90
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
حصلوا كلهم فجلس الملك والبترك وشرعوا يحلفونهم وهم آمنون مطمئنون إذ خرج عليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل سيف مسلول وعزم غير محلول وصاحوا بالتهليل والتكبير ونالوا: نحن أمة التنزيل وأصحاب النبي الجليل نحن حملة القرآن وصوام رمضان قد أخذ الله منكم بذنوبكم وهتك ستوركم وعصفت عليكم المحن أين الصلبان وعبادتها أين الصور وحشمتها أين تقريب القربان أين تدبير الرهبان أدعو أربابكم ينصرونكم هيهات والله ذهب باطلكم وهلك بالشرك جاهلكم واضمحلت أيامكم وذهبت دولتكم ووضعوا فيهم السيوف وعجلوا بهم الحتوف وقتلوا البطارقة بالنية الصادقة فماتوا عن آخرهم فلما رأت الروم ما نزل بهم ضجوا وبأصواتهم عجوا فقال خالد: أولياء الله جودوا الضرب في أعداء الله وأهريقوا دماء من أشرك بالله قال فقتلت الطرامخة وذوو الحشمة الشامخة فلما بلغ الخبر العوام انهزموا عن الأسوار لما حل بعومهم البوار ودهمتهم الأقدار فذهب دامس إلى الأبواب ففتحها فدخل المسلمون بالتهليل والتكبير ولم يزل القتل يعمل في رأس العين وقد وردوا موارد الحين وناح عليهم غراب البين وأيدت شريعة سيد الكونين.
قال الواقدي: ولم يؤخذ من ديار بكر بالسيف إلا رأس العين.
قال: وأخرج الخمس من المال وأرسله إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب له كتابًا يقول فيه: بسم لله الرحمن الرحيم من عياض بن غانم الأشعري إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه.
أما بعد: فإن الله قد فتح علينا يسير ما كان عسيرًا وكان لعدة الفتيان شعاع يخطف العيان فلما تضايفوا أمامي وازدحموا قدامي عاينت جيشًا كثيفًا وسدًا منيفًا قد أقبلوا من الأفواج وتتابعوا كالأمواج وتناصروا من كل صوب واشتهروا في كل ثوب والحديد يتألق كالحريق وقد تطايرت السيوف فللًا والأرماح كعوبًا وانقضت المدة وقد وضعت الحرب أوزارها وانطفأت نارها بعد ما قتل المسلمون أهل الطغيان الفاسقين ونصر الله الكفاة وخذلت العتاة وولت الأعداء الأدبار وأراحنا الله من مضرتهم وظهرت البلاد من كفرهم وكان زعيمهم الخائن وملكهم أول مخذول وأهون مقتول وبعد ذلك فتحنا رأس العين ونحن بعد ذلك معولون على ديار بكر والله المعين وبه نستعين والسلام عليك وعلى جميع المسلمين وأقرأ سلامنا على قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ثم طوى الكتاب وختمه وسلمه مع الخمس لعبد الله بن جعفر الطيار وضم إليه مائة فارس من المهاجرين والأنصار فسار عبد الله ومن معه وأقام المسلمون على رأس عين شهرًا وعمل بيعة نسطوريًا جامعًا وصلوا فيه وبنوا الكنائس مساجد وترك عرفجة بن مازن العامري عليها واليًا ومعه مائة فارس وأخذ مال الرها وكفر لوتا فأخرج منه الخمس وأرسله بعد عبد الله بن جعفر مع سلامة بن الأحوص ومعه خمسون فارسًا.
فتح دارا وبيرحا وباعماء قال: ورحل عياض بن غنم من رأس العين ونزل على كفر توتا وأقبل إليه الغلام يرغون فرحب به وولاه على المدينة وعرض الإسلام على الجارية طاريون فأسلمت وزوجها بابن عمها وبنى البيعة جامعًا وارتحل منها إلى دارا فنزل عليها وخرج إليه أهلها واعتقبوا لهم منه صلحًا وكان جملة ما صالح عليه أهل دارا عشرين ألف مثقال ذهبًا وثلاثين ألف مثقال فضة وأن لا يبقوا سلاحًا فأجابوا إلى ذلك وبنى كنيستهم جامعًا وما أسلم منهم إلا القليل وأقرهم على أداء الجزية وارتحل عن دارا وقصد بيرحا فصالح أهلها على ربع ما صالح عليه أهل دارا ورحل عنها وكانت بنو إسرائيل تعظمها وتقصد إليها بالنذور وكان بانيها حزقيا بن تورخ بن بازيا أحد أنبياء بني إسرائيل فخرجوا إلى عياض وصالحهم على قدر ما صالح به أهل دارا غير أن مقدمهم قال: إنني لم أزل أملك البلد حتى يأتيني الموت ومن أراد أن يدخل في دينكم من أهل بلدنا فلا مانع يمنعه.
فقال له عياض: ما اسمك قال: اسمي طرياطس.
فقال: يا طرياطس إنا نحكمكم على العدل فما فتح الله علينا إلا باتباع الحق وسلوك طريق الصدق والعدل في الرعية.
وإنا نتجنب البغي والظلم وما قصدنا قاصد إلا وجدنا وأنتم منذ خرجتم إلينا ووردتم علينا فنحن نجيبكم إلى سؤالكم ونصالحكم على ما صالحنا عليه أهل دارا.
فقال طرياطس: وتصالحون أهل معرين على ما صالحتم عليه أهل بيرحا فأجابهم عياض إلى ذلك ونزل على باعما ودير.
قال: وإنما أجابه عياض إلى ذلك وألان له العريكة حتى يبلغ الخبر أهل ديار بكر فيجيبون طائعين ويسلمون له من غير منازعة.
وكان قد بلغه تحصن بلادهم وامتناع قلاعهم.
قال: فدخل طرياطس وأخرج المال من خزائنه ولم يأخذ من أهل بلده شيئًا ودفعه لعياض فقبله منه وكتب له كتاب الصلح وشرط عليهم الجزية كما فعل أهل دارا من العام القابل فلما تتم ذلك دخل المسلمون إليه وبنوا جامعًا فلما بلغ أهل نصيبين حسن سيرتهم وعدلهم وجودة أحكام أسم أكثرهم وكان في جملة من أسلم أصحاب النذور وأخربوه وبنوه جامعًا وأقام عياض على نصبين شهرًا فلما أراد الرحيل جاءه طرياطس وقال: قد زدتم في أعيننا بما رأينا من صلاتكم وعبادتكم فأسلم وحسن إسلامه ولم يزل ملكًا حتى مات في خلافة عثمان ونزل في مسجد كندة أسامة بن عامر الكندي وعشرة من بني عمه وارتحل عياض ونزل تحت قلعة المرأة وفيها مارية وولدها عمودا فانزلوا له الإقامة
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق