إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

84 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


84

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال الواقدي‏:‏ قال عياض بن غنم للصحابة‏:‏ اركبوا ودونكم والقوم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأمر خالد بن الوليد أن يكون بأصحابه في الميمنة من القوم وأمر عمر بن سالم أن يكون على يسار القوم وقال لهم‏:‏ لا تخرجوا حتى تشب نار الحرب وتشتغل بالطعن والضرب فاحملوا واعتمدوا على السيوف فإنها أقرب للحتوف وليكن شعاركم التهليل والتكبير واقطعوا أجل أمنيتكم من الحياة الفانية وارغبوا في العيشة الراضية وإياكم والميل إلى دار الغرور فإنها محل النوائب والثبور ‏{‏فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 33‏]‏‏.‏ وقفوا بهممكم وقوف قوم غذوا بحلاوة وصاله فصانوا أمرهم بالوقوف على طاعته فهاموا وتجردوا في الليل لخدمته وقاموا فأثنى عليهم إذ بحبه هاموا ‏{‏إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏30‏]‏‏.‏ قال فسار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الجهات التي ذكرنا وزحف الموحدون ونشرت الرايات والبنود وتواعدوا على اللقاء في اليوم الموعود وقالوا‏:‏ إلهنا ما لنا سواك من نصير فأنت ‏{‏نعم المولى ونعم النصير‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 40‏]‏ قال‏:‏ ووقع الصائح في عسكر الروم أن المسلمين قد زحفوا وأشرفوا‏.‏
قال فتبادروا إلى القتال وتمسكوا بقول المحال ولبسوا وتفرعوا وعن الآخرة نزعوا وإلى الصليب تضرعوا ورفعوا رايات الطغيان وتلت عليهم الإنجيل القساوسة والرهبان‏.‏
وفتحت لهم أبواب النيران عندما أشركوا بالرحمن وصار على جيشهم من الكفر شبه الدخان وصار إمامهم الشيطان وعلا منهم الضجيج ووقعوا في أمر مريج فلما نظر المسلمون إلى كثرة من اجتمع من قومهم استسلموا لحكم القضا وقالوا‏:‏ نرضى بما قدر وقضى فنودوا من سرائرهم قد اشترينا منكم النفوس فاصبروا لحكم الملك القدوس ولا تولوا الأدبار فقد سبق الحكم وانبرى وخط القلم في اللوح وجرى وكتب بأمر الله ‏{‏إن الله اشترى‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 11‏]‏ قالوا‏:‏ ما الذي اشتراه من له المنة قال‏:‏ ‏{‏أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 111‏]‏‏.‏
فقالوا‏:‏ نحن نريد التسليم لنصل إلى جنان النعيم‏.‏
فقيل لهم‏:‏ انهضوا إلى سوق المبيع فقد هبت بشائر الربيع وتجلى لقبض أرواحكم البصير السميع فسبحوه وسجدوا ورفعوا أصواتهم بتوحيده ومجدوا فلما أيقنوا بالوصال طلع لهم سهيل الحل وأزهرت شجرة الأحوال واستدار لهم رقيبه في فلك التيسير وناداهم ‏{‏إني بما تعملون عليم‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 51‏]‏ فلما سمعوا منادي الأفكار يناديهم بالعشي والأبكار بذلوا نفوسهم وأرضوا قدوسهم وجاهدوا واجتهدوا وحملوا واقتصدوا ونهلوا من نهر الشهادة ووردوا ولم يزالوا في حرب الأعادي وموارد الاجتهاد في مغاني ميادين الجهاد حتى خرجت الكمناء وهبت عواصف رياح الفناء فدمر ما كان شيده الكفار من البناء وانتشرت أستار ما أملوه من الأماني والمني فقتلت بينهم الصناديد وأصبحوا صرعى على وجه الصعيد وناداهم منادي التهديد ‏{‏إن عذابي لشديد} ‏[‏إبراهيم:7‏] {وما هي من الظالمين ببعيد}‏ ‏[‏هود‏:‏ 83‏]‏ ولم يزالوا في قتال الكفار إلى أن مضى النهار وأقبل الليل بالأستار والمسلمون يقولون‏:‏ يا ليتنا دام لنا النهار ولا غلبتنا جيوش الأعتكار وإذ قد ظهر لهم على أطناب سرادق القتال ولا الليل سابق النهار قال فلما مضى الليل بغياهبه وأقبل الصباح بجانبه بادروا إلى الحرب والطعن والضرب ولم يمهل بعضهم بعضًا دون أن وقعت الحملة على المسلمين فانهزم الجناح الأيمن وكان فيه أخلاط العرب‏.‏
قال وانهزمت ميسرة العدو ووقع فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل القتال فيهم إلى أن غلبهم الليل فانفصلوا فلما كان اليوم الثالث تولى الحرب خالد بن الوليد ورتب الناس ترتيبًا جيدًا وجعل في الميمنة باهلة وطبا وجعل في الميسرة عديًا ونميرا وفزارة وفي الجناحين كندة وعاملة ومرة وفي القلب أبطال الأنصار من ذوي الشدة والانتصار وجعل راية الميمنة بيد عامر بن سراقة وراية الميسرة بيد ضرار بن الأزور وراية الجناح الأيمن بيد عبد الرحمن الأشتر وراية القلب بيد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فلما رتبهم قال لهم‏:‏ اتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أنه متكفل بتأييدكم ونصركم وإياكم أن يؤتي المسلمون من قبلكم واتبعوا سنن الذين فتحوا الشام من قبلكم فمن ولى الأدبار كان مأواه النار وغضب عليه الجبار واعلموا أن الله فرض عليكم الجهاد وقتل الأعداء واعلموا أن الأحب إلى الله تعالى جل جلاله قطرتان‏.‏
قطرة دم جرت في سبيل الله وقطرة دمع جرت من خشية الله وهذا اليوم له من الأجر ما لا يعد فاتقوا الله عباد الله واثبتوا في هذه المواطن كما ثبتم في المواطن الكبار وإياكم والفشل فتذهب ريحكم وقوموا شريعة نبيكم واعلموا ‏{‏إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 153‏]‏ و ‏{‏لا يضيع أجر المحسنين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 120‏]‏‏.‏ وها أنا أنفرد بجماعة من إخوانكم إلى صليب القوم ولست براجع إلا بحطم من حوله من الكفرة والمشركين‏.‏
قال جل ذكره‏:‏ ‏{‏وكان حقًا علينا نصر المؤمنين‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 47‏]‏ فإذا رأيتم صليب القوم قد هوى إلى الأرض فاحملوا ولا تمهلوا‏.‏
قال فلما وعظهم خالد رتب كل صاحب راية في موضعه وانتخب من انتخب من أبطال المسلمين وقال للناس‏:‏ إذا رأيتم الصليب قد وقع فاحملوا والله ينصركم وحمل هو ومن معه وقصدوا لواء شهرياض الأعظم فما ردهم عن حملتهم كثرة العساكر‏.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق