إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

75 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


75

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال فلما كان بعض الأيام دخلت البستان فنظرت إلى سهل بن إساف وهو يقرأ ‏{‏محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 9‏]‏ فلما سمعت قراءته أخذت بمجامع قلبها‏.‏
فقالت‏:‏ ما أفصح هذا الكلام وأطيبه وألينه للأفهام‏.‏
فقال لها‏:‏ هذا كلام الملك العلام الذي أنزله على سيد الأنام‏.‏
فقالت الجارية‏:‏ أما محمد فهو نبيكم لا محالة فيه فمن هؤلاء الذين قال فيهم ‏{‏والذين معه‏}‏‏.‏
قال‏:‏ هو صاحبه ووزيره أبو بكر الصديق رضي الله عنهم‏.‏
‏{‏أشداء على الكفار‏}‏ هو صاحب هذه الفتوح ومجهز هذه الجيوش عمر بن الخطاب ‏{‏رحماء بينهم‏}‏ هو كاتبه وصهره عثمان بن عفان ‏{‏تراهم ركعًا سجدًا‏}‏ هو أخوه وابن عمه وصاحب سيفه علي بن أبي طالب‏.‏
فقالت له الجارية وكان اسمها أبريتا وكانت تكتب بقلم التوراة والإنجيل وتتكلم بكلام العرب وكثيرًا ما كانت تسأل علماء دينهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعطيها أحد منهم خبرًا حتى وقع بيدها سهل بن إساف‏.‏
فقالت من هؤلاء الذين ذكرت‏.‏
قال‏:‏ هم الذين قالوا وصدقوا وقاتلوا فحققوا وركبوا نجب السوابق فوقفوا وساروا في بادية الطلب فلم يرفقوا وكلما لاح لهم علم الأفاضل تشوقوا ونودوا في سرائرهم رجال صدقوا ثم أنشد يقول‏:‏ رجال من الأحباب تاهت نفوسهم ينادونه خوفًا ويدعونه قصدا وقاموا بليل والظلام مغلس إلى منزل الأحباب فاستعملوا الكدا يحثون حث الشوق نحو مليكهم وقصدهم الفردوس كي يرزقوا الخلدا أولئك قوم في العبادة أخلصوا فتاهوا به شوقًا وماتوا به وجدا فقالت له الجارية‏:‏ لقد سمعت من نيسا راهب دير قنا أن الله ينشر دعوة نبيكم في المشرق والمغرب ويملك المشرق والمغرب وأنهم يفضلونه على الآباء والأمهات والأخوة والأخوات وأنهم بعد موته يسيرون إليه وإذ ذكر يكثرون الصلاة عليه‏.‏
فقال لها سهل بن إساف‏:‏ أما علمت أنه كان في حياته يدعو لهم ويستغفر لهم ولمن دخل في دينه وأقر به ولقد كانت زوجته عائشة رضي الله عنها تقول‏:‏ كانت ليلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مضى الثلث الاول منها والفلك يدور بالنجوم والسماء تزهر بالكواكب والمردة تحرق بالشهب الثواقب وسرادق الله قد مد جناحه وأحال الظلام بادلهامه فبينما أنا في وادي الوتين ساكنة وبجانبي أفضل مرسل وأكرم من ابتهل وتوسل وإذا به قط قبضني وبكلامه الشريف أيقظني وهو يقول‏:‏ أيتها العين المكتحلة بعين السبات الغافلة عن موارد الهبات هبي من منامك وأعملي ليوم حمامك فقد قام أولو الألباب ومرغوا خدودهم على الأعتاب وفي التراب‏.‏
قالت‏:‏ فقمت معه للخدمة ووقفنا نشفع للأمة إلى أن برق بارق الصباح وانفقل فلق الإصباح فقال هلمي للصلاة والاستغفار وطلب العفو من العزيز الغفار قالت‏:‏ فوافقته على ما أراد وبلغنا القصد والمراد فلما سكت من تسبيحه وفاح ريحه رأيته وهو يتنفس ويقرع بسبابته جوهر سنه فقلت يا سيد الوجود و وطيب الآباء والجدود إن العرب لا تقرع سنها إلا لأمر مهم أو لشأن ملم‏.‏
قال‏:‏ ذكرت حال العصاة من أمتي والمخلصين في محبتي وذكرت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين‏}‏ ‏[‏هود 119‏]‏‏.‏ فقلت يا رسول الله‏:‏ أما أنزل عليك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 2‏]‏ فوالله ليغفرن لك ولأمتك لقوله‏:‏ ‏{‏ولسوف يعطيك ربك فترضى‏}‏ ‏[‏الضحى‏:‏ 5‏]‏‏.‏ أنت الذي خلقت السموات والأرضين والعرش والكرسي من أنوارك وأنت الذي ربط براق القرب ببابك أنت الذي اخترقت معالم الملكوت وحملت إلى حضرة القرب والجبروت وأنت الذي أوتيت ليلة القدر وأنت صاحب البطحاء والحرم ولانت لك الأحجار وسلمت عليك الأشجار وانشق لك القمر ليلة الإبدار وأنزل عليك ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 73‏]‏‏.‏ أنت صاحب عرفات ومنى والمخصوص بالشكر والثنا وسوف يبلغك الله من أمتك المنى أما وعدك الله المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود والكرم والجود وسرادق السعود على أمتك ممدود وسحاب التوفيق عليهم يجود ولواء أصحابك بجواهر قبولك منضود وعليه مرقوم عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا فكيف تخاف على أمتك نزول البأس وقد فضلوا على سائر الناس بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏‏.‏ يا سيدي أنت تعلم أن أباك آدم تشفع بك فتاب الله عليه ونوح سأل بك فنجاه الله من الغرق وإبراهيم مع علو قدره بك أنجاه الله من النار والحرف وموسى مع تقربه ومكانته بك سأل ربه أن يشرح صدره وييسر أمره‏.‏
قال الراوي‏:‏ وما ذكر سهل للجارية هذه المناقب إلا لأن ترجع إلى دين الإسلام‏.‏
قال فلما سمعت كلامه قالت‏:‏ فما جزاء من يدخل في دينه ويقول بقوله‏.‏
فقال‏:‏ يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتمحى عنه سيئاته ويكون جزاؤه الرضوان في الجنان ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء 110‏]‏‏.‏ فلما سمعت الجارية اخترقت معالم الملكوت وحملت إلى حضرة القرب والجبروت وأنت الذي أوتيت ليلة القدر وأنت صاحب البطحاء والحرم ولانت لك الأحجار وسلمت عليك الأشجار وانشق لك القمر ليلة الإبدار وأنزل عليك ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 73‏]‏‏.‏ أنت صاحب عرفات ومنى والمخصوص بالشكر والثنا وسوف يبلغك الله من أمتك المنى أما وعدك الله المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود والكرم والجود وسرادق السعود على أمتك ممدود وسحاب التوفيق عليهم يجود ولواء أصحابك بجواهر قبولك منضود وعليه مرقوم عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا فكيف تخاف على أمتك نزول البأس وقد فضلوا على سائر الناس بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏ يا سيدي أنت تعلم أن أباك آدم تشفع بك فتاب الله عليه ونوح سأل بك فنجاه الله من الغرق وإبراهيم مع علو قدره بك أنجاه الله من النار والحرف وموسى مع تقربه ومكانته بك سأل ربه أن يشرح صدره وييسر أمره‏.‏
قال الراوي‏:‏ وما ذكر سهل للجارية هذه المناقب إلا لأن ترجع إلى دين الإسلام‏.‏
قال فلما سمعت كلامه قالت‏:‏ فما جزاء من يدخل في دينه ويقول بقوله‏.‏
فقال‏:‏ يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتمحى عنه سيئاته ويكون جزاؤه الرضوان في الجنان ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء 110‏]‏‏.‏ فلما سمعت الجارية ما تكلم به سهل وقع بقلبها وصغت إليه بلبها وقالت‏:‏ أنا أشهد أن لا إنه إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدًا عبده ورسوله ففرح سهل بإسلامها‏.‏
فقالت له اكتم أمرك إلى الليل حتى أخلصك وأسير معك إلى عسكر الإسلام‏.‏
قال الراوي‏:‏ حدثنا صاعد بن عدي النميري عن أبيه أنه سمعه وهو يحدث الناس بالمدينة وقد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأموال رأس العين وخزائن الملك شهرياض‏.‏
قال‏:‏ وإن الجارية مضت واستدعت بجواريها وأخذت من مال أبيها ألف دينار فلما جن الليل فتحت باب السر بعدما تجسست فرأت كل من في قصر أبيها نيامًا فأتت إلى سهل وحلته من وثاقه وقالت له‏:‏ قم على اسم الله وبركة نبيه فقام سهل بن إساف إلى الباب وأعطته لامة حرب ولبست هي مثلها وخرجا من الباب وإذا هما بجوادين فركبا وخرجا وسارا مقدار فرسخين عن كفرتوتا وإذا هم بحس الخيل وراءهم فقالت‏:‏ إن كانوا من الروم فعلي مخاطبتهم وإن كانوا من العرب المتنصرة فعليك مخاطبتهم قال‏:‏ فوقفوا غير كثير وإذا بالقوم عدتهم ثلاثة وعشرون فارسًا وعليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب قال‏:‏ تأملهم سهل وإذا هم أصحابه الذين قتلوا بحضرة الملك قال فدنا منهم سهل وسلم عليهم وقال‏:‏ سبحان الله ألم أشاهد قتلكم‏.‏
قالوا‏:‏ نعم‏.‏
أما علمت أن الشهداء أحياء لا يموتون وإنما هي نقلة من دار إلى دار وأن الله قد بعث بأرواح الشهداء في هذه الليلة لتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الليلة ليلة النصف من شعبان‏.‏
فقال لهم‏:‏ أريد المسير معكم وفي صحبتكم قالوا‏:‏ إنك لا تقدر على ذلك وقد بقي من عمرك إحدى وأربعون ليلة وتلحق بنا‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق