إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1260 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> إدوارد السادس وماري -> حماية سومرست الفصل السادس والعشرون إدوارد السادي وماري تيودور 1547 - 1558 1- حماية سومرست





1260


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> إدوارد السادس وماري -> حماية سومرست

الفصل السادس والعشرون


إدوارد السادي وماري تيودور


1547 - 1558


1- حماية سومرست


لقد رسم هولبين صورة تعد من أعظم صوره على الإطلاق جاذبية للصبي البالغ من العمر عشر سنوات، والذي ارتقى عرش إنجلترا باسم إدوارد السادس، وذلك قبل ارتقائه العرش بأربع سنوات: قلنسوة مزينة بالريش، وشعراً أحمر، ورداء له بنيقة من فرو للفاقم، ووجهاً فيه من الدعة والرقة التي تنم على قلق دفين، ما يدفعنا إلى الظن بأنه ورث كل هذه الصفات من جين سيمور ولم يرث شيئاً من هنري الثامن. ولعله ورث عنها ضعفها الجسماني الذي جعلها تدفع حياتها فداء له، ولم يوفق يوماً في الحصول على القوة التي تعينه على الحكم. ومع ذلك فإنه قام بالتبعات الملقاة على عاتقه باعتباره أميراً أو ملكاً بإخلاص نبيل، فدرس اللغات والجغرافية وفن تدبير الحكم والحرب بشغف، وفرض رقابة دقيقة على كل شئون الدولة التي تصل إليها معرفته، وأبدى للجميع ما عدا الكثالكة المنشقين شفقة عظيمة وحسن نية كبيرة، إلى حد أن إنجلترا ظنت أنها دفنت غولاً لتتوج قديساً. وتعلم على يد كرانمر فأصبح بروتستانتياً متحمساً، ولم يكن من أنصار توقيع أي عقوبة قاسية على مَن يتهم بالهرطقة، ولكنه كره أن يترك أخته غير الشقيقة ماري تحضر القداس، لأنه كان يؤمن بإخلاص أن القداس أشد ضروب عبادة الأوثان كفراً. وقبل مسروراً القرار الذي اتخذه المجلس



الملكي باختيار عمه إدوارد سيمور- الذي أنعم عليه حالاً بلقب دوق أف سومرست- وصياً عليه، وقد آثر انتهاج سياسة بروتستانتية.
كان سومرست رجلاً على حظ من الذكاء والشجاعة، ويتصف بتماسك، يشوبه بعض النقص، وإن كان في عصره من السجايا البارزة، وكان وسيماً رقيق الحاشية كريما، وأخجل بسيرته الطبقة الأرستقراطية الجبانة التي كانت لا تنشد إلا مصلحتها، وتغفر له كي شيء إلا تعاطفه مع الفقراء. وعلى الرغم من أنه كان يتمتع بسلطة مطلقة تقريباً، فإنه قضى على الحكم المطلق الذي أقامه هنري السابع وهنري الثامن، وسمح للناس بحرية أكبر في التعبير بالكلام، وخفض عدد الأفعال التي كانت تعد فيما سبق من قبيل خيانة الدولة أو الخيانة العظمى، واقتضى وجود دليل أقوى للحكم بثبوت الجريمة، وأعاد إلى أرامل المحكوم عليهم صداقهن، وألغى القوانين الجائرة الخاصة بالدين والتي صدرت في العهد السابق. وظل الملك رئيساً للكنيسة الإنجليزية. وكان الحديث في غير خشوع عن القربان المقدس جريمة تستحق العقاب، بيد أن القانون نفسه أمر بأن يقدم القربان المقدس بالصورتين المعروفتين، ونص على أن الإنجليزية هي لغة الصلاة، ورفض المطهر والقداسات للموتى. وعاد البروتستانت الإنجليز الذين كانوا قد فروا من إنجلترا ومعهم لقاح لوثر وزونجلى وكالفن، وعندما اشتم مصلحون أجانب عبير الحرية الجديدة، جاءوا معهم إلى الجزيرة المضطربة بأناجيل متعددة.
وأقبل بيتر مارتير فيرمجلي ومارتن بوسر من ستراسبورج، وجاء برنادرينو أوكينو من أجسبورج، وجان لاسكي من إمدن. وعبر المنكرون للتعميد والقائلون بوحدة الكنيسة القناة للتبشير في إنجلترا بهرطقات أفزعت البروتستانت بقدر ما أفظعت الكاثوليك. وأزالت الجماهير محطمة الأصنام في لندن والصلبان والصور والتماثيل من الكنائس، ووعظ نيكولاس ريدلي، عميد كلية بمبروك، بجامعة كامبردج بعنف ضد الصور الدينية والماء المقدس،

ولكي يتفوق عليهم جميعاً رئيس الأساقفة كرانمر "أكل اللحم علناً في الصوم الكبير، وهو أمر لم يشهده أحد قط من قبل مذ أصبحت إنجلترا بلداً مسيحياً(1)". ورأى المجلس الملكي أن هذا قد تجاوز الحد، ولكن سومرست تغلب عليه، وأطلق الحرية للإصلاح الديني. وأصدر المجلس النيابي (1547) برئاسته أمراً بنزع كل صورة على جدار كنيسة أو نافذتها تشيد بذكر نبي أو حواري أو قديس "حتى لا تبقى هناك أي ذكرى له نفسه". وحطم معظم الزجاج الملون في الكنائس وسحقت أغلب التماثيل، واستبدل بالصلبان شعارات ملكية، واتخذت الجدران المبيضة بالكلس والنوافذ ذات الزجاج الأبيض لونها من ديانة إنجلترا.
وكان في كل محلة كفاح مرير من أجل فضة الكنيسة وذهبها، واستولت الحكومة عام 1551 على ما تبقى. وبقيت تقريباً كاتدرائيات القرون الوسطى الفخمة.
وكان الأسقف كرانمر هو الذي تزعم حركة القيام بهذه التغيرات، وكان خصماها الكبيران أدموند بونر، أسقف لندن، وستيفن جاردنر، أسقف ونشستر، وقد أمر كرانمر بإرسالهما إلى سجن فليت . وفي غضون ذلك كان الأسقف يقوم منذ سنوات بمحاولة ليقدم في كتاب واحد بديلاً للكتاب المقدس وكتاب الصلوات عند الكنيسة المغلوبة على أمرها. وساعده بيتر مارتير وعلماء آخرون، بيد أن هذا الكتاب الأول للصلاة العامة (1548) كان أصلاً ثمرة جهد شخصي لكرانمر، امتزجت فيه الحماسة للعقيدة الجديدة بإحساس رقيق لجمال رزين في الشعور واللفظ بل أن ترجماته من اللاتينية فيها سحر عبقريته.


ولم يكن الكتاب ثورياً تماماً فقد أخذ ينتهج بعض السوابق اللوثرية مثل رفض سمة التضحية في القداس، ولكنه لم ينكر أو يؤكد التجسيد، واحتفظ بالكثير من الشعيرة الكاثوليكية، وكان يمكن قس من أنصار الكنيسة الرومانية لا يدقق كثيراً أن يقبلها. ولم يقدمه كرانمر إلى المجمع الأكليروسي بل قدمه إلى المجلس النيابي، ولم تكن هذه الهيئة العلمانية تطوي بين جوانحها أي تبكيت مصدره سلطة قضائية في النص على شعيرة أو عقيدة دينية. وأصبح الكتاب قانوناً للمملكة، وصدرت الأوامر لكل كنيسة في إنجلترا للعمل به. وأعيد سجن بونروجاردنر، وكانا قد أطلق سراحهما في عفو عام 1549، وذلك عندما رفضا الاعتراف بحق المجلس النيابي في سن تشريع في مجال الدين. وسمح للأميرة ماري بحضور قداس في خلوة بجناحها.
ونشأ موقف دولي خطير أدى إلى تهدئة الجدل العنيف بين الكثالكة والبروتستانت إلى حين. وطلب هنري الثاني ملك فرنسا الجلاء عن بولونيا، وعندما رفض طلبه أعد لحصارها، والحق إن ماري ستيوارت، ملكة الاسكتلنديين، وكانت وقتذاك في الخامسة من عمرها وتقيم في فرنسا، كانت حرية بأن تدخل إسكتلندة في الحرب. وعندما علم سومرست أن الاسكتلنديين يتسلحون ويثيرون فتنة في إيرلندة قاد قوة عبر بها الحدود وهزمهم في بنكي كليو (10 سبتمبر سنة 1547)، وكانت الشروط التي عرضها على الاسكتلنديين سخية وتدل على بعد نظر: لن يتعرض الاسكتلنديون إلى التفريط في حريتهم أو مصادرة أملاكهم، وتتحد إسكتلندة وإنجلترا في "إمبراطورية بريطانيا العظمى". ولكل أمة أن يكون لها حكم ذاتي تطبق فيها قوانينها الخاصة، ولكن كلا البلدين تحكمهما، بعد الحكم الجاري، ذرية ملكة الاسكتلنديين، وكان هذا على وجه الدقة الاتحاد الذي تم في عام 1603، اللهم إلا إذا استثنينا أنه يسر عودة الكاثوليكية



إلى إنجلترا وتواصلها في إسكتلندة. ورفض الكثالكة في إسكتلندة المشروع خشية أن تصل عدوى البروستانتية الإنجليزية إلى بلادهم، وإلى جانب هذا كان النبلاء الاسكتلنديون يتلقون مرتبات من الحكومة الفرنسية، وكانوا يرون أن عصفوراً في اليد خير من عشرة على الشجرة.
وأحبطت مساعي سومرست في سبيل السلام وواجه الحرب مع فرنسا، وجاهد أن يرسي دعائم مصالحة بين عقائد لا تعرف المصالحة في الوطن، وترامى إلى أسماعه دقات متجددة لطبول ثورة زراعية في إنجلترا، فشرب كأس السلطة حتى الثمالة عندما دبر شقيقه مؤامرة للإطاحة به. ولم يقنع توماس سيمور بأن يكون اللورد الأمير البحار وعضو المجلس الخاص بل كان يريد أن يصبح ملكاً. فتودد إلى الأميرة ماري ثم إلى الأميرة اليزابيث، ولكن عبثاً. وتلقى مالاً مسروقاً من دار السكة وأسلاباً من القراصنة الذين سمح لهم بالدخول في القناة، وعندما حصل على الأموال اللازمة حشد مخازن سرية للأسلحة والذخيرة. واكتشفت مؤامرته، واتهمه إيرل وأورويك وإيرل سوثهامبتون، وأدانه مجلسا البرلمان بالإجماع تقريباً وحكم عليه في 20 مارس سنة 1549 بالإعدام، وحاول سومرست أن يحميه، ولكنه فشل، وسقطت وضاعت هيبة الحامي بسقوط راس أخيه.
وألحقت ثورة كيت الخراب الشامل بسومرست. وأوضحت تلك الثورة مدى ما تتسم به من شذوذ ظاهر، فبينما كانت ثورة الفلاحين في ألمانيا بروتستانتية، كانت في إنجلترا كاثوليكية، وفي كل حالة كان الدين مظهراً للاستياء من الحالة الاقتصادية، وفي إنجلترا كان المظهر كاثوليكياً لأن الحكومة كانت وقتذاك بروتستانتية. وكتب فرود البروتستانتي يقول: "في التجربة التي خاضها فقراء المزارعين كانت زيادة معاناة الأشخاص نتيجة رئيسية للإصلاح الديني(2)".

ومما يفاخر به رجال الدين البروتستانت في هذا العهد- كرانمر ولاتيمر وليفر كراولي، أنهم استنكروا الاستغلال الشديد للفلاحين، ولقد ندد سومرست في غضب شديد باغتصاب الملاك الجدد "الذين برزوا من الحضيض" لثورة المدينة(3).
ولم يكن في وسع المجلس النيابي أن يفكر في وسائل علاج أكثر حكمة من إجازة قوانين صارمة ضد التسول، وأن يوجه الكنائس بأن تتولى جمع تبرعات للفقراء كل أسبوع: وأرسل سومرست لجنة تتقصى الحقائق عن الأراضي المسورة والإيجارات المرتفعة، وقوبلت بمقاومة مستورة حيناً أو صريحة حيناً آخر من ملاّك الأراضي، وأرهب المستأجرون إلى حد العمل على إخفاء أخطائهم، ورفض المجلس النيابي الأخذ بالتوصيات المتواضعة للجنة وكان يمثل الأعيان فيه ملاك المناطق الزراعية. وافتتح سومرست محكمة خاصة في داره لسماع شكاوى الفقراء، وانضم عدد من النبلاء، أخذ يتزايد يوماً بعد يوم، ويتزعمهم جون دولي، إيرل أف وأرويك، إلى حركة تستهدف خلعه.
ولكن الفلاحين كانوا وقتذاك غاضبين بسبب الأخطاء المتراكمة وفشل القضايا المرفوعة لرد الحيف، فانفجروا في ثورة امتدت من أقصى إنجلترا إلى أدناها، وثارت أولاً سومر ستشاير ثم ولتز وجلوسستر شاير ودورست وهامبشاير وبروكس وأكسفورد وبكنجهام في الغرب كورنول وديفون، وفي الشرق نورفولك وكنت. ونظم روبرت كنت وهو من صغار ملاّك الأراضي في نورويتش، الثوار وقبض على زمام الحكم البلدي وأقام كومونا للفلاحين تولى حكم المدينة وما وراءها شهراً. وضرب كنت مخيماً عسكر فيه 16.000 رجل، وهناك كان يجلس يومياً تحت شجرة سنديان للحكم بين ملاّك الأراضي المذنبين الذين قبض عليهم الفلاحون. ولم يكن متعطشاً للدماء، فالذين أدانهم وحكم عليهم سجنوا وقدم إليهم الطعام. ولم يكن يقيم وزناً كبيراً لحقوق


الملكية وصكوكها وأمر رجاله بأن ينقبوا في الأراضي الريفية المجاورة وأن يقتحموا المنازل في الضياع، ويصادروا كل الأسلحة ويسوقوا كل الماشية، ويستولوا على كل المؤن حيثما وجدت لصالح الكومون. أما الأغنام، وهي أكبر خصوم للفلاح في الانتفاع بالأرض، فقد جمع منها 20.000 رأس، ووزعت للاستهلاك في كثير من السرف، "عجول لا تحصى" وبجع وأيلات وبط وغولان وخنازير. ومع ذلك فقد حافظ كنت وسط هذه الوليمة على نظام عجيب، بل وسمح لواعظ بدعوة الرجال إلى التخلي عن الثورة. وشعر سومرست بكثير من التعاطف مع الثوار، ولكنه اتفق في الرأي مع وأرويك على تشتيتهم، لئلا يهدم البناء الاقتصادي بأسره في الحياة الإنجليزية. وأنفذ وأرويك مرة أخرى لقتالهم ومعه جيش كان قد حشد حديثاً للقتال في فرنسا. وعرض على الثوار منحهم عفواً عاماً، إذا عادوا إلى بيوتهم وآثر كت في القبول، بيد أن بعض المتهورين رأوا حسم الأمر بالمعركة، فأذعن كت لهم. وتقررت النتيجة يوم 17 أغسطس سنة 1549، وانتصر تكتيك وأرويك، وقتل 3500 ثائر، ولكن عندما استسلم الباقون قنع وأرويك بشنق تسعة، وأرسل كت وأحد أشقائه إلى السجن في لندن. ووصلت أنباء الهزيمة إلى جماعات الثوار الأخرى فخارت عزيمتهم، ووضعت جماعة إثر أخرى أسلحتها، بعد أن وعدت بالحصول على عفو عام. واستخدم سومرست نفوذه لإطلاق سراح معظم الزعماء وبقي أشقاء كت على قيد الحياة إلى حين.
واتهم الحامي بأنه شجع على الثورة بتعاطفه الصريح مع الفقراء، ووصم بالفشل في الشئون الخارجية لأن فرنسا كانت وقتذاك تحاصر بولونيا. واتهم بحق بالسماح بالفساد بين موظفي الحكومة وتخفيض قيمة العملة ومضاعفة ثروته وبناء بيت سومرست الفخم، وسط الظروف التي أشرفت فيها الأمة إلى الإفلاس. وتزعم وأرويك وسوثهامبتون حركة لإقصائه عن مقعده،


وكان معظم النبلاء على استعداد للتغاضي عن ثروته، ولكنهم لن يغفروا له أبداً عطفه على فلاحيهم، فانتهزوا الفرصة للإنتقام. وفي 12 أكتوبر سنة 1549 سيق الدوق أف سومرست باعتباره سجيناً في موكب اخترق شوارع لندن وسجن في البرج.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق