إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 30 أبريل 2014

1338 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الملكة العظيمة -> مزايا المحنة الكتاب الأول ابتهاج غامر في إنجلترا 1558 - 1648 الفصل الأول الملكة العظيمة 1558 - 1603 1- مزايا المحنة






1338


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الملكة العظيمة -> مزايا المحنة

الكتاب الأول


ابتهاج غامر في إنجلترا


1558 - 1648


الفصل الأول


الملكة العظيمة


1558 - 1603


1- مزايا المحنة


في السابع عشر من نوفمبر 1558، ركض أحد الرسل إلى فناء القصر الملكي في هاتفيلد-على مسافة 36 ميلاً إلى الشمال من لندن- وأعلن إلى اليزابيث تيودور أنها أصبحت ملكة على إنجلترا. أن أختها غير الشقيقة، الملكة ماري ذات السمعة التي يرثى لها، قد وافاها الأجل المحتوم في غسق الصباح في ذاك اليوم. وفي لندن عندما تلقى البرلمان هذا النبأ هتف: "حفظ الله الملكة اليزابيث! فليطل أمد حكمها علينا!"-ولم يكن يدور بخلده أو يحلم بأن حكمها سوف يمتد إلى خمسة وأربعين عاماً. وعلى الرغم من أن الكنائس كانت توجس خيفة فأن صليل نواقيسها هز أجواز الفضاء. ومد الناس في إنجلترا موائد الأفراح في الشوارع، كما فعلوا من أجل ماري من قبل، وصبغوا السماء في ذلك المساء بأضواء المشاعل التي تشف عن الأمل الخالد.
وفي اليوم السبت التاسع عشر من نوفمبر، احتشد كبار اللوردات والسيدات وأعضاء مجلس العموم من جميع أنحاء المملكة في قصر هاتفيلد، ليقسموا يمين الولاء للملكة، ويتلمسوا في هذه المناسبة غنماً، وفي اليوم العشرين خطبت فيهم اليزابيث في أسلوب ملكي حقاً، قائلة.
أيها اللوردات: أن قوانين الطبيعة لتثير في نفسي لواعج الأسى والحزن على أختي، وإن العبء الذي ألقى على كاهلي ليذهلني، ولكني بوصفي من عباد الله، يتعين


عليّ الامتثال لاختياره إياي لهذا المنصب. أني فوق ذلك سوف أخضع لمشيئته، تحدوني الرغبة في أعماق قلبي، في أن يهبني العون، بفضله وكرمه، علي تنفيذ إرادته سبحانه وتعالى في المهمة التي وكلت اليوم إلي، وما أنا، من الناحية المادية إلا بشر، ولكني بإذنه تعالى بشر سياسي عليه أن يحكم. فهل لي أيها اللوردات، وخاصة النبلاء منكم، كل على قدر مرتبته وسلطته- هل لي أن أطمع في أن تكونوا عوناً لي، حتى أستطيع أنا بحكمي وانتم بخدماتكم، أن نقدم لله سبحانه وتعالى عملاً مقبولاً، ونترك لأعقابنا على الأرض شيئاً من الرفاهية والراحة(1)."
وفي اليوم الثامن والعشرين من نوفمبر، اخترقت إليزابث، مرتدية ثوباً من القطيفة القرمزية، شوارع لندن في موكب عام، إلى نفس "برج لندن" التي كانت سجينة فيه منذ أربعة أعوام؛ تنتظر الموت. وفي طريقها، أخذ الأهالي اليوم يهللون ويهتفون لها والمنشدون يتغنون بمجدها وعظمتها، والأطفال يتلون عليها، وهم يرتعدون، ما حفظوه من عبارات الولاء والإجلال، ورحبت طلقات المدافع والبنادق التي لم يسمع لها نظير من قبل، بحكم قدر له أن يكون أزهى وأحفل بالرجال والعقول من أي حكم سبقه في إنجلترا.
وكانت خمس وعشرون سنة من المحاكمات قد هيأت إليزابث لتسيطر وتتفوق. وفي 1533 بدا أن من حسن طالعها أن يكون هنري الثامن أباً لها، ولكن كان خطراً عليها أن تكون أمها آن بولين. إن العار الذي لحق بأمها ثم إعدامها، وقعاً في وقت لم تكن الطفلة فيه تعي أو تذكر شيئاً (1536)، ولكن مرارة هذا التراث الكريه لازمتها وما إنجابت عنها طيلة شبابها، ولم تبرأ منها إلا بفضل بلسم الملك. ونص قرار أصدره البرلمان في 1536 على أن زواج آن باطل، ومن ثم صارت إليزابث ابنة غير شرعية، ولاكت اللسنة موضوع أبوة البنت، واختلفت الأقوال فيه بشكل قاس، وكانت في نظر معظم الإنجليز، على أية حال، ابنة زنى. ولم تعد الشرعية إليها قط بحكم القانون، ولكن قراراً آخر من البرلمان (1544) ثبت حقها في تولي العرش، بعد إدوارد أخيها من أبيها، وماري أختها لأبيها. وفي أثناء حكم إدوارد (1547-1553) تمسكت إليزابث بالبروتستانتية ولكن عندما اعتلت


ماري الكاثوليكية العرش، آثرت إليزابث الحياة على التمسك بمذهبها، فتحولت إلى الطقوس الرومانية الكاثوليكية. ولما أخفقت ثورة ويات Wyatt (1554) في خلع ماري، اتهمت إليزابث بالاشتراك في المؤامرة، وأرسلت إلى برج لندن (السجن)، ولكن ماري قررت بأن التهمة غير ثابتة على إليزابث، وأفرجت عنها لتعيش في وودستوك Woodstock تحت المراقبة. وأقرت ماري قبل وفاتها أن تخلفها أختها على العرش، وأرسلت إليها مجوهرات التاج. وإنا لنعزو حكم إليزابث إلى شفقة ماري "السفاحة".
وكان التعليم الأكثر منهجية لإليزابث واسعاً، وكان معلمها الخاص المشهور-روجر أسكام-يتيه فخوراً "بأنها تتحدث بالفرنسية والإيطالية بمثل ما تتحدث بالإنجليزية، وأنها كثيراً ما تتحدث معي في يسر وطلاقة باللاتينية، وإلى حد ما باليونانية(2)"، وكانت تتلقى في كل يوم لمحة من اللاهوت، وتضلعت في العقيدة البروتستانتية، ولكن يبدو أن معلميها الإيطاليين نقلوا شيئاً من مذهب الشك الذي رضعوه وتأثروا به من بومبوناتزي ومكيافللي وروما في عصر النهضة.
ولم تكن إليزابث مطمئنة على تاجها وعرشها قط. وأكد البرلمان من جديد في 1553 عدم شرعية زواج أمها من أبيها، واتفقت الحكومة والكنيسة على أنها ابنة زنى، واستبعد القانون الإنجليزي-متجاهلاً وليم الفاتح- كل أولاد الزنى، من ولاية العرش؛ واعتقد العالم الكاثوليكي-وكانت إنجلترا لا تزال كاثوليكية إلى حد كبير-أن الوريثة الشرعية للتاج الإنجليزي هي ماري إستيوارت، إبنة حفيدة هنري السابع، وقد أشير بأنها لو سالمت الكنيسة، لمحا عنها البابا وصمة بنوة الزنى واعترف بحقها في الحكم. ولم يكن بها ميل شديد إلى هذا. فإن آلافاً من الإنجليز كانوا قد وضعوا أيديهم على أملاك انتزعها البرلمان من الكنيسة في عهد هنري الثامن وإدوارد السادس، وكان هؤلاء الملاك ذوو النفوذ يخشون العودة إلى الكاثوليكية، ومن ثم تفرض الكنيسة استعادة أملاكها. ولذلك كانوا على استعداد للنضال من أجل ملكة بروتستانتية، كما أن الكاثوليك في إنجلترا آثروا الملكة البروتستانتية على الحرب الأهلية. وفي 15 يناير 1559، وسط هتافات لندن


البروتستانتية، توجت اليزبيث في كنيسة وستمنستر "ملكة على إنجلترا وفرنسا وأيرلندة، وحامية للعقيدة". ذلك أن ملوك إنجلترا منذ عهد إدوارد الثامن طالبوا، بانتظام، بحقهم في عرش فرنسا، إنهم لم يقصروا في شيء يثقل كاهل الملكة بالمتاعب.
إن إليزابث الآن في سن الخامسة والعشرين، وفيها كل الفتنة التي تقترن بنضج الأنوثة. وكانت متوسطة الطول، حسنة المظهر، مليحة القسمات، ذات بشرة تميل إلى السمرة، وعينين وضاءتين، وشعر أسمر يضرب إلى الحمرة، ويدين جميلتين عرفت كيف تظهرهما للعيان(3). ويدا ضرباً من المستحيل أن تتمكن مثل هذه الفتاة من أن تواجه بنجاح الفوضى التي تحيط بها، فقد مزقت المذاهب الدينية المتصارعة أوصال البلاد، جرياً وراء السلطة، مستخدمة السلاح، وكان الفقر المدقع داء متوطناً، وكان التشرد قد بقى على حاله بعد العقوبات الرهيبة التي فرضها عليه هنري الثامن. وعوقت العملة الزائفة سير التجارة الداخلية، وانتشرت هذه العملة الزائفة لمدة نصف قرن، وكان لهذا أثره في هبوط رصيد الخزانة، ومما جعل الحكومة تدفع 14% فائدة على القروض، واستغرقت العقيدة الدينية كل تفكير ماري تيودور. إلى حد أنها لم تول شئون الدفاع الوطني أية عناية، وقبضت يديها عنه، فأهملت الحصون وبقيت الشواطئ دون حماية، ولم تعد البحري صالحة، وساءت رواتب الجيش وطعامه، وشغرت الوظائف فيه. وباتت إنجلترا-التي كانت أيام ولزي وتحتفظ بميزان القوى في أوربا- باتت الآن كسيحاً سياسياً مشلولاً تتقاذفه كل من أسبانيا وفرنسا. ودخل الجيوش الفرنسية إلى إسكتلندة، وكانت أيرلندة توجه الدعوة إلى أسبانيا. وكان الحرمان من الكنيسة-حرماناً مطلقاً أو جزئياً- سيفاً مصلتاً على رأس الملكة يهددها به البابا، كما كان يهددها بغزو الدول الكاثوليكية لبلادها. وبدا الغزو وشيكاً قطعاً في 1559. وكان الخوف من القتل يساورها دوماً، ولم ينقذها إلا دبيب الشقاق بين أعدائها، وحكمة مستشاريها، وشجاعة روحها. ولقد صعق السفير الأسباني "بروح المرأة..... أن بين جنبيها شيطاناً يتملكها، ويقودها حيث يريد(4)". ولم تكن أوربا تحسب أنها ستجد روح إمبراطور وراء ابتسامات فتاة.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق