87
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فلما جن الليل جمع أصحاب الرايات وحدثهم وقال لهم: لا تعلموا أحد مخافة من جواسيس الروم ولا يصبح الصباح إلا وأنتم على أهبة الحرب قال: فما أصبح الصباح إلا والمسلمون قد أخذوا أهبة الحرب فلما طلعت الشمس وانبسطت على الأرض علت علي الخيل ركابها وحملت بأصحابها وشئت من الحرب نارها وطار شرارها وقطعت الجماجم واستعرت الملاحم وصالت أسودها وتعفرت حدودها وصبرت على شدة حالها وحانت منها أحوالها وتدانت آجالها فهم في الحرب متوافرون وفي العمد والعديد متقاربون وفي الزحف إلى الفزع مختلفون والعجاج ثائر والدم فائر والأسلاب مطروحة للضياع ولحوم القتلى رزق للطير والسباع ولقوة العمائم تشتكي منها الأسماع والشمس تضجر منها الجسوم والنفوس والحرب قد أخذت أمرًا بقطع الآجال وقد شمرت عن ساق وسروال والوطيس قد حميت جوانبها واستحيت عين مجانبها والصفوف تدانت إلى الهياج وقد غيبهم غيم العجاج وكل مقدم قد شد منه جيشه وتكفر بعد الصفو عيشه والخيل تكر كرات وتجتمع مرات والسيوف تقطع البيض والنفوس تكاد تميز من الغيظ والغبار قد سحب ذيلًا زنجيًا وانسبل وأسبل على الوهاد رداء سجيًا والطيور قد حامت وكأن القيامة قد قامت واستقبل المسلمون هذا الحرب الخطير والضرام المستطير فحل بالروم العقاب وسمحوا بنفوسهم ولقوا أليم العذاب ونال قال الواقدي: والتقى عبد الله بن عياض بن وائل وعبد الله بن قرط بالملك شهرياض وقد عول على الهرب وكل من في جيشه قد اشتغل بنفسه عن نصرته وليس عنده سوى عشرة من غلمانه فأطبق عليه عبد الله بن قرط وعبد الله بن عياض.
قال الواقدي
: ولم أدر أيهما كان أسبق بالطعنة فطعنه في صدره فأخرج السنان من ظهره فلما نظر غلمانه إلى ملكهم مجندلًا ولوا على أدبارهم ونزل عبد الله فاحتز رأسه وجعله على رمحه وركب وصاح: ألا وإن الملك قد قتلته فمن كان منكم يثبت للحرب فليثبت وصالت المسلمون على أعداء الله ووضعوا فيهم السيوف فقتل من قتل وانهزم الباقون بعدما أسروا منهم من أسروه وقد تركوا الأثقال على حالها والأموال والسرادقات فاحتوى عليها المسلمون.
قال جديد بن ناشب الضميري: كنت مولعًا إذ سكنت الحرب بعدد من قتل من الروم فأخذت مخلاة على عاتقي وملأت حجري حصى فكنت لا أمر بمقتول إلا وطرحت عليه حصاة ثم عددت الحصى فإذا هي ثمانون ألفًا وسبعمائة وخمسون وأما الأسرى فلا يحصيهم عدد فلما وضعت الحرب أوزارها أمر عياض بالأثقال والأسرى إلى كفر توتا وبعثها مع الصلت بن مازن ومعه ألف فارس وأمره أن لا يبرح منها حتى تفتح رأس العين.
قال: ثم ارتحل عياض في أثر الوقعة إلى رأس عين وردة وبات ليلته يتلو القرآن.
وقال ووصل المنهزمون إلى رأس العين وهم بأسوأ حال ووقع الصائح بجوانب المدينة بهزيمة الجيش وقتل الملك شهرياض فعظم عليهم وكبر لديهم واستوثق الوالي مرسيوس من المدينة والأسوار وعول على أنه في غداة غد يضرب رقاب المأسورين وكان من عادة الروم إذا قتل منهم ملك يقتلون عليه مائة أسير من أعدائهم فلما كان الغد ركب عدو الله مرسيوس الوالي وسط المدينة وأمر أن يؤتى بالأسرى وهم خالد ومن معه ليضرب رقابهم فأرادوا أن يأتوا بهم وإذا بعياض قد صبحهم صباحًا فأشغلهم عن ذلك ونزل على باب أسطاحون وهو الباب الشرقي وكان قد ضرب على الباب المذكور قبة من الديباج برسم عدو الله مرسيوس وإلى جانب القبة منجنيق عظيم يتعلق في حباله مائة رجل وكان صاحبه ابن عم الملك وكان اسمه مترقي بن أشفكياص وكان أبوه هو الملك قبل شهرياض وهو صاحب الدنانير الأشفكياصية.
قال: وإنما تقدم عياض بالمسلمين للقتال حتى يشغل أعداء الله عن خالد ومن معه بالمدينة فصاروا يرمون بمجانيقهم وسهامهم وكان قد وصل مع عياض غلام من أهل المدينة اسمه جميل بن سعد الداري وكان أرمى خلق الله بالنبل وكان قد وصلت له أم عجوز فلما كان ذلك قال: يا أماه أريد أن أجاهد هذا اليوم في الله حق جهاده فلعلي أن ألحق بإخواني وجدي الذين قتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعها وسار.
فقالت: يا بني سر والله ينصرك ويؤيدك قال: ثم إنه تقدم ووقف وهو يتستر وكان قد شاع ذكره بين العرب وأنه كان ينظر إلى الطائر في الجو.
فيقول: إنني قد عولت أن أضرب هذا الطائر في موضع كذا فيضربه فيقع الطائر والضربة في المكان الذي ذكره فلما كان يوم قتال عين وردة تقدم وجعل يضرب البطارقة من أعلى السور فلا يقع سهمه إلا في فؤاد أو في حدقة حتى قتل ثلاثين بطريقًا منهم من وقع إلى المدينة ومنهم من وقع إلى الخندق.
قال وكشف برج الباب.
قال وكان عدو الله مترقيس المتقدم ذكره صاحب المنجنيق أرمى خلق الله فجعل يعبر ويرمي.
فقال الناس لجميل بن سعد: أيها الغلام أبعد لئلا يصل إليك حجر المنجنيق فإنا نخاف عليك منه.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق