إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1196 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> أرازموس الرائد -> المشائي 2- المشائي




1196


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> أرازموس الرائد -> المشائي

2- المشائي


وبعد إقامة بضع شهور في باريس نشر أول عمل هام له وهو مجموعة أقوال مأثورة وتضم 818 مثلا أو شاهداً، معظمها لمؤلفين من القدامى. وكان إحياء المعرفة. أي الأدب القديم- قد وضع تقليداً دارجاً بأن يزين المرء آراءه باقتباس من مؤلف يوناني أو لاتيني، ونرى هذا التقليد بصورة متطرفة في مقالات مونتيني وفي كتاب "تشريح السوداء" لبرتون. وتريث هذا التقليد في القرن الثامن عشر في عهد الخطابة الجدلية بإنجلترا. وأرفق أرازموس كل قول مأثور بتعليق، يشير عادة إلى الاهتمام السائد ويمليه ذكاء يمتزج بالسخرية والهجاء. وقد علق قائلا: "ورد في الكتاب المقدس أن القسس يلتهمون خطايا الناس فيجدون أن الخطايا عسيرة الهضم ولا بد من أن يرتشفوا أحسن الأنبذة للخلاص منها". وكان الكتاب نعمة للكتاب والمتحدثين وبيع منه الكثير لمدة عام استطاع فيه أرازموس أن يعول نفسه دون الاعتماد على أحد. وعلاوة على هذا فإن كبير الأساقفة وارهام استحسن الكتاب على الرغم من لذعاته وأرسل للمؤلف مبلغاً من المال على سبيل المنحة وعرض عليه الإقامة في إنجلترا. ومهما يكن من أمر فإن أرازموس لم يكن على استعداد لترك القارة والإقامة في جزيرة وفي الأعوام الثمانية التالية

نشر بضع نسخ منقحة من الأقوال المأثورة وزاده إلى 3260 نصاً مدوناً وظهرت له في حياته ستون طبعة وصدرت له ترجمات عن اللاتينية الأصلية إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والهولندية وكلها من أكثر الكتب رواجا في عصرنا.
وعلى الرغم من هذا كله كانت الظروف غير مواتية والطعام لا يكتفي واشتد بأرازموس الضيق فكتب (12 ديسمبر عام 1500) إلى صديقه جيمس بات وكان مريبا لابن ليدي آن أف فير يسأله: "أرجو أن تشير لها إلى ما سوف أحققه لها بتعليمي من جاه يزيد عما يحققه لها القسس الآخرون الذين تحتفظ بهم. إنهم يتلون عظات عادية أما أنا فأكتب ما يعيش إلى الأبد. وهم بلغوهم السخيف لا يسمعون إلا في كنيسة أو اثنين أما أعمالي فسوف يقرؤها كل من يعرف اللاتينية واليونانية في كل بلد من بلاد العالم. وما أكثر رجال الدين غير المتعلمين في كل مكان أما أمثالي فقلما يجود بهم الزمان. أرجو أن تكرر كل هذا لها ما لم تكن كثير الوساوس فلا تستطيع أن تقول بعض الكذبات من أجل صديق".
وعندما فشلت هذه المفاوضة كتب مرة أخرى يقترح أن يقول بات للسيدة أن أرازموس يوشك أن يكف بصره ثم أردف قائلا: "أرسل لي أربع قطع ذهبية أو خمسا من مالك الخاص على أن تستردها من مال الليدي". ولما لم يقع بات في هذا الشرك كتب أرازموس مباشرة إلى السيدة وشبهها بأنبل البطلات في التاريخ وأجمل محظيات سليمان وتنبأ لها بشهرة خالدة. واستسلمت لهذا الزهو الأخير وتلقى أرازموس هدية مادية واستعاد بصره. وكان يغتفر للكاتب طبقاً لتقاليد هذا العهد أن يطلب معونة من يرعونه لأن الناشرين لم يكونوا على استعداد وقتذاك لمؤازرة المؤلفين ولو كان لهم قراء عديدون. وكان في استطاعة أرازموس أن يحصل على مرتبات وأسقفيات بل ومنصب كاردينال ولكنه رفض هذه العروض المرة

تلو المرة لكي يظل "رمحاً طليقاً" متحرر الفكر وفضل أن يستجدي ويكون حراً ولا يفسد وهو يرسف في الأغلال، وانتقل إلى لوفان عام 1502 فراراً من الطاعون فعرض عليه أوربان الاوترختي مدير الجامعة منصب أستاذ ورفض أرازموس وعندما عاد إلى باريس استقر فيها ليكسب عيشه بقلمه- وهي واحدة من أحدث المحاولات الأولى في هذا المشروع المتهوس. وترجم خطب سيشرون وهيكوبا ليوروبيدس ومحاورات لوشيان، وليس من شك في أن الفيلسوف الشاك الظريف أسهم في تشكيل عقلية أرازموس وأسلوبه. وقد كتب أرازموس عام 1504 إلى صديق له: "عجبا! بأي ظرف وبأي سرعة يعالج لوشيان ضرباته فيحول كل شئ إلى سخرية ولا يترك شيئاً يمر دون أن يسخر منه. وأقسى ضرباته موجهة إلى الفلاسفة... نظر إلى دعاواهم غير الطبيعية وإلى الرواقيين بسبب عجرفتهم التي لا تحتمل... وهو لا يجد حرجا في السخرية من الآلهة ومن هنا خلع عليه لقب ملحد - وهو شرف رفيع أضفاه عليه الزنادقة أصحاب الوساوس".
وفي زيارة ثانية لإنجلترا (1505 -1506) انضم إلى كوليت وقاما بالحج إلى ضريح سانت توماس في بيكيت بكانتربري وسجل وصفا لهذه الرحلة بأسماء مستعارة وذلك في إحدى محاوراته. ولقد روى لنا كيف أساء جراتيان (كوليت) إلى دليلهم الراهب عندما أبدى رأيه وقال: "إن قدراً ضئيلا من الثروة التي تستخدم في تزيين الكاتدرائية يمكن توجهها لتخفف وطأة الفقر في كانتربري"، وروي أيضاً كيف عرض عليهم الراهب لبناً قال إنه من ثدي العذراء و"قدرا مذهلا من العظام" لا بد من تقبيله باحترام وكيف عصى جراتيان فرفض أن يقبل حذاء قيل إن بيكيت لبسه وكيف عرض الدليل على جراتيان قطعة قماش يزعمون أن القديس استعملها في تجفيف

جبينه وفي أنفه كما لو كانت منة عظمى وتذكارا مقدساً، وظل يسوق الحجج والبراهين على هذا فقطب جراتيان جبينه وتمرد. وعاد العالمان بالإنسانيات إلى لندن وهما يأسفان على الإنسانية.
وهناك أسعد الحظ أرازموس إذ كان طبيب هنري السابع يعتزم إرسال ولدين له إلى إيطاليا فعهد إلى أرازموس بمرافقتهما "كدليل عام ومشرف" وأقام مع الولدين عاما في بولونيا وأخذ يلتهم المكتبات ويضيف كل يوم جديدا إلى اشتهاره بحبه للعلم والمعرفة واللسان اللاتيني. وكان إلى ذلك الوقت: يرتدي مسوح أوغسطيني-وهو عبارة عن ثوب أسود ومعطف وقلنسوة وقبعة بيضاء يحملها عادة على ذراعيه ولكنه في عام (1506) نبذ هذا الزي واستبدل ثوب كاهن علماني أقل وضوحا وادعى أنه حصل على إذن بهذا الاستبدال من البابا يوليوس ثم أقام في بولونيا كأنه فاتح عسكري غير أنه عاد إلى إنجلترا عام 1506 لأسباب لا نعرفها وألقى محاضرات في اليونانية بجامعة كمبردج بيد أننا نجده يعود إلى إيطاليا عام 1508 وبعد طبعة موسعة لمجموعته في الأمثال السائرة لمطبعة الدوس مانوتيوس في البندقية. وعندما مر بروما(1509) فتنته عيشة الكرادلة الرغدة وأخلاقهم السامية وثقافتهم الرفيعة وسر من - كما أن لوثر كان قد فجعته بروما في السنة الماضية - الغزوات التي قامت بها الموضوعات والوسائل الوثنية في عاصمة العالم المسيحي. ومما استاء له أرازموس كثيرا سياسة يوليوس الثاني العسكرية وحدته ومطارداته وهو يتفق في هذا مع لوثر ولكنه يتفق أيضاً مع الكرادلة الذين كانوا يرحبون بحرارة بكثرة تغيب البابا العنيد ورحبوا بحضور أرازموس لاجتماعاتهم وعرضوا عليه منصباً دينياً إذا أقام في روما.
وما كادت تطيب له الإقامة من المدينة الخالدة حتى أرسل له ماونتجوي

رسالة يبلغه فيها أن هنري السابع مات وأن صديق علماء الإنسانيات أصبح هنري الثامن وأن الأبواب والمناصب الرفيعة جميعا ترحب الآن بأرازموس إذا ما عاد إلى إنجلترا. ووصلت مع خطاب ماونتجوي رسالة من هنري الثامن نفسه: "بدأ تعارفنا عندما كنت صبيا. وقد ازداد الاحترام الذي تعلمت أن أكنه لك بفضل تنويهك المشرف بي في كتاباتك وبالطريقة التي استخدمت بها مواهبك في إبراز الحقيقة المسيحية وبما أنك قد حملت هذا العبء وحدك فأسعدني بمعاونتك وحمايتك إلى أقصى حد يمتد له سلطاني... إن سلامتك ثمينة بالنسبة لنا جميعاً... ومن ثم فإني أرى أن تتخلى عن كل فكرة بالإقامة في مكان آخر وتعال إلى إنجلترا وثق أنك ستلقي ترحيباً حاراً. وعليك أن تذكر شروطك وثق أنها ستكون سخية ومشرفة كما تشاء. واذكر انك قلت يوماً أنك ستتخذ من هذا البلد موطناً لك في شيخوختك بعد أن تكون قد تعبت من التجوال. وإني لأتوسل إليك بكل ما هو مقدس وصالح أن تفي بوعدك هذا ولسنا الآن في مركز يتيح لنا أ~ن نعرف قيمة علمك أو نصيحتك وسوف نعتبر وجودك بيننا أثمن ما نمتلك... وإذا كنت في حاجة إلى الاستمتاع بوقت فراغك فلن نسألك شيئاً سوى أن تجعل من مملكتنا موطناً لك... تعال إلى إذن يا عزيزي أرازموس وليكن حضورك بمثابة إجابة لدعوتي" فكيف يمكن أن ترفض دعوة رقيقة كريمة كهذه؟ أن لسان أرازموس ينعقد حتى لو نصبته روما كردينالاً، ففي إنجلترا حيث يحيط به أصدقاء من ذوي النفوذ ويحميه ملك قوي يستطيع أن يكتب بحرية ويعيش بحرية في أمان وودع علماء الإنسانيات في روما في شئ من التبرم، إلى القصور الرحبة والمكتبات... إلى الكرادلة الذين ناصروه... واتخذ طريقه مرة أخرى فوق جبال الألب إلى باريس فانجلترا.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق