إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

74 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


74

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال ابن إسحق‏:‏ فلما رأى أبو ثوب ما فعل شطا بفرسانه لم يطق الصبر دون أن خرج إليه بنفسه وكان من الفرسان المذكورة فلما سار شطا في الميدان قال له‏:‏ يا شطا كيف تركت الدين المستقيم وعدلت عنه وصغيت إلى هؤلاء اللئام واتبعت دين الإسلام لقد عمل فيك القوم واستوجبت العتب واللوم يا فتى عد إلى الدين الصحيح والقول الرجيح وهو دين المسيح فأي شيء رأيت من هؤلاء المساكين حتى تبعت دينهم‏.‏
فلما سمع شطا كلام أبي ثوب أقبل عليه مغضبًا وقال له‏:‏ يا لئيم أتأمرني أن أدع الدين المستقيم الذي كان عليه الخليل والكليم وأنى لي بدلك وقد رأيت الليلة ما لي من الكرامة عند الله وقد طلقت الدنيا ثلاثًا فلما سمع أبو ثوب كلامه حمل عليه ومد سنانه إليه فتلقاه بقلب قوي وجنان جري وعزم مضي وحسام سري وتقاتلا نصف نهار فعطش شطا فأراد الله أن يطيب قلبه فكشف عن بصره فرأى القبة التي رآها في المنام والحوراء التي أنشدته الأبيات وفي يدها كأس من شربها لا يفنى ولا يسقم وفيه من الرحيق المختوم وهي تقول‏:‏ يا شطا هذا شراب من شرب منه لا يسقم ولا يفيق والساعة تصل إلينا وتقدم علينا‏.‏
قال فلما نظر شطا إلى ذلك وسمع منها ما قالت صاح الله أكبر ‏{‏هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 52‏]‏ وأخذه الدمع والبكاء خوفًا من الله‏.‏
فقال له أبو ثوب‏:‏ مم بكاؤك‏.‏
قال‏:‏ رأيت كذا وكذا فضحك أبو ثوب من كلامه وحمل عليه فتقاتلا قتالًا شديدًا أعظم من الأول إلا أن أبا ثوب سبق شطا بطعنة في صدره فأطلع السنان من ظهره فخر صريعًا فلما نظر البامرك إلى ولده مطروحًا لم يأخذه صبر دون أن حمل عليه هو وأصحابه‏.‏
قال وأظلمت آفاق تلك الأرض من الغبار وترادف القتال فوقعت الهزيمة على البامرك وأصحابه فألجأهم إلى أبواب دمياط وطمع فيهم عدو الله أبو ثوب وإذ قد أتاهم هلال بن أوس بن صفوان بن ربيعة فوضعوا أيديهم في أبي ثوب وأصحابه وهم ينادون بالتهليل والتكبير وتحامى أصحاب البامرك وحملوا من قبلهم‏.‏
قال‏:‏ وأما أبو ثوب وأصحابه فإنهم أيسوا من أنفسهم قال فهم في ذلك إذ التقى يزيد بن عامر بأبي ثوب‏.‏
فقال له‏:‏ يا عدو الله أما اتعظت بآيات الله‏.‏
أما ظهر لك الحق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأطبق عليه فأخذه أسيرًا وصاح الصائح أن أبا ثوب أسر فاستسلم قومه للقضاء فأخذوهم عن آخرهم بعد ما قتل منهم خلق كثير ثم إنهم عزوا البامرك في ولده شطا‏.‏
فقال‏:‏ احتسبته عند الله فقال له يزيد بن عامر‏:‏ إن في الجنة درجات لا ينالها إلا الصابرون قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 55 - 157‏]‏‏.‏
قال ابن إسحق‏:‏ ودفنوا شطا في ثيابه بعدما صلوا عليه ودفنوه في موضع قتله‏.‏
قال فلما كان الغد أقبل البامرك إلى يزيد بن عامر وقال‏:‏ رأيت الليلة ولدي في النوم وهو في القبة والحور بين يديه‏.‏
فقلت‏:‏ ما فعل الله بك‏.‏
قال‏:‏ قبلني بأحسن قبول وجاد علي وأنزلني بجوار الرسول‏.‏
حدثنا ابن إسحق حدثنا عمر بن الأسقع عن جده عامر بن خويلد قاد‏:‏ قتل شطا في ليلة نصف شعبان فجعل له تلك الليلة موسمًا في كل سنة وذلك أنه لما يبق أحد إلا زار قبره تلك الليلة وأن هلال بن أوس نزل وأحضر أبا ثوب وعرض عليه الإسلام فأسلم وأسلم من الأسرى أناس وأبى منهم أناس وبقوا على دينهم وقرروا عليهم الجزية ودخل المسلمون في المراكب إلى تنيس وبنوا موضع الكنيسة جامعًا وبنوا في جميع الجزائر جوامع وأخرج أبو ثوب الخمس من ماله وأموال قومه وبعثوه إلى عمرو بن العاص مع أموال من قتل وأن هلال بن أوس نزل على التل الأحمر بظاهر تنيس وأقر أهل الجزائر في أماكنهم‏.‏
فقالوا أيها الأمير‏:‏ قد أمنتما من جانبك وبقي علينا الخوف من جانب آخر‏.‏
قال هلال‏:‏ من أين قالوا‏:‏ من أصحاب القلعة المسماة الفرماء‏.‏
قال‏:‏ وأين هي قالوا‏:‏ على جانب بحيرة تنيس مما يلي شرقها وفيهم أقوام وعليهم الصامت بن مرة من آل مرداس فلما سمع هلال بن أوس ذلك مضى إليها بجميع من معه فلما وصلوا إليها أشرف عليهم الصامت بن مرة وأمر أصحابه أن يرموهم وكان بها ألف رجل وغالبهم رماة النبل فرموا عن قوس واحد ألف سهم فسمعتها العرب من الفرماء فأقام عليها هلال بن أوس عشرين يومًا فلم يقدر عليها فبعث إلى عمرو يعلمه بما وقع ويستنجده فأرسل إليه المقداد بن الأسود الكندي في خمسمائة من عسكر الإسلام وأرسل معه ثلاثة آلاف ممن أسلم من القبط‏.
  فتح قرقيسيا
ولما ملك عبد الله بن غسان القلعة الغربية حين سلمها إليه شرجون بأمر يوقنا وترك يوقنا العرب وهرب إلى قرقيسيا دلهم الراهب شرجون على الطريق نحو السرب إلى القلعة الشرقية فملكوها واحتووا على ما كان لأشفكياص فيها وبعثوا إلى عياض بن غنم وأرسلوا يعلمونه في السر بما صنع يوقنا فدعا له المسلمون وشكروه وأرسل يقول لعبد الله بن غسان ولسهل بن عدي‏:‏ احتفظا على ما في القعلة الثانية ولا تأخذا منها قيمة الدرهم الواحد حتى يسلمه يوقنا لبنته واتركا في القلعة من يحفظها واطلبا قرقيسيا وأنزلا عليها والسلام‏.‏
قال فلما وصل الكتاب إليهما فعلا ما أمرهما به عياض ووليا على القلعة الغربية الأحوص بن عامر ومعه مائة فارس وعلى الشرقية زياد بن الأسود في مائة فارس ومضى عبد الله بن سهل إلى قرقيسيا فحال بينهم وبين الفرات فدلهم بعض سكان تلك الأرض على المخاضة فعبروا في الليل وأصبحوا على أرض واحدة مع أعداء الله وأرسلوا إلى ماجن والمحولة والبديل والصور وبعثوا إليهم الأمان وأقروهم في منازلهم وقالوا‏:‏ إن كانت لنا فقد أحسنا فيكم الصنيع وإن كانت علينا انصرفنا عنكم مشكورين على عدلنا فيكم‏.‏
قال‏:‏ فأجاب القوم إلى ذلك وباعوا عليهم الميرة‏.‏
قال‏:‏ حدثنا هلال بن عاصم عن يحيى بن جبير عن سوار بن زيد قال‏:‏ لما بعث عبد الله بن غسان إلى أهل تلك القرى وطيب قلوبهم بعث بعد أيام سهل بن إساف التميمي وكان من الصحابة الأول ومعه مائة من المسلمين ليأتوهم بالطعام والعلوفة من ناحية ماسكين فسار سهل ومن معه فلما وصلوا إلى السمسانية شن عليها الغارة واستاق أموالها فخرج عليه نوفل بن مازن في خمسمائة فارس واستخلصوا منهم ما أخذوه ووقع بينهم القتال فحملوا بأسرار صافية ونيات سامية وأفعال نامية وقلوب تنزهت بالإيمان وألسنة تنطق بذكر الرحمن ولم يزالوا في قتال إلى أن قتل من المسلمين ثلاثون وانهزم سبعة وأربعون وأسر سبعة وعشرون من جملتهم سهل بن إساف بن عدي وحدثوا أصحابهم بما كان من المتنصرة ومنهم فعظم ذلك عليهم‏.‏
قال الراوي‏:‏ حدثني نوفل بن عامر عن سالف بن عاصم عن سالم عن الدوسي قال‏:‏ كنت مع سهل بن إساف حين قدمنا على السمسانية وخرج علينا نوفل بن مازن فقال‏:‏ والله لقد قاتلنا قتالًا شديدًا ما شهدنا مثله حتى كان من أمر الهزيمة ما كان‏.‏
قال سالم بن عبد الله‏:‏ لما أسرهم نوفل بن مازن شدهم في الحبال وقرن بعضهم إلى بعض ورجلهم عن خيولهم وسار بهم يطلب رأس العين فأخبروه أن الملك شهرياض على مرج الطير من جانب النقب فقصد إليه ومعه من بني عمه أربعون رجلًا وساقوا أصحاب رسول الله إلى أن أوقفوهم بين يديه وحدثوه بأمرهم فأمر بضرب رقابهم وكان آخر من بقي أميرهم سهل بن إساف وكان أحسن الرجال وجهًا قال فشفع فيه بعض البطارقة فوهبه له وكان ذلك البطريق أسمه توتا بن لورك وهو صاحب كفر توتا فأخذه وأتى به إلى قصره في كفر توتا‏.‏
قال فنظرت إليه ابنته فسألت أباها عنه‏.‏
فقال‏:‏ أي بنية إن المسيح قد طرح رحمة هذا الشاب في قلبي فسألت الملك فيه فوهبه لي فخذيه إليك فأخذته وأدخلته في بستان‏.‏

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك تعليق واحد: