إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 1 يونيو 2014

263 تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها الباب الثاني في أخلاق البدو وعاداتهم وخرافاتهم الفصل الثاني في أخلاقهم



263


تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها

الباب الثاني في أخلاق البدو وعاداتهم وخرافاتهم

الفصل الثاني في أخلاقهم

أشتهر البدو في كل زمان ومكان بحب الضيافة , والكرم والغزو والنجدة والأخذ بالثأر , ومراعاة الجار وتعظيم الجميل وتكريم الإبل , واحترام العرض , والوفاء بالعهود والافتخار بالنسب والشجاعة وعلو الهمة وبذل المعروف والأنفة وعزة النفس وعدم احتمال الضيم  وكره التقيد بنظام . والجاءة في طلب الحق والأريحية وحب المساواة والحرية والشورى في الشؤون العمومية .

  وترى أثر هذه الأخلاق كلها في بدو سيناء لكن ضعف حالهم وقلة عددهم    ص   367

يفقدانهم رونق هذه الأخلاق فلا تراها رائعة متأصلة فيهم كما في بدو مصر والشام .

  وبدو التيه أعرق في البداوة من بدو الطور والعريش لكنهم ليسوا أكرم أخلاقا ولا أطيب أعراقا منهم ولست أذكر أخلاقهم هنا خلقا خلقا ولكني أذكر ما خبرته بنفسي من تلك الأخلاق .

  " الضيافة " وأول خلق رأيته فيهم حب الضيافة فإذا أقبل الضيف أنزلوه على الرحب والسعة وأضافوه بالتناوب إلا إذا كان عزيزا لديهم جميعا فإنهم لا يراعون النوبة ويتسابقون إلى ضيافته , فإذا اختلفوا في من يضيفه رفعوا الأمر إلى كبير القوم وهو يسمى المضيف وحكمه نافذ . وقد اتفق لنا في رجوعنا من دير طور سيناء في يناير سنة 1905 أننا مررنا على مخيم الشيخ صالح شيخ قبيلة أولاد سعيد فاستقبلنا أهل المخيم واختلفوا في من يضيفنا وكان الشيخ موسى أبو نصير كبير مشايخ الطورة معنا . فرفعوا الأمر إليه فقضى بأن نكون ضيوف الشيخ صالح لأنه حضر معنا من الدير فذبح خروفا وسلقه وطبخ بمرقه أرزا وجعل الأرز في قصاع من خشب وجعل في كل قصعة بضع قطع من اللحو وفي قصاع اخرى أرغفة من الخبز . وكان قد حضر إلى خيمة الضيوف جميع رجال المخيم فجلسوا حول القصاع فئات كل فئة حول قصعة . فأكل الجميع إلا المضيف فإنه بقي على خدمة الموائد إلى أن فرغ الجميع فأكل ووزع ما بقي من الطعام على النساء فأكلن في خيامهن . والعادة أن كبير الضيوف يرسل من قصعته نصيبا من اللحم إلى راعية البيت إذ النساء لا يأكلن إلا فضلات الرجال .

  ومما يذكر أن اليدين والرجلين ولحم الرقبة ولحم البطن لا تقدم على موائد الرجال بل تحفظ للنساء قالوا ويعد تقديمها على موائد الرجال إهانة لهم . وبعض العرب لا يحتفلون بالذبيحة إلا إذا رأوا راسها على المنسف ومنهم عربان ضبا والمويلح ولكن عربان سيناء يتركون الرأس للنساء ويجعلون الكبد على المناسف بدل الرأس .

  " العداية " ومما يذكر عنهم في هذا الصدد ما يعرف " بالعداية " وهي ما يأخذه المضيف من غنم جاره لإكرام ضيفه . فإذا فاجأ البدوي ضيف ولم يكن عنده ما يضيفه به فله أن يأخذ رأسا من قطيع جاره سواء كان من قبيلته أو من غير قبيلته       ص  368

ليذبحه للضيف , بل له أن يعدو على قطيع جاره ولو كان الضان والمعزى ملء داره . بل لا يشترط أن تكون الذبيحة التي أخذها من قطيع جاره أليق للذبح مما عنده ولكن يشترط رد مثل الذبيحة في مدة أربعة عشر يوما . ومن أمثالهم " الكرم سداد " . فإذا لم يرد المضيف العداية في هذه المدة حق للجار الوثاقة عليه أي الإغارة على غنمه وحجز ما أمكنه منها حتى يسترد العداية .

  ومن عادة المضيف إن يلطخ رقبة جمل ضيفه بدم الذبيحة حتى إذا ما جاء أحد يطلب الوثاقة منه لا يقرب هذا الجمل احتراما للضيافة .

  " الإباء والحرية " ومن أجمل ما رأيت في أخلاقهم الإباء والحرية في القول والعمل : رأيت في بلدة نخل رجلا من عامة البنيات التياها يدعى سلام أبو عكيرش كان يخاطب حاكما أعجبه حكمه فقال " أنت كبيري أنت راجل حق تخاف منك العرب . العرب جبابرة .الهين ما يحكمهم " . وخاطب حاكما لم يعجبه حكمه فقال " أنا عارفك وكل الناي تقول أنك لا تصلح للحكم ووكيلك خير منك " .

  وحكي عن هذا الرجل نفسه أنه اسـتأجره بعض العسكر لجلب بعير له من مرعى على عشرة أميال من نخل بأجرة ريال واحد فذهب في أثر للبعير فلقيه على نحو خمسة أميال من البلدة فأتى به إلى صاحبه وقال له أنه لقيه بمحل كذا فما استحق غير نصف الأجرة التي اشترطها لنفسه وأبى أن يأخذ إلا نصف الأجرة .

  واستأجره رجل من نخل لينظف له أرضا يريد زرعها على أن يدفع له ريالا مصريا فلما نظف الأرض وجد أن الشغل أيسر مما ظنه فقال لصاحب الأرض أن الشغل في أرضك لا يستحق ريالا فخمسة عشر غرشا تكفيه وأبى أخذ الزيادة .

  وترى البدوي يخاطب شيخه ويعامله كأنه مثيل له بلا تهيب ولا مداراة .

  " الفروسية " وهم يعظمون الفارس الشجاع ويسقون أطفالهم من ريقه وذلك بأن يأخذ الفارس ريقه بحد السيف ويلقمه الولد أو يلقم الولد الريق رأسا في فمه .

  وهم يغنون في سيرهم إلى القتال الأناشيد الحماسية ومن ذلك قولهم :

اللي يموت خليه يموت . خليه يزور المقبرة . يا بيض لا تحدن عليه , وقولهم :    ص  369

عيب على اللي ما يحضر المنايا     ويشتري في سوقها ويبيع

والعز في ظهـــــــــــور الصفايا      والعمـــــــر عند الله وديع

  " قتالهم " وإذا أرادوا الغزو ركبوا الهجن وقصدوا العدو حتى يصلوا إلى مقربة منه فيأتون خورا أو منخفضا من الأرض ويبركون الإبل ويعقلونها ويجعلون عندها بعضهم لحمايتها . ثم يتقدمون صفا واحدا حتى إذا ما رأوا العدو أطلقوا عليه نيرانهم فإذا فرغت النيران حملوا بالسيوف حملة صادقة فلا يعودون إلا ظافرين أو منكسرين .

  وفارسهم في ساحة القتال يتكنى باسم أخته أو بنته فيقول أنا أخو فلانة وأنا أبو فلانة وينادي " الذبح . الذبح " .

  " احترام العرض " وقصاص الزاني عندهم القتل . وأما مزينة والتياها فيقبلون الفدية .

  " الأخذ بالثأر " وأهم ما اشتهر به البدو وتحققته في بادية سيناء الأخذ بالثأر فما يموت لبدوي ثار مهما قل شأنه أو مهما طال عليه العهد , وإذا مات قبل أن يثأر من خصمه خلف الثار لابنه ولنسله من بعده . لكنه قد يعرف حقه ويتركه.

  حدثني القائمقام محمد بك كامل قومندان جزيرة سيناء سابقا قال : اختصم موسى بن نصار من عرب أولاد سعيد مع عيد بن محمد من عرب العليقات سنة 1905 على جمال ورفعا الأمر إلى فدافع موسى عن حقه بكل حماسة وشدة وأقسم أن لا يرجع عن خصمه حتى يثبت حقه فلما قال الخصم لك عندي هذا الحق يا أبا فلان خمدت ناره وسكن جاشه وأجابه على الفور لقد تركته لك .

  " النجدة " ومن أكبر المعايب عندهم أن يفر الرجل من القتال أو يجبن عن نجدة رفيقه أو يسرق مطمورة جاره فمن فعل هذه الجرائم كلها أو واحدة منها احتقر ورذل ورفضت البنات زواجه . قالوا وإذا دخل مجلسا ووزعت القهوة على الجلوس مد الساقي يده بالفنجان موهما أنه يقدم له القهوة حتى إذا ما مد يده لتناول الفنجان كبه الساقي في الأرض استخفافا به واحتقارا لشأنه فينصرف من المجلس من غير أن ينبس ببنت شفة وفي غالب الأحيان يرحل إلى بلاد لا يعرف أحد فيها بجنايته .

  ومما يدل على مروؤتهم وحبهم النجدة ما حكاه لي الشيخ ابراهيم أبو الجدائل   ص   370

المار ذكره قال : " إن رجلا من القرارشة يدعى حسن أبو نميرة استدان مني 12 بنتو فطالبته مرارا فلم يفها وفي كل مرة يعتذر بالعدم . فلما كانت سنة 1900 ذهبت إلى غوطة فيران في موسم البلح لتحصيل ديوني من العربان فوجدت حسن أبو نميرة هناك فطالبته بالدين فاعتذر بالعدم كعادته . فسألت قومه عن حاله فأقسموا أنه لا يملك شيئا غير الثوب الذي عليه . فقلت لهم إذا أنتم أهله تفون دينه لإني أنا لم أقرضه مالا إلا لقرابته بكم . فقالوا ولكنا نحن لم نكفل لك دينه ولا سألناك أن تقرضه ,قلت إذا فاحسبوني واحدا منكم وتحملوا الخسارة معي . قالوا " المفرط أولى بالخسارة " . فلما ضاقت بي الحيل قلت أريد منكم شيئا بدل مالي وهي أن تربطوا عمتي هذه في رقبته فأقوده بها من أول فيران إلى آخره , قالوا لأي شئ تفعل ذلك ؟ قلت أريد أن أقوده إلى العوارمة لعلهم يفتدونه بوفاء دينه . فقالوا أنسمح بابن عمنا أن يجر كالخروف إلى قبيلة أخرى ثم قام واحد منهم وقال على باثنين بنتو من دينه . فقام الحاج موسى أبو خشني وقال على بالدين كله يا أبا الجدايل ووفاه عن آخره . " 

  هذاومع تغلب هذه الأخلاق العالية في البدو فإنك قد تجد فيهم الكذب والخداع والغدر والخيانة والجبن كسائر الناس خصوصا إذا اختلطوا بالحضر .

  ومن وصايا البدو التي تدل على أخلاقهم : ـ

احفظ وصــــــاتي يا ولد يــــــوم بوصيك     وإن شلتها تصبــــــح كثير الربوح

أوصيك عن جارك وضيفك واللي يعانيك      تدر عليهم در حمـــــــــــرا مسوح

أوصيك عن بنت اللاش لو كـــان تهنيك      يطلع ولده مثـــــــــل طيــر شنوح

أوصيك خذ بنت سبع ولو كـــان يعاديك      وإن قضيته حســــــــــب ما يروح

  ومن وصاياهم : ـ

أوصيك يا ولـــــــــــدي مبـــــــــارك   وحيــــــــاة اللي كبيـــــــره غاب عنه

أوصيك عن واجــــــــــب طنيبـــــك    وسيـــــــور الظعــــــــون يفارقنـــــه

أوصيك عن سنـــــــــــك سلاحـــك     تجيـــــك أوقـــــــات ما تقدر تسنـــه   ص  371

أوصيك عن حــــــــــزب المخالف     وسيــــــــور الديـــــــون يخلصنـــــه

أبعد عن عدوك يــــــــوم يعاديك      وإن تابعك اضـربه ضرب ما فيه كنه

   ومن أقوالهم في تكريم النسب :

إنســــب وليــــدك إنســـــبه     والنــــــأر من مقبــــــــاسها

والعــــز في اوراك النســـا      اللي بعيــــــــــــــد ســــاسها

والجري في ربع اليضـــــا      والخيــــــــل في أســـــداسها



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق