76
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
وأما هذه الجارية فقد أعد الله لها في الجنة ما أعد لأوليائه وقد بنى لها قصرًا عن الجوهر والياقوت الأحمر على شاطئ نهر الكوثر ستوره معلقة وبالأنوار مرونقة وقبابه مزوقة وأسرته موصولة وفرشه مرفوعة وأباريقه مصفوفة وزواياه محفوفة وحلله منسوجة وحواشيه بحسن الوفاء مسروجة على أبوابه مكتوب بقلم السر المكنون {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32]. فلما سمعت الجارية قولهم قالت: فبم استوجبت هذا النعيم قالوا: بتوحيدك الرب العظيم وتصديقك النبي الكريم.
قال: فصاحت صيحة فإذا هي ميتة قال سهل: فنزلت فدفنتها وغاب الشهداء عني وسرت إلى المسلمين فحدثت عبد الله بن غسان وسهل بن عدي بذلك فازداد المسلمون يقينًا بذلك وعاش سهل بعدها أحدًا وأربعين يومًا ومات.
حدثنا صفوان بن عامر عن خويلد بن ماجد عن عبد الرحمن بن النعمان عمن حدثه عن فتوح الشام وأرض ربيعة الفرس.
قال لما نزل عسكر المسلمين على قرقيسيا مع عبد الله وسهل قال: خندق المسلمون على أنفسهم خندقًا وتركوا لهم موضعًا يدخلون منه ويخرجون.
قال واتصلت الأخبار بعياض بن غنم وهو بجانب الرقة وهو يتروى فيمن يبدأ بحربه بشهرياض وجنوده أو بحران والرها.
فقال له خالد بن الوليد رضي الله عنه: أتترك جيشًا قد تهيأ واحتفل لقتالك وتمضي لسواه والرأي أن تلقى هذا العدو.
فإذا أنت هزمته وأوقعت الهيبة هنا فاقصد ما شئت من البلاد فإنها تفتح إن شاء الله تعالى.
قال: فعول عياض على ذلك وإذا قد أتته جواسيسه وأخبروه أنه قد تهيأ لحربكم الملك شهرياض ونوفل وطرباطس صاحب دارا والمؤزر وصاحب جملين وأرمانوس صاحب تل سماوي وأرجو وصاحب البارعية وشهرياض صاحب ماردين ورودس صاحب حران والرها وقد صارت جريدتهم مائتي ألف وقد ضمنوا للملك لقاءكم وقالوا: لا نلقى العدو إلا بأهالينا وأولادنا وأموالنا وحريمنا حتى لا ينهزم منا أحد وقد تقدم إليكم الأرمن وبعدهم الروم وهم دون الفرات فلما سمع عياض ذلك بعث إليهم الوليد بن عقبة ووصاه بما أراد قال فقدم على بني تغلب وجمع أمراءهم وهم نوفل بن مازن وعاصم والأشجع وميسرة وحزام وقارب وقال: يا فتيان العرب اعلموا أن من نظر في العواقب أمن من المعاطب وليس أنتم أحد سننا ولا أقوى جنانًا ولا أجرأ في الجولان ولا أوسع ميدانًا من بني غسان وليس فيكم من يشبه جبلة بن الأيهم وكان في ستين ألفًا وقد نصرنا الله عليهم وقتلنا ساداتها والصواب أن ترجعوا إلينا وتكونوا من حزبنا.
قال فأجابوه بأجمعهم إلا طائفة إياد الشمطاء فإنهم ارتحلوا إلى بلاد الروم ووصل عرب بني تغلب إلى جيش بن غنم مسلمهم وكافرهم فرحب بهم وطيب قلوبهم وقال لهم: يا معاشر العرب إن الله سبحانه وتعالى قد أراد بكم خيرًا بوصولكم إلينا ونزوعكم عن عبدة الصليب وقد أراكم الله إعزاز دينه وشرف نبيه وقد وعدنا ووعده الحق بملك كسرى وقيصر وأخذ كنوزهما وما كان ينطق عن الهوى وقال الله في حقنا: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105]. قال فأسلم كافرهم وبقوا جميعهم مسلمين.
قال الراوي: أخبرنا سيف عن خالد بن سعيد قال: لما علم عياض بهروب إياد الشمطاء إلى بلاد الروم كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فأرسل عمر رضي الله عنه إلى هرقل وولده قسطنطين يقول لهم: إن لم تصرفوهم عن أرضكم لأفنين كل نصراني عندنا.
قال الراوي: فلما وصلت رسالة عمر إلى هرقل وولده أنفذ بهم إليه.
قال وعزم عياض على لقاء الملك شهرياض.
وأما ما كان من شهرياض صاحب قرقيسيا فإنه جمع بطارقته وقال لهم: اعلموا أنه قد بلغني عمن تقدم من الملوك أنهم كانوا يجيشون الجيوش ولا يستغنون عن الحيل وأنا أريد في غداة غد أن أخرج إلى لقاء العرب.
فإذا اصطفت الصفوف فرجلوني عن جوادي وأشهروا علي سلاحكم كأنكم تريدون قتلي فأقول لكم: أنا معتذر إنما أردت أن أجرب خبر حميتكم لدينكم وظننت أنه قد أخذكم الخوف من هؤلاء فإذا سمعتم مني ذلك فأرجعوني إلى إجلالي وإعظامي ثم ناوشوهم الحرب فأهرب أنا إليهم وأقول لهم إني أردت أن أسلمكم البلد فهاش القوم علي كما رأيتم وهموا بقتلي وقد جئت إليكم راغبًا في صحبتكم فإذا أفنوني وغفلوا عني قتلت أميرهم في الليل وأنا أعلم أن القوم بعده يهون علي أمرهم ثم أعول على انهزامهم فقال له وزيره الأرمني: وكيف تسمح بنفسك وتلقيها في أضيق المسالك وإن أنت فعلت ذلك لا نأمن عليك من العرب ويعتبنا خالك ويقول لنا كيف تركتموه يمضي إلى العرب.
فقال عبد الله يوقنا: لقد صدق السيد في قوله وكيف نتركك تمضي إليهم وأنا أدبر لك مع هؤلاء القوم تدبيرًا يكون أقرب من هذا وأهون.
فقال شهرياض والوزير الأرمني: وما هذا التدبير أيها الملك.
قال: أن نخرج غدا بأجمعنا ونلقاهم ونريهم الجد من أنفسنا ونقاتل بحسب الطاقة ثم ننهزم إلى المدينة ونستوثق من أبوابها ونصعد على السور فربما قربوا منا فلا نقاتل.
فإذا فعلنا ذلك طمعت العرب فينا ودنوا منا واعلموا أن في عسكرهم جماعة من الروم ممن صبأ إلى دينهم فربما قربوا منا فإذا أرادوا ذلك كتبنا إليهم نطيب قلوبهم ونرسل رسولًا في طلب الصلح ونقول: أرسلوا إلينا عشرة من عقلائكم حتى نرى ما تريدون منا ولعلنا نعقد معكم صلحًا فإذا فعلوا ذلك وحصلوا عندنا قبضنا عليهم ونشهر سيوفنا عليهم ونقول لهم: إما أن ترحلوا عنا وإلا ضربنا رقابهم فإن القوم إذا أرادوا الجد منا طلبوا صلحنا بأصحابهم ورحلوا عنا والعرب إذا قالوا قولًا وفوا به فإن هزموا الملك شهرياض واحتووا على بلاده دخلنا بعدها تحت طاعتهم وارتحلنا عنهم إلى بلاد الروم.
قال: وإنما أراد يوقنا بهذا الكلام أمرين: أحدهما أن يبرأ عندهم من التهمة حتى يطمئنوا إليه.
والثاني أن يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة في المدينة فيحتال أن يكونوا تحت يده ليثور بهم فيملك بهم المدينة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق