86
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال فكتفوا يوقنا والأربعين من بنى عمه وتزيا الصحابة بزي إياد الشمطاء وخرجوا من حران في الليل وطلبوا رأس العين فلما وصلوا إلى مكان يعرف بعلوا إذا بقرع حوافر الخيل فأخذوا أمرهم حتى وصلوا إليهم وإذا هم بأربعمائة عبد أسود وخمسين وهم يقرؤون القرآن وبعضهم يسبح فاستقبلهم سعيد بن زيد ومن معه وكبروا مثل تكبيرهم وقربوا منهم فإذا هم موالي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمقدم عليهم دامس أبو الهول رحمه الله تعالى وكان السبب في قدومهم أنه لما بعث عياض بن غنم كتابًا إلى أبي عبيدة يستنجده على القوم ويعلمه بمن قد اجتمع من الكفار بمرج رغبان.
فلما قرأ الكتاب أرسل دامسًا ومن معه لنصرة الإسلام وكانوا بسميساط وبلادها ومنذ فتحوها استمروا بها حتى جاءهم كتاب أبي عبيدة: فترك دامس على سميساط وبلادها من يثق به وجاء في العدة التي ذكرناها.
فلما لقيهم سعيد بن زيد سلم بعضهم على بعض وفرحوا باجتماع الشمل ونظر دامس إلى الجمال وعليها يوقنا وأصحابه.
فقال: أظفرتم بهؤلاء في طريقكم.
فقال سعيد: هذا يوقنا عبد الله وأعماله قد باعوا نفوسهم لله.
قال: فلما سمع أبو الهول كلام سعيد سجد لله على قربوس فرسه وأتى إلى عبد الله يوقنا وسلم عليه.
فقال له: مرحبًا بقوم طلقوا الدنيا بتاتًا وزهدًا وطلبوا مرضاة الله.
ثم إنه قال لسعيد بن زيد: يا صاحب رسول الله أشركونا معكم في هذه الحيلة.
قال: نعم ولكن اسحبوا هذه الجمال وأخفوا الدروع والعدد واحتزموا فوقها وسوقوا الجمال أمامكم كأنكم عبيدنا فإنه لا ينكر عليكم من رآكم.
قال: ففعلوا كما أمرهم سعيد وأخفوا سلاحهم في وسط الجمال وأقبلوا على سوقها فلما وصلوا إلى الزليخة نزلوا هناك ولبسوا وتدرعوا ونشرت الأعلام والصلبان التي كانت مع إياد الشمطاء وداروا بيوقنا وأصحابه وجعلوهم بينهم وساروا حتى قربوا من رأس العين فبعث سعيد رجلًا من حلفائهم إلى والي رأس العين يبشره بقدوم عاصم بن رواحة وإياد الشمطاء.
فلحا وصل إليه الرسول خرج بالمواكب إلى لقائهم وقد أعلمه الرسول بقدوم يوقنا أسيرًا ومعه أربعون من أصحابه فصاح الصائح بذلك فما بقي أحد إلا وخرج أمام الوالي والتقوا بالصحابة وهم بزي أصحاب إياد الشمطاء وقد داروا بعاصم بن رواحة وكان الوالي يحبه ويعرفه فترجل إليه وترجل عاصم وتعانقوا وأقبلت المواكب يسلم بعضها على بعض.
فقال الوالي: كيف أخذت هؤلاء وهذا المارق - يعني يوقنا - فقال له: إنا لما وصلنا إلى الفرات وعدينا خرج علينا برجاله فقاتلناه وقاتلنا فنصرنا المسيح عليهم بعد ما قتلنا منهم خمسين رجلًا وأخذنا هؤلاء وأنهزم الباقي.
قال: ففرح الوالي وأقبل على يوقنا يوبخه بكلام وهو لا يرد عليه والروم تشتمه وتسبه وهو لا ينظر إليهم ولا يكلمهم إلى أن دخلوا رأس العين وأمرهم أن يجعلوهم عند الأسارى في بيعة نسطوريا وقال لهم: احتفظوا بهم حتى نكاتب الملك ويرى فيهم رأيه قال: لجعلوهم عند خالد وأصحابه.
ثم إن عاصمًا قال للوالي: أنت تعلم ما بيننا وبين هؤلاء القوم من العداوة وإن كانوا عربًا مثلنا ونخاف أنك تجعل على حفظهم أحدًا من الروم أو من الأرمن وأن يتحدثوا معهم بإطلاقهم وتدخل المضرة على الملك وعليكم والصواب أن نجعل بعضنا في البيعة وبعضنا خارجًا فإنه من أتى إلى الجهاد لا يركن إلى الراحة فإنه من تعب في الدنيا قليلًا استراح في الآخرة طويلًا.
قال: فاستصوب الوالي رأيه وأنزله في البيعة هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضاف يوقنا إلى خالد.
قال الواقدي: فحصل ستمائة فارس من المسلمين.
قال الراوي: فلما استقروا في البيعة وجن الليل قام سعيد بن زيد إلى خالد وسلم عليه وبشره بالفرج.
فقال: يا ابن زيد لقد علمت بذلك منذ قيل إن يوقنا قد أتى به ومعه أربعون فنظرت بنور الإيمان فعلمت صحة ذلك.
قال: وإن الوالي بعث إلى الملك يبشره بأخذ يوقنا ومعه أربعون من أصحابه وقدوم عاصم بن رواحة ومعه خمسمائة من أصحابه فلما بلغه الخبر أمر بالبوقات فضربت فسمعت المسلمون بذلك.
فقالوا: ما ضربت البوقات إلا لأمر مهم إذ أقبل عباد بن بشير وهو متنكر وأتى إلى عياض بن غنم فلما رآه قام إليه وسلم عليه وقال: يا ابن بشير بم تبشرني أقر الله عينيك.
فلم يرد عليه شيئًا حتى خلا به وحدثه بجميع ما جرى فلما سمع عياض بشارة عباد بن بشير سجد شكرًا لله.
فقال عباد: أيها الأمير إن سعيد بن زيد ومن معه يسلمون عليك وعلى من معك ويقول لك أنجز المصف فلعل أن يفتح على يديك فما بينك وبين فتح رأس العين إلا أن تهزم القوم وقد فتحت.
فقال عياض: توكلنا على الله.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق