273
تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها
الباب الثاني في أخلاق البدو وعاداتهم وخرافاتهم
الفصل الثالث في عاداتهم
9 - أفراحهم
" الزواج بين الأقارب " وبدو سيناء كسائر البدو يحبون الزواج الباكر والزواج بين الأقارب و وسن الزواج عندهم سن البلوغ . وأقرب قريبات الرجل التي يحل له زواجها بنت العم . فإذا بلغ الرجل تخير واحدة من بنات عمه أو من بنات قبيلته وقلما مال إلى غيرهن , وإذا مال تخير من الأنساب كفؤا له فإن احترام البدو للنسب عظيم .
والرجل يخطب البنت من أبيها أو وليها رأسا بلا واسطة أو بواسطة أبيه . وأما البنت فإذا كانت بكرا فلا يؤخذ رأيها في خاطبها بل لا بد لها من الرضى بمن رضي به أبوها أو وليها . وإذا كانت ثيبا فلا بد من سؤالها ورضاها بمن تقدم لها .
" المهر " ومهر بنت العم من جمل إلى خمسة جمال . ومهر الأجنبية من خمسة جمال إلى عشرين جملا , ومهر بنت العم في اصطلاح النجمات اللحيوات : " لبني ومربوط وجنيهاه "
" القصلة " وإذا رضي أب البنت أو وليها بالخاطب أخذ غصنا أخضر وناوله إياه وقال : " هذه قصلة فلانة بسنة الله ورسوله . إثمها وخطيتها في رقبتك من ص 387
الجوع والعري ومن أي شئ نفسها فيه وأنت تقدر عليه " فيتناول الخاطب القصلة ويقول " قبلتها زوجة لي بسنة الله ورسوله "
" البرزة " ومتى أخذ الخاطب قصلة عروسه نصب له أهله خيمة على نحو 50 مترا من خيامهم تدعى " البرزة " وزفوا إليها العروسة بالغناء والزراغيد . ومن غنائهن في هذا المقام للعروس " " عروس مباركة . وكعيبها أخضر " . وللعريس : " طبنجاته باذنجان وسيفه عجورة محنية "
وإذا كان مخيم أهل العريس بعيدا عن مخيم أهل العروس ذهب العريس مع بعض أهله واحضروا إلى مخيمهم وأدخلوها " البرزة " . وأدخلوا معها أقرب قريباتها . وأما سائر النساء فيجلسن خارج البرزة مع الرجال .
" النقوط " وأقارب العريس يقدمون له الهدايا من الغنم والقمح والدراهم على سبيل النقوط " . وهي دين عليه لا بد له من وفائه فإذا لم يفه من نفسه طولب به .
" الذبائح " ويذبح أهل العريس الذبائح من الغنم لأهل الفرح عند باب البرزة على زراغيد النساء . ثم يطبخون أصناف الأطعمة المحبوبة عندهم فيأكلون ويشربون القهوة . ثم يبعدون قليلا عن البرزة ويلعبون الدحية والسامر إلى ما بعد نصف الليل .
" شهر العسل " وفي أثناء اللعب يخرج النساء من البزة فيدخل العريس على عروسه ويمكث معها في البرزة من يوم الى ثلاثة أيام . والعادة عندهم أن العروس تفر من البرزة قبل مضي ثلاثة الأيام الأولى وتبعها العريس ويقيم معها في الخلاء بعيدا عن مخيم قومه . وأهله يرسلون لهما الطعام مدة أسبوع إلى شهر . وفي أثناء ذلك ينصبون لهما خيمة بجانب خيامهم ويفرشونها بالفرش والغفور وغيرها ثم يذهب أحدهم ويأتي بهما إلى منزلهما الجديد .
والمرأة لا تأكل مع زوجها على مائدة واحدة حياء ولا تناديه باسمه بل تكنيه باسم ولده البكر ذكرا كان أو أنثى فتقول " يا أبا فلان أو يا أبا فلانة " , وإذا لم يكن له ولد كنته باسم أبيه . وتحلف المرأة برأس أبيها لا برأس زوجها وبذراع ولدها فتقول : " من رأس أبي " أو " من ذراع ولدي " أو تقول " وحياة ضعوفي " أي أولادي ص 388
" الصبي والبنت " وأهل البادية كأهل الحضر يفرحون للصبي ويتكدرون للبنت , وليس عندهم مولدات بل المرأة تولد نفسها أو تولدها أقرب قريباتها . وقد تلد البدوية وهي سائرة في الطريق ولا رفيق معها فتلف ولدها " بمزفر ط وتستطرد السير إلى أن تصل أهلها .
أما " المزفر " فهو خرقة مربعة مستطيلة من شعر يشد إلى كل من طرفيها " عود " ويعقد الطرفان بجبل فإذا سارت الوالدة جعلت ولدها بالمزفر وعلقته برأسها .
أخبرني محمد النخلاوي قال : " إنه كان في قلعة النويبع ومعه امرأته البدوية واثنتان من قريباته وكانت امرأته حاملا فخرجت ليلة إلى شاطئ البحر ولم تغب نصف ساعة حتى عادت والولد في كمها ودخلت البيت فنامت إلى صباح اليوم التالي , فقامت ووضعت الولد في المزفر وسرحت في غنمها "
" تسمية الأولاد " وهم يختنون الأولاد ويسمونهم قبل ختانهم .
" البدوية والحضر " على أن بنات البدو يأنفن التزوج بالحضر حبا بالبداوة وحريتها . أخبرني حضري تزوج ببدوية من بنات اللحيوات وبني لها علية في نخل فكانت تمل من الإقامة في الحضر وتقول له " بحياة والدك يا أبا محمد تطلقني أسرح في الخلا " فتذهب إلى أهلها وتقيم عندهم أياما ثم تعود إليه . ولكن أكثر رجال نخل الذين يتزوجون من بنات البدو يتركونهن في البادية لرعي أغنامهم .
ومن البدويات من لابمكن إقناعهن بالتزوج بالحضر في أي حال كان : أعطى سلامة جمعة من اللحيوات الخناطلة قصلة بنته البكر إلى شمس اسماعيل من أهالي نخل وأخذ مهرها منه بدون أن يسألها على عادة الأب في تزويج بنته البكر . فلما جاءوا يزفونها إليه فرت منهم ولم تدخل البرزة لحقوها وحملوها على جمل وأدخلوها البرزة بالرغم عنها . فأغمي عليها . ولما أفاقت قالت لو قطعت إربا ما أتزوج حضريا . ثم غافلتهم وفرت إلى الجبال وكان ذلك سنة 1905 . وفي شرع العرب أنه إذا بقيت البنت مصرة على رفض زوجها سنة بطولها حل للقاضي طلاقها . فما زالت هذه البنت تفر من جبل إلى جبل حتى مضت السنة , وسمعت بان مدير المخابرات المشرف على حكومة ص 389
سيناء في رفح فجاءت إليه متظلمة وقالت : " إن كان الحضري قد تزوجني بسنة العرب , فقد مضى على زواجي به السنة وأنا لا أريده فوجب عليه طلاقي بشرع العرب , وإن كان قد تزوجني بالشرع الشريف فكان الواجب على أبي أن يسألني قبل أن يرضى به وأبي لم يسألني وعليه فأنا طالقة منه على الحالين " قلت لها " أراك قد نفرت من الرجل قبل اختباره فلربما لو خبرته كان أصلح لك من كل بدوي خصوصا وأنه يحبك حبا جما وهو رجل ذو يسار يريحك من رعي الأغنام وشظف العيش في البادية . فأجابتني بنحو ما أجابت به أختها البدوية منذ أجيال : "
لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصر منيف
وقد علمت من بعض ذويها أنها علقت بحب ابن عم لها فبعثها مدير المخابرات بكتاب إلى قاضي نخل لتحقيق أمرها وعدم إجبارها على الزواج بمن لا تحب . فحكم القاضي بطلاقها وتزوجت بابن عمها .
" واجبات الزوجين " ولكل من الزوجين واجبات قررتها العادات والتقاليد . أما الزوجة فعليها غزل الشعر والصوف . وحياكة الخيام والأخراج والغرائر والفرش . وجلب الماء من الآبار والعيون والحطب من الأودية . وطحن الحبوب , والعجن , والخبز . وحلب الإبل والأغنام , والخض " استخراج الزبدة من اللبن " ورعي الأغنام عند الاقتضاء .
وأما واجب الزوج فهو رعي الإبل وجلب الغلال والغنم وأحجار الرحى والفحم والغربال والصاج والحمار . ومن الثياب على قدر الطاقة , فإذا قصر أحدهما بشئ من واجباته نحو رفيقه ألزمه " العقبى " به كما سيجئ .
وقالوا وأحب خصال المرأة عند البدو الخصال التي اشتهرت بها وضحة زوجة نمر بن عدوان من قبيلة العدوان ببر الحجاز وهي :
أنها لم تكن تنام قبل رجوع زوجها إلى منزله . ولم تكن توليه ظهرها ما دامت في حضرته بل كانت إذا أحبت الإنصراف توليه وجهها وترجع القهقري . ولم تكن تقترض شيئا من جارتها مهما اشتدت حاجتها إليه , ولم تكن السامر ولا 390
الدحية . وما قالت لزوجها " لا " طول عمرها بل كانت تطيعه بكل أمر . وما زارت أهلها قط إلا برأيه وارادته . وما استطاع أحد من الطائشين أن يراودها " . قالوا وكان زوجها يحبها حبا جما فلما ماتت شق عليه دفنها في التراب فأنشد يقول : ـ
كيف العزار والصبـــــــر يا حج يا سليم في الصاحب اللي ما مشى في نكــــــــدها
الله ما أصبرني صبرت أمس واليـــــوم والصبــــر مرمرني وريقي عقــــــــــــدها
ولئن خيروني بين بدو وحضـــــــــران لاختـــــأر وضحة نــــور عيني وحـــــدها
لئن جئــــــــت زعلان لنها تســــــليك مثـــــــل الشفـــــوق اللي تلهله ولــــــدها
وإن سمعت السمــــار ما بين فريقين ما شقت الفرقان تــــــــذرع بيــــــــــــدها
و لا عمرها وافقت كل شمشــــــــول و لا عمر أبو العمــــــــلات كبر جهــــدها
سايق عليك الله يا حـــــأفر الأساس لو أنك توسع لهــــــــا في لحـــــــــــــدها
" حكاية قوت وفهيد " وعند نزولنا في عرب أولاد سعيد سنة 1905 طلبت من أحدهم أن يقص علينا حكاية من حكاياتهم فقص علينا رواية " قوت وفهيد " قال : كان في إحدى قبائل نجد فارس مشهور بالشهامة والإقدام يدعى " فهيدا " . وكان في قبيلة أخرى تجاورها غادة مشهورة بالفصاحة والجمال تدعى " قوتا " فكان كلما التقى فهيد برجل وجرى ذكر النساء يقول له لا يصلح لك زوجة غير قوت . وكذلك كلما إلتقت قوت بامرأة وجرى ذكر الرجال تقول لها لا يصلح لك زوج غير فهيد . ولم تكن قوت تعرف فهيدا ولا فهيد يعرفها . فتولد في قلب كل منهما حب االآخر وشوق لرؤيته . " والأذن تعشق قبل العين أحيانا " .
وكان لقوت جارية تعرف مورد فهيد فأخذت جاريتها وأتت بها إليه . فاتفق أن فهيدا لم يرد الماء في ذلك اليوم ولكن وردها أخوه وهو فتى صغير فتقدمت إليه قوت وقالت له أأنت شقيق فهيد الفارس المشهور قال نعم فدنت منه وقبلته قبلة وقالت : " هذه لك " . ثم قبلته قبلة ثانية وقالت : " هذه لأخيك فهيد " وعادت إلى قبيلتها. فذهب الولد وأخبر أخاه بما كان فاشتعل إذ ذاك فهيد حبا وأخذ يسعى إلى رؤية قوت والاحتماع بها فلبس لبس راع ودخل قبيلة قوت وقال فقدت " ناقة " لي ص 391
وجئت أفتش عليها بين نياقكم . فقالوا هذه إبلنا ففتش على ناقتك بينها .فدخل فهيد بين الإبل وكانت قوت هناك فلما رآها لم يشك أنها هي لفرط جمالها ورشاقة قدها . فتقدم إليها وحياها بأبيات جميلة فعرفت أنه فهيد فردت عليه التحية شعرا أحسن رد . وخاف فهيد إذا أطال المكث أن ينكشف سره فودعها مرغما وبعث يخطبها من أبيهابأي مهر شاء . وكان لقوت ابن عم لها يريد الاقتران بها وكان أبوها راضيا به فرفض طلب فهيد ولكنه خاف بطشه فنقض خيامه وسار راحلا إلى أرض بعيدة , فركب فهيد فرسه ولحق بالقوم وأخذ منهم قوت عنوة وهي في هودج على جملها وسار بها قاصدا قومه . وفي الطريق قالت قوت أخاف يا فيهيد إذا تزوجتني على الرغم من أهلي أن يعير العرب أولادنا بأنهم أولاد " قلاعة " . فالرأي أن تردني إلى أهلي وتسوق " الجاهة " إلى أبي فيزوجك برضاه وأنا أعدك وعد حب صادق أني لن أرضى بأحد غيرك قرينا لي . فاقتنع بوجاهة رأيها وردها إلى أهلها . فلما دخل الظعن رماه عمها وطفان برمحه غدرا فقتله . فحزنت عليه قوت حزنا شديدا ثم أخذت تندبه وترثيه بالأشعار وقد انقطعت عن الطعام والشراب إلى أن ماتت ومن قولها فيه :
يا طيور حومه يا طـــــوال الصنــــاقير أوصيكم عن فهيـــــــــد لا تنقدنه
ياكم عـودة طـــــوح لها الرمح تطويح وأعطي اللحـــم لعشوشكم تنقلنه
ومنه :
يا عمي يا وطفــان ما بي خــــــــلاف وابكي صبيــــا يدفق السمن يمناه
يا عمي يا وطفــان ما بي خـــــــلاف وابكي صبيـــــا يذعر الخيل طرياه
يا ونتي ونة ثلاث الهــــــــــــــرافي اللي جلــــــــــــود حيرانهم مبــواه
يا ونتي ونة عجـــــــــوز كبيــــرة وشافت ولــــدها سبق الخيل تنحاه
يا ونتي ونة شـــــــايب على الدار والبــــــدو شايل عنه وخــــــــــلاه
يا ونتي ونة طيـر الخلا لو انطاح والدم من كل الجــــــــــــــوال يبراه
يا ونتي ون الظمــــايا على البير وحيضــــــان يبس وصفيهن تلاظاه
يا الله تجيبوا مفرشي واللحــاف وهاتوا هوية الزمل مشيه مداناه ص 392
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق