربنا فنتأخر عنه‏.‏
قال‏:‏ فربطوا خيلهم ودخلوا ما أراد أسلاغورس بذلك إلا أنه قد زخرفها وصور فيها بيت المقدس والصخرة وقبة السلسلة ومحراب ثواب ومهد عيسى وصورته وأمه مريم فلما توسطها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ الحكم بن هشام ‏{‏وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 116‏]‏‏.‏ ورفع بها صوته‏.‏
فقال‏:‏ لا والله‏.‏
وإنما أقول‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله‏.‏
قال‏:‏ فوالله لقد ماجت بيعة القوم وتزلزلت وصفقت القناديل بعضها ببعض قال‏:‏ وكان للبيعة شيخ عالم بالأديان والشرائع وكان اسمه عبد المسيح فلما نظر ما حل بالبيعة والقناديل صلب على وجهه وكذلك كل ما كان فيها وقالوا لملكهم‏:‏ أنت ما أردت إلا هلاكنا إذ أدخلت هؤلاء العرب إلينا أما ترى كيف غضب المسيح علينا‏.‏
فقال البطريق‏:‏ لا وحق المسيح ما هو إلا توحيدكم لله وذكر نبيهم أظهر لكم من معجزة نبيهم ما رأيتموه يا ويلكم إذا كان قد فتح لهم باب في السور ودخلوا منه علينا فكيف لا تهتز البيعة وتصفق القناديل لما دخلوها وأنا كنت في شك مما ذكرت والآن فيا طوبى لمن كان على دينهم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وكان هذا خادم بترك بيت المقدس وكان في بيت المقدس يوم فتحت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسمع من البترك في بيت المقدس وهو يقول هذا الذي يفتح الأرض في طولها والعرض ومحمد هو الذي بشر به المسيح ابن مريم ولقد سأله رجل لما رأى المسلمين يعظمون الصخرة ويقبلون القدم الذي فيها فقال للبترك‏:‏ نرى المسلمين يقبلون قدم المسيح فقال له‏:‏ يا بني نحن نقول إنه قدم المسيح وإنما هو قدم نبيهم محمد بن عبد الله لما عرج به إلى السماء‏.‏
قال‏:‏ أو عرج به‏.‏
فقال‏:‏ نعم أسرى به من مكة إلى بيت المقدس وصلى بالنبيين وأسرى به‏.‏

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق